Wednesday 12th April,2000 G No.10058الطبعة الاولى الاربعاء 7 ,محرم 1421 العدد 10058



خلال الجلسة الخامسة لندوة استراتيجيات التنمية في المدن العربية برئاسة الأمير سعود بن ثنيان
المهندس السلطان يستعرض تجربة الهيئة العليا في التطوير الشامل لمدينة الرياض

* الرياض سعد العجيبان
ترأس صاحب السمو الأمير سعود بن عبدالله بن ثنيان آل سعود وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية لشؤون التخطيط صباح أمس الجلسة الخامسة من جلسات ندوة استراتيجيات التنمية الحضرية في المدن العربية التي تقام تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض في الفترة 4 7 من محرم 1421ه بقاعة الملك فيصل بفندق انتركونتننتال بمدينة الرياض,وكان المتحدث الرئيسي في الجلسة مدير عام التخطيط والبرامج بالهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض المهندس إبراهيم بن محمد السلطان حيث قدم ورقة عمل بعنوان تجربة الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض في التطوير الشامل لمدينة الرياض ,وأوضح المهندس السلطان ان مدينة الرياض انتقلت في غضون عقود معدودة من بلدة صغيرة داخل سور طيني إلى حاضرة عصرية تخطت السور ونمت واتسعت في الجهات الاربع لتحضن في إطارها ما حولها من فضاء وصحراء,وأكد أن ذلك ما كان ليتحقق لولا ان هذه المدينة تمتلك من عوامل الجغرافيا والتاريخ ما يؤهلها بجدارة لبلوغ هذه الدرجة من التطور المتميز الرفيع,وامتدح السلطان العوامل الجغرافية لمدينة الرياض حيث تقطن بموقع مركزي بالنسبة لمواقع الاستقرار في وادي حنيفة وبالنسبة لأقاليم نجد ولشبه الجزيرة العربية كلها.
كما تقع في مكان شبه متوسط بين شرق الجزيرة العربية وغربها وفي موقع متوسط بين أقاليم شمال بلاد الجزيرة وجنوبها.
وابان ان مدينة الرياض لها تاريخ عريق في القدم حيث تشير المراجع التاريخية المغلقة بالمنطقة الى ان موقعها شهد وجودا بشريا منذ حوالي ربع مليون سنة، فيما تسجل المراجع التاريخية المدونة عن تاريخ المنطقة والتي تعود إلى عام 715 قبل الميلاد وجود مدينة في ذلك التاريخ تسمى حجر كانت عاصمة لاقاليم اليمامة.
وأفاد السلطان ان مدينة الرياض دخلت بداية من عام 1187ه تابعة للدولة السعودية الاولى التي قامت على اساس دعوة التوحيد التي حمل امانتها الشيخ محمد بن عبدالوهاب وظلت كذلك حتى عام 1233ه وهو عام انتهاء عهد الدولة السعودية الاولى وأصبحت مدينة الرياض قاعدة للدولة السعودية الثانية من منتصف عام 1240ه حيث اتخذها الامام تركي بن عبدالله عاصمة لملكه وأجرى في عهده اصلاحات داخلية تحسينية على مدينة الرياض، حيث اعاد بناء الاسوار وأقام قصراً حصيناً في وسط المدينة وبنى مسجداً كبيراً فيها,وفي عام 1319ه استعاد الملك عبدالعزيز رحمه الله مدينة الرياض، لكن المدينة لم تشهد حتى بداية الخمسينيات من القرن الهجري الماضي اي تغيير من الناحيتين العمرانية والمعمارية، نظرا لانشغال الملك عبدالعزيز بمهمة توحيد البلاد وبناء هذا الكيان، باستثناء ما قام به الملك عبدالعزيز من توسيع واعادة بناء لقصر الحكم القديم ليتخذه مقرا للحكم، وبناء لأسوار المدينة من جديد التي كانت بمثابة نطاق عمراني أمني وكان لها اثره في تشكيل الجوانب العمرانية لتلك المدينة الصغيرة.
