Wednesday 12th April,2000 G No.10058الطبعة الاولى الاربعاء 7 ,محرم 1421 العدد 10058



منعطفات
الشخصي والمهني!
د, فهد سعود اليحيا

كانا الاستشاريين الوحيدين في ذات القسم, وكان بينهما ما صنع الحداد والدهر, ولم يكن أحد يدري بالتحديد ما هي اسباب الخلاف وكيف بدأت ولمَ, ولكن كان من الواضح ان الأسباب شخصية مهما كان كل واحدٍ منهما يحاول أن يغطي الخلاف بستارة من الموضوعية، والمصلحة العامة، إلى آخر هذه الأكليشيهات المستباحة: لقد كان الخلاف اصطداماً بين الشخصيات، وغيرة، ولهاثاً حول الامتيازات, نسيتُ أن أقول إنهما كانا في مستشفى ما في الرياض، ولكن كان صيت الخلاف بين المختصين يغطي الدول العربية من الماء والماء, وكان السؤال الذي يوجه لمن كان من منسوبي هذا القسم في أي مؤتمر عربي أو عالمي: إيه أخبار د, فلان ود, علّان؟ أو إيه آخر أخبار مشاكل د, فلان وعلّان؟ !
طبعا كان الأطباء الصغار بين المطرقة والسندان، حيث كان كل من الخصمين يحاول استمالتهم إلى صفه بالترغيب والترهيب، ثم وصل الأمر إلى من لم يكن معي فهو ضدي ! وانتهى إلى حرب قذرة, ولكن والشهادة لله لم يصلا إلى حد أن يمرمط أحدهما الآخر بالبلاط أمام الموظفين وجهاراً علاناً، ببساطة لأن الظروف لم تكن تسمح بذلك, كانت مأساة حقيقية، وفي نظري أنها كانت جريمة في حق الطب والمستشفى والبلد, ولكي أطمئن القراء أقول إن الموضوع انتهى منذ سنوات عديدة ولعل القسم عاش بعد هذه المأساة في ثبات ونبات.
ولكن ليست هذه المشكلة، فأنا على يقين أنها تتكرر بقسوة وشراسة في أماكن كثيرة وربما في قسمك أو إدارتك، أو في مدرستك أو في كلِّيتك, وأنا على يقين بأن كثيراً من المشاريع توضع على الرف، وأن كثيراً من المصالح العامة تهدر بسبب صراع بين شخصين: هذا يؤكد أن المشروع مفيد، والآخر يؤكد أنه سفه وتبذير وأنا أؤكد أن أحداً منهما لم ينظر إلى المشروع إلا من زاوية خلف خلاف وعكس عكاس ، وأن كلاً منهما تبنى موقفه نكاية في الآخر: ووالله العظيم، وعلي الطلاق، ما تمشي كلمته إلا على جثتي وليخرجن الأعز منا الأذل .
لا يخلو مكان عمل من حزازات وتناحر وخلافات، وربما تكون الأسباب لعدم القبول وهو ما يطلق عليه الأمريكيون اختلاف الكيمياء بينهما، وربما تكون مستديمة, ولكن مشكلتنا نحن بني العالم الثالث أن الخلافات تخرج من مكان العمل لتصل إلى القاصي والداني والسبب أن الخلاف ذاتي وليس موضوعياً، واسأل كل قارئ درس في أوروبا أو أمريكا هل علم عن خلاف بين أو عداء بين أستاذين؟ وإذا علم متى؟ وكيف؟
شخصياً درستُ في معهد الطب النفسي وتدربت في المستشفيات الثلاثة على مدى أربع سنوات، وكنتُ معروفاً لدى كبار الأساتذة ليس لنبوغي أو شطارتي فقد كنتُ متوسط المستوى ولكن لنشاطي في لجنة الأطباء الأجانب ولجنة الأطباء العرب, ومع ذلك لم يحاول أحد أن يلمّح لي ولو تعريضاً عن خلافه مع آخر (لو كنت في إحدى دول العالم الثالث لحدث ذلك في سبيل تأليب أعضاء اللجنة ضد الآخر), وقبل عودتي بشهر عرفتُ من مشرفتي أن هناك خلافا بين هذا البروفيسور وذاك, وحتى عندما أخبرتني ذلك كانت محايدة تماماً بحيث لم أعرف من كان منهما على حق، من وجهة نظرها.
التقدم الحضاري يؤدي إلى تقدم في الشخصية والأفكار وهذا الفرق بيننا وبينهم, والحضارة ليست مباني شاهقة، وطرقات فسيحة، وسيارات فارهة، ولكنها في الوصول إلى هذه الأشياء من العدم وليس بالحصول عليها جاهزة, والتحضر يفرض الفصل بين المسائل الشخصية )Personal( والأمور المهنية )Professional( (أو العملية أو الحرفية، لا أدري)، وهناك مقولة أوروبية تقول: ما هو شخصي شخصي، وما هو مهني مهني وتعني ببساطة أنه ليس من الضروري أن تكونا، في العمل، متحابين ومنسجمين وتشجعان نفس الفريق وتقرآن الصحف وتشربان الشاي في مكتب واحد لكي تعملا معا, وأيضا، من الممكن أن تكرها بعضكما البعض لأي سبب ولا يعرف أحدكما الآخر خارج نطاق العمل ولكن بمقدوركما أن تعملا معاً بهدوء وسلام.
والوصول إلى هذا الأمر ليس باليسير ولكنه أشبه بجهاد النفس، ولكن من الممكن أن نيسر على أنفسنا هذا الأمر: في المواد الدراسية المعنوية هناك السلوك والمواظبة ولا أدري إذا كان هناك غيرهما، ولا تدخل علاماتهما في المجموع ولا تؤثر، والمقصود بالسلوك أن لا يكون الطالب مشاغبا أو مشكلجي ومؤدبا وأن يقول حاضر يا أستاذ حسنٌ، لماذا لا تكون هذه المادة في الجدول الدراسي بواقع حصة كل أسبوعين أو كل شهر لتعليم أولادنا وبناتنا في كل المراحل بما فيها الجامعة آداب السلوك الإنساني على يد أخصائيين مُدربين (وليس أخصائيين متخرجين، والسلام) فيتعلم فلذات أكبادنا مهارات الاستماع، والحديث، والتواصل وتقويم (بمعنى تقدير) الأمور، وتقويمها (بمعنى التعديل) واحترام العمل والفصل بين الشخصي والمهني، وغير ذلك من المهارات النفسية والسلوكية التي تؤدي في النهاية إلى شخصية متماسكة لا يهمها أن يعترض الآخرون على وجهة نظرها فلا تعاديهم من أجل ذلك، بل ترى في الاختلاف ثراء للشخص، وإثراء للموضوع.
لو، على سبيل المثال، بدأنا بذلك عام 2005م في السنة الأولى الابتدائية ثم أضفناها إلى السنة الثانية في العام اللاحق، وهكذا، لتوفر لدينا عام 2030م جيل مختلف من الخريجين يتقدمون إلى العمل فاصلين بين الشخصي والمهني جاعلين مصلحة الوطن، عن حق، هي الهدف والمعيار, فكِّروا معي!
fahads @suhuf,net.sa

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

تحسين وضع وتعيين 5759 معلمة

منوعـات

تقارير

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved