يواجه العالم مشكلتي الجوع وسوء التغذية منذ سنوات بعيدة,
وقد تولت منظمة الغذاء والزراعة FAO مسؤولية إجراء المسح الغذائي في العالم، لمعرفة العجز الغذائي ومناطق الفيض الغذائي.
وقد أطلقت المنظمة (الفاو) حملة التحرر من الجوع، بهدف تنبيه الرأي العام إلى استمرار خطورة مشكلة الغذاء العالمية.
إن استمرار الفقر وسوء التغذية أمر لايمكن قبوله من الناحية الأخلاقية والاجتماعية,
وهو أمر يتعارض مع كرامة الانسان وحقه في تكافل الفرص مع إخوانه في المجتمع، كما أنه يهدّد الامن الاجماعي على المستوى العالمي.
ورغم الجهود المبذولة، وعقد المؤتمرات العالمية للأغذية، فإن مشكلة الجوع وسوء التغذية في العالم بقيت مثار تهديد دائم.
فقد واجهت الهند في الستينيات تهديداً بمجاعات خطيرة، وكذلك تفجرت المجاعة المفاجئة التي حدثت في بلاد أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث أصابها الجفاف والقحط، فهلك أكثر من مليوني نسمة.
وعلى الرغم من بشائر الأمل التي أخذت تراود بعض الشعوب على أثر ظهور فكرة الثورة الخضراء في بعض البلدان الآسيوية، وذلك بإحلال أصناف جديدة من الحبوب وفيرة الغلة والتي حققت نتائج باهرة، إلا أن عقبات كثيرة، فنية واقتصادية واجتماعية، قد حدت من مدى النجاح وعمقه في بلاد نامية أخرى.
لهذا لم تتحقق جميع الآمال التي كانت معقودة على هذه الثورة الخضراء, فظلت البلدان النامية معرضة لنقص الأغذية حتى واجهتها محنة قاسية واسعة النطاق لم تقتصر عليها بل شملت العالم بأكمله.
إن مسؤولية الأزمات الغذائية تقع على عاتق الدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء حين تعطى الأولوية للتصنيع على حساب القطاع الزراعي، مما يزيد من تبعية بلدان العالم الثالث للبلدان المتقدمة للمواد الغذائية.
وقد دعا ذلك الأمم المتحدة لعقد المؤتمر الغذائي العالمي في روما وإنشاء الصندوق الدولي للتنمية الزراعية وإصدار إعلان دولي بشأن معالجة الجوع وسوء التغذية وتحقيق الامن الغذائي العالمي.
ثم توالت المؤتمرات والندوات واللقاءات الدولية بهذا الشأن.
ونتيجة لكل ذلك ازداد اهتمام دول العالم بمشكلة الغذاء، وأصبح من أهم واجبات الدولة هو توفير الأمن الغذائي لمواطنيها، حيث يحتل الغذاء مركز الصدارة من كل مشكلة.
فهو يرتبط بالزراعة، واكثر من نصف سكان العالم من الزراع, وهو يؤثر في التجارة إذ يأتي في مقدمة السلع المتداولة في الأسواق العالمية,
وهو يؤثر في مستوى معيشة الافراد، حيث ينفق الفرد، من العالم الغني، مايتراوح بين ربع وثلث دخله على الطعام ويتبقى لديه فائض كبير, ينفقه على متطلبات الحياة الأخرى.
أما الفرد، من العالم الفقير، فينفق أكثر من 70% من دخله على الطعام، ويعيش في مستوى معيشي منخفض لايجد مايساعده على الرفاهية والتمتع بالحياة.
يقول د, عباس فاضل السعدي في كتابه التقييم الجغرافي لمشكلة الغذاء , إن الغذاء يؤثر في العلاقات الدولية, لان الدول التي تتمتع بفائض غذائي قد تتخذ منه أداة ضغط,
وهذا مما يعطي المشكلة الراهنة للأمن الغذائي بعداً سياسياً خطيراً ثم إن الشعب الجائع تقل قدرته على الانتاج، وقلة الانتاج تباعد بينه وبين الأمن الغذائي المنشود.
إن وجود الفجوة الغذائية بين العالم المتقدم والعالم النامي، وتصاعد المجاعة بين شعوب الدول النامية حدا بالاجهزة المختصة في مجال الغذاء والزراعة بالأمم المتحدة الى تقديم استراتيجية مقترحة تضمن حداً معقولاً من الأمان للبلدان النامية، وذلك من خلال ايجاد مخزون عالمي كاحتياطي لايقل عن 20 مليون طن، مع وضع مخزون طوارىء مناسب لمواجهة الكوارث واحتمالات المجاعة في بقاع العالم.
وبهذا فإن أزمة الغذاء خرجت من كونها مشكلة اقتصادية واجتماعية إلى كونها ايضا مشكلة سياسية وأمنية خطيرة، تتطلب توحيد مواقف البلدان النامية في المحافل الدولية من أجل زيادة قدراتها الاقتصادية ومضاعفة جهودها التنموية في مجال زيادة الانتاج الزراعي والحيواني، من أجل تأمين الغذاء اللازم لحياة شعوبها.
* عضو هيئة التدريس بجامعة الامام محمد بن سعود
عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والاحصاء
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
عضو جمعية البيئة السعودية .