وأضاف أنه بدأ النمو الحقيقي في النواحي العمرانية والسكانية بالمدينة مع بداية الخمسينيات من القرن الهجري الماضي وذلك بعد استتباب الأمن واستكمال توحيد المملكة واعلان الرياض عاصمة لها واكتشاف البترول عام 1352ه، حيث بدأ ازدياد السكان في المدينة نظرا لتوافد الهجرات الداخلية نحوها وتطور الحياة فيها، وبدأ النمو العمراني يخرج عن الاسوار المحيطة بالمدينة التي كانت لا تتجاوز مساحة المدينة بداخلها كيلومترا مربعا واحداً فقط، حيث بنى الملك عبدالعزيز قصر المربع خارج السور من الناحية الشمالية عام 1357ه وتلا ذلك ظهور عدد من التجمعات السكنية التي تكونت من الفئات المهاجرة إلى مدينة الرياض، ومع تزايد مساحة المدينة وخدماتها تولدت الحاجة إلى انشاء جهاز يعنى ببعض الخدمات البلدية المحدودة مثل: أعمال النظافة والانارة، ،كان ذلك من خلال انشاء بلدية الرياض في عام 1356ه والتي تعتبر النواة الاولى لأمانة مدينة الرياض.
كان بناء قصر المربع على بعد كيلو متر واحد شمال السور عامل جذب للنمو العمراني حيث بدأ الاتصال بين حدود المدينة داخل السور ومنطقة قصر المربع, وفي منتصف الستينيات، شهدت مدينة الرياض اول عمل تخطيطي منظم لتوفير اراضٍ سكانية حيث جرى تخطيط المنطقة الواقعة جنوب مدينة الرياض منفوحة وتقيسمها إلى قطع سكنية خصصت لتوطين المهاجرين إلى الرياض من أبناء البادية والمناطق المجاورة.
وفي العقدين التاليين بدأت المدينة تأخذ طابع التحول الى نمط النمو الحضري والمعماري الحديث، حيث تمت ازالة الاسوار تماما في عام 1370ه وبدأت عمليات الهدم لبعض المباني السكنية القديمة بغرض تلبية احتياجات المدينة المتزايدة من إقامة اسواق تجارية وتوسيع للطرق، كما بدأت عمليات تشييد البناء تتضاعف بطراز مغاير لطراز البناء السابق وذلك باستخدام مواد الحديد والاسمنت، حيث شيّد عدد من المباني المسلحة، والشوارع الواسعة الحديثة، كما ظهرت احياء جديدة في اتجاهات المدينة المختلفة تلبية للتزايد في عدد السكان والحاجة إلى اقامة مناطق سكنية جديدة، الامر الذي استدعى التفكير في وضع اول مخطط توجيهي لمدينة الرياض عام 1388ه كان الهدف منه تنظيم وتخطيط تنمية المدينة لفترة ثلاثين عاما حتى عام 1420ه، حيث بُني هذا المخطط على توقعات نموسكاني للمدينة قُدر بحوالي 1,4 مليون نسمة ونمو عمراني بحوالي 304 كيلومترات مربعة, وفي الواقع وصل عدد سكان مدينة الرياض عام 1420ه (وهو العمر الافتراضي لهذا المخطط) إلى حوالي أربعة ملايين نسمة، كما تحقق نمو عمراني بلغ اكثر من 850 كيلومترا مربعا,واقترح هذا المخطط امتداد المدينة في اتجاه الشمال لاعتبارات فنية وتخطيطية، كما اقترح امتداد انشطة وسط المدينة من خلال عصب مركزي يتوسط الامتداد الشمالي المتوقع للمدينة، وقد تبنى هذا المخطط فكرة التخطيط الشبكي الذي اصبح فيما بعد سمة مشتركة في جميع مخططات المدينة المعتمدة حتى يومنا هذا, وقد تركزت مقترحات هذا المخطط على الشكل والهيكل العمراني حيث نتج عن هذا المخطط التوجيهي أول مخطط هيكلي عام لمدينة الرياض,وفي عام 1394ه أنشئت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بهدف مراجعة المخطط التوجيهي الاول لمدينة الرياض واقراره والاشراف على تنفيذه، اضافة إلى رسم السياسات العليا لتطوير مدينة الرياض واقرار الخطط الشاملة واللوائح التنفيذية والبرامج التطويرية الزمنية بمدينة الرياض وتحديثها,وفي السنوات الاولى لانشاء الهيئة ظهر ان نمو المدينة السكاني والعمراني يفوق التوقعات الموضوعة في المخطط التوجيهي الاول لذا فقد بدأت العمل على اعداد مخطط رئيسي تنفيذي منقح للمدينة، واكتمل العمل في هذا المخطط عام 1401ه وافترض عام 1410ه حداً زمنيا لنهايته، وافترض نمواً سكانيا قُدر بحوالي 1,6 مليون نسمة ونموا عمرانيا بمساحة تغطي حوالي 650 كيلومترا مربعا.
ورأت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، كجهة مسؤولة عن نمو وتطوير مدينة الرياض، ان تتبنى توجها استراتيجيا عاما في ممارسة التخطيط لمدينة الرياض يتمثل في ثلاثة محاور رئيسية: التخطيط بمفهومه الشامل، وتنسيق التجهيزات الاساسية ووضع برامج لها وتنفيذها، وبناء المشروعات التطويرية,ولكي تتمكن من الاشراف والسيطرة التامة على عملية تخطيط المدينة بالمستوى المناسب لقيادة وتوجيه المدينة ولكي تتولى مباشرة تنفيذ بعض العناصر والجوانب التطويرية في المدينة الى جانب التنسيق بين الجهات العاملة في المدينة، رأت انه لابد من وجود جهاز تنفيذي إداري وفني يكون ذراعها التنفيذي يمكنها من مباشرة مسؤولياتها نحو تطوير المدينة, وفي ضوء ذلك صدر قرار مجلس الوزراء رقم 221 وتاريخ 2/9/1403ه بانشاء الجهاز التنفيذي للهيئة باسم مركز المشاريع والتخطيط وايمانا من الهيئة باهمية بناء الكيان المؤسسي بعناصره الرئيسية فقد سعت إلى:
أولا: تنظيم عملها حول مجموعة عدد من البرامج التطويرية التي تعكس تبنيها لمفهوم التطوير الشامل للمدينة الذي يغطي جميع الجوانب التنموية سواء منها العمرانية أو الخدمات والمرافق العامة او الاقتصادية او البيئية او الثقافية والتراثية وغيرها, وتشمل البرامج التطويرية التي تقوم عليها الهيئة عدة برامج هي:
برنامج التنمية الاقتصادية، وبرنامج التطوير العمراني والثقافي، وبرنامج النظم والتخطيط الحضري، وحماية البيئة والمحافظة عليها.
ثانيا: تهيئة وتدريب الكوادر الوطنية المتخصصة في مجالات التخطيط والتنمية الحضرية بجميع جوانبها, وفي هذا المجال قامت الهيئة باستقطاب الكوادر البشرية الوطنية المتخصصة والمؤهلة في مجالات الهندسة والعمارة والتخطيط والاقتصاد والمحاسبة والحاسب الآلي وغير ذلك، وتدريبهم من خلال ممارسة العمل، ومن خلال برامج التدريب المختلفة في مجالات التخطيط والتنمية وتنفيذ المشروعات الحضرية.
ثالثا: تأسيس قاعدة صلبة ومتجددة للمعلومات الحضرية عن مدينة الرياض، حيث تم بناء نظام متطور للمعلومات الحضرية يتم من خلاله جمع وتخزين وتحليل وتحديث معلومات عن الجوانب المختلفة في المدينة وربطها بالخريطة الاساسية للمدينة، ليكون هذا النظام رافداً وسنداً لأعمال التخطيط ولما تتخذه الهيئة من قرارات وما ترسمه من سياسات بشأن تنمية المدينة.
وشرعت الهيئة من خلال برامجها التطويرية في وضع الخطط وتنفيذ المشروعات، ففي مجال التنمية الاقتصادية، قامت الهيئة بتوسيع القاعدة الاقتصادية لمدينة الرياض وزيادة القطاعات الاقتصادية المنتجة فيها، لتسهم إلى جانب القطاعات الاقتصادية القائمة في رفع مستوى المعيشة لسكان المدينة وتوفير فرص العمل للقوى العاملة السعودية، ومن اجل تحقيق ذلك قامت الهيئة باجراء دراسات على فرص استثمارية واعدة وتم عرضها على رجال الاعمال والمهتمين, كما تقوم الهيئة ببذل الجهود وتشكيل لجان لحل بعض القضايا المتعلقة في تطوير الاستثمارات الاقتصادية في المدينة، كما تقوم بنشر المعلومات الاقتصادية مع المستثمرين من خلال الاستجابة للطلبات او من خلال اصدار التقارير المتخصصة مثل تقرير المناخ الاستثماري في مدينة الرياض الذي يصدر دوريا,وبين السلطان ان الهيئة في مجال التطوير العمراني، تقوم بوضع الخطط الهادفة الى تحقيق نموذج عمراني متميز للمدينة يوفر بيئة حضرية مترابطة تتكامل فيه عناصر الايواء والعمل والمرافق العامة والتسوق والتنقل وغيرها بما يرفع من كفاءة وتكامل ويسر الأداء الوظيفي للمدينة وسكانها، كما تقوم الهيئة بانشاء المشاريع المهمة متكاملة المرافق لتحقيق اهدافها الاستراتيجية التطويرية، حيث تتولى الهيئة في هذه المشاريع جميع العمليات المتعلقة بتطويرها وتشمل عمليات التخطيط الحضري والتصميم العمراني والمعماري والهندسي والانشاء وادارة التطوير، إلى جانب عمليات الصيانة والتشغيل, وقد انطلقت الهيئة بأداء دورها التخطيطي والتنفيذي في هذا المجال، فتوجهت للاهتمام بوسط مدينة الرياض الذي هو بمثابة القلب النابض والذي بدأ يفقد وظائفه الرئيسية ويعاني من هجرات سكانه الاصليين إلى مناطق اكثر حداثة على الرغم من احتوائه على مقومات اساسية تاريخية وتراثية وتجارية ومرافق وخدمات كما انه يعتبر النواة التي انطلقت منها المدينة,وجاءت الخطط والاستراتيجيات بهدف اعادة تطوير وسط المدينة بدءاً من نواة المدينة وهي منطقة قصر الحكم تأكيدا لدور هذه المنطقة كمركز اداري وثقافي وتجاري لمدينة الرياض، وذلك من خلال رفع المستوى العمراني لهذه المنطقة وتحسين مظهرها وتسهيل الوصول إليها من خلال تحسين حركة النقل والمشاة فيها، وتعزيزها بالخدمات والمرافق العامة، والمحافظة على العناصر والمواقع التراثية والتاريخية فيها، وكذلك تهيئة المقار الملائمة للانشطة الدينية والرسمية والادارية التي تتخذ من هذه المنطقة مقراً لها,وقد تم وضع استراتيجية شاملة للعمل التخطيطي الخاص باعادة تطوير منطقة قصر الحكم، اعتمدت على عدد من العوامل والحقائق التي اظهرتها الدراسات التفصيلية للمنطقة، تتمثل في التالي:
التوجه نحو التقليل من نزع الملكيات الى الحد الادنى لافساح المجال لدور القطاع الخاص الاستثماري.
الرغبة في الاستجابة لقوة السوق وواقع العرض والطلب.
تحقيق اهداف التوجهات العامة بأن يكون الاتجاه نحو التجديد والتحسين العمراني وليس اعادة البناء للمنطقة.
كما تبنت الاستراتيجية نهجا تطوريا يتمثل في اتجاهين الاول: المرونة حيث تبرز في عدم التقيد بتصميم عمراني يحدد مسبقا مسارات الشوارع وسعتها وسعة الساحات المفتوحة والمرافق العامة وإنما يتم تحديدها حسب الحاجة الفعلية واتجاهات التطوير، كذلك عدم التقيد بخطة مفصلة تحدد مسبقا استعمالات الاراضي، أو فرض نظم بناء جامدة او الاصرار على الالتزام بحجم التطوير المقترح في كل من اجزاء المنطقة، وذلك رغبة في الاستجابة لقوى السوق وواقع العرض والطلب ورغبات المطورين.
والاتجاه الآخر: المرحلية ويتمثل في توفير المرافق والخدمات العامة على مراحل وذلك حسب الحاجة الفعلية واتجاهات التطوير، وهو الامر الذي يتيح امكانية توزيع الانفاق الحكومي على توفير هذه الخدمات والمرافق ونزع الملكيات اللازمة لاقامتها على اطول مدة ممكنة، إضافة إلى ابقاء المنطقة في حالة نشطة اثناء مراحل التطوير كافة وذلك بتيسير حركة المرور وتوفير مواقف السيارات اللازمة سواء بشكل دائم او مرحلي.
كما اعتمد برنامج تطويري يحقق الاستراتيجيات والمنهج المطروح في تطوير هذه المنطقة، بحيث يجري تنفيذه على مدى قريب ومدى بعيد، يتكون هذا البرنامج من ثلاث مراحل، ركزت المرحلة الاولى على إنشاء مقار إدارية رئيسية في المدينة ذات علاقة وطيدة بسكان المدينة، لتأكيد وتفعيل الحركة والنشاط في المنطقة, وركزت المرحلة الثانية على اعادة تطوير منشآت ومقار تاريخية وتراثية وتهيئة المنطقة بالخدمات والمرافق العامة كالطرق الرئيسية التي تربط المدينة بوسطها وكذلك انشاء الساحات والميادين العامة وترميم الاماكن التاريخية التراثية, وركزت المرحلة الثالثة على اعادة التطوير من خلال اتاحة الفرصة لاستثمارات القطاع الخاص بعد ان حظيت المنطقة بثقة مطوري هذا القطاع وذلك بعد تنفيذ المرحلتين الاولى والثانية من قبل الدولة وصرف استثمارات كبيرة فيها، الامر الذي عكس عزم الدولة الاكيد على تحقيق الاهداف المرسومة لاعادة تطوير وسط العاصمة وتهيئتها لاستثمارات ومطوري القطاع الخاص على المدى البعيد,وتأكيداً للبعد الاستراتيجي والتخطيطي الذي تتبناه الهيئة نحو احياء وسط المدينة، قامت الهيئة بتصميم وتنفيذ الجزء الأوسط من طريق الملك فهد الذي يخترق المدينة من جنوبها إلى شمالها مروراً في وسطها ومنطقتها المركزية حيث الكثافات العمرانية والسكانية والانشطة التجارية المختلفة الكبيرة، ولأهمية وتميز هذا الطريق فقد تم وضع عدة اعتبارات تخطيطية وبيئية عند تصميمه، حيث تم تصميم هذا الجزء الرئيسي من الطريق على هيئة نفق مفتوح منخفض عن سطح الارض تلافيا لتقسيم المدينة بصريا وعضويا إلى جزأين شرق وغرب الطريق، إضافة إلى حماية المناطق المحاذية له من الضوضاء والتلوث الناجم عن الحركة المرورية السريعة، كما وضعت عدة اعتبارات للحركة المرورية لتسهيل الحركة سواء للمشاة أو المركبات بين جهتي الشرق والغرب وذلك بالمحافظة على امتداد الشوارع الرئيسية التي تتقاطع معه.
وتتواصل استراتيجيات وسياسات الهيئة العليا في هذا الجانب تأكيدا لتطوير وسط المدينة وذلك من خلال تطوير احد المشروعات المهمة ذات الموقع المهم الذي يحتوي على عدد من المنشآت التاريخية والثقافية ويرتبط ارتباطا وثيقا بمركز مدينة الرياض ويعتبر امتدادا لمشاريعها التطويرية، وهو تطوير وإنشاء مركز الملك عبدالعزيز التاريخي الذي جاء تنفيذه ليضيف بعداً استراتيجيا جديدا لتطوير وسط المدينة واستكمال الدور المرسوم لهذه المنطقة.
كذلك تجاوبت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض مع توجيهات المطورين في جزء مهم من المدينة وهو منطقة العصب المركزي، وذلك ببناء مبان متميزة تتجاوز ارتفاعاتها ما هو مسموح به في المنطقة حسب نظام البناء الساري فيها، حيث قامت الهيئة بدراسة تلك التوجهات والرغبات بوضع ضوابط بناء تتلاءم مع تلك المنطقة وذلك بالسماح بزيادة ارتفاعات المباني من دون زيادة حجم البناء على كل قطعة ارض عما يسمح به نظام البناء المعتمد حسب المخطط العام .
هكذا أصبحت معظم منطقة وسط المدينة ذات طابع حضري بمبانيها ومنشآتها وشوارعها الواسعة، مع الاحتفاظ بطابع المنطقة العمراني الذي يتميز بتأكيده لاصالة المنطقة وعراقتها التاريخية,وبذلك يكون الاساس التطويري وعوامل الجذب الحقيقي لأي استثمار قد تمت تهيئتها في تلك المنطقة, وقد تمثل دور الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، في تطوير هذه المنطقة، في اعداد الدراسات المستفيضة عن المنطقة، والتنسيق بين الادارات والاجهزة الحكومية والقطاعات الخاصة ذات العلاقة، وإصدار جميع القرارات والسياسات التطويرية والاشراف المباشر على تنفيذها وتطبيقها، وقد كان هذا الدور التجربة الرائدة في انجاح وتهيئة هذا الاساس وخلق المناخ التطويري الاستثماري الجيد في منطقة وسط المدينة.
ويأتي تطوير حي نموذجي لايواء البعثات الدبلوماسية استجابة لقرار مجلس الوزراء عام 1395ه بنقل وزارة الخارجية والبعثات الدبلوماسية من مدينة جدة إلى مدينة الرياض، تأكيداً لدور الهيئة العليا وممارسة لصلاحياتها نحو التخطيط والتطوير للمشاريع المهمة في مدينة الرياض، فقد قامت الهيئة بطرح الافكار والمقترحات حول كيفية نقل البعثات الدبلوماسية الى مدينة الرياض وكيفية ايواء هذه البعثات في مقار تتلاءم مع وضع الرياض العاصمة، واوصت بتحديد موقع مناسب وتطويره كحي نموذجي متكامل لايواء السفارات والهيئات الاقليمية والدولية,ذوبدأت الهيئة في وضع الخطط الاستراتيجية لانشاء حي السفارات ووضع السياسات العامة الهادفة إلى تطوير حي نموذجي يستوعب السفارات والهيئات الدولية، يشتمل على مرافق حضرية تقدم نموذجا ثقافيا وعمرانيا وبيئيا, على ان يكون الحي حلقة في سلسلة النمو الحضري لمدينة الرياض في سكانه وتخطيطه ومنشآته وخدماته وذلك تلافيا للانعزالية التي قد تنشأ في المناطق التي يغلب العنصر الاجنبي في تركيبتها, وقد تم التوجه في ذلك نحو التطوير في ثلاثة محاور رئيسية:
المحور الاول: قيام الهيئة بتحديد موقع للحي يتلاءم مع اتجاهات التنمية وسهولة الوصول إليه، إنشاء جميع شبكات المرافق الاساسية العامة ومباني الخدمات العامة من حدائق ومنتزهات ومدارس ومساجد، واعداد اتفاقيات حيازة الارض وضوابط التطوير ولوائح وأنظمة البناء.
المحور الثاني: اتاحة فرصة مشاركة البعثات الدبلوماسية في تطوير مقارها ومنشآتها المساندة.
المحور الثالث: اشراك وإتاحة الفرصة للقطاع الخاص في عملية التطوير في المرافق السكنية والمراكز التجارية وتشغيل بعض الخدمات داخل الحي,ويعكس حي السفارات جوانب ثقافية على مستوى المدينة تمثلت ببناء مركز ثقافي وقصر تقام فيه المؤتمرات والندوات والمعارض المتخصصة والنشاطات الاجتماعية، كما عكست بعض مبانيه الرئيسية الطراز المعماري المحلي، وتم تنسيق للمواقع يتلاءم مع بيئة المنطقة الطبيعية ومراعاة للنواحي البيئية المتمثلة في تخصيص مناطق مفتوحة وتكثيف التشجير واستغلال البيئة الطبيعية لتكوين عوازل وحماية من الملوثات البيئية الناتجة من الحركة المرورية.
كما قامت الهيئة بأعمال تخطيطية وتنفيذية عمرانية كاعادة تنظيم وتطوير منطقة الناصرية، وتخطيط وتنفيذ مجمع اسكان وزارة الخارجية, ولاتزال تقوم بعمل دراسات وتصاميم وتنفيذ لعدد من المساجد ذات المواقع المهمة.
وتقوم الهيئة حاليا على اعداد برنامج تطويري لمدينة الدرعية يهدف الى اتخاذ احياء الدرعية التاريخية والقديمة نواة ومحورا للتطوير العمراني والثقافي مع المحافظة على النسيج العمراني لهذه المناطق واعادة توظيفه بما يخدم الانشطة المختلفة وإلى توفير مقومات التنمية في الجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والترويحية مع المحافظة على مقوماتها البيئية الطبيعية, كمايهدف البرنامج إلى تشجيع الحرف والصناعات المحلية وتطوير تقنيات البناء التقليدية, كذلك يهدف إلى ايجاد متنفس ثقافي ترويحي وإلى تشجيع الاستثمارات الخاصة للمشاركة في عمليات التطوير.
سيشتمل برنامج تطوير الدرعية، بإذن الله، على مشروعات تطويرية عمرانية تتضمن تطوير شبكات المرافق العامة في تلك المناطق التاريخية والأثرية وتحسين الطرق المحيطة بها والموصلة إليها وإنشاء شبكة لحركة المشاة وساحات عامة داخل هذه الاحياء وحولها ولربط هذه الاحياء ببعضها بعضا وترميم المنشآت التراثية والاثرية وتهيئتها للاستخدامات المناسبة,وتتركز الخطط الموضوعة في هذا الجانب على المحافظة والتطوير المباشر لمرافق مناسبة تنمي وتحافظ على الطابع الثقافي والتراثي حيث تم في هذا المجال، تخصيص وتصميم جزء من منطقة المطار القديم، والذي يقع الان في منطقة شبه متوسطة لبنية المدينة العمرانية، كمنتزه عام لمدينة الرياض بمساحة عشرة كيلومترات مربعة وسوف يحقق هذا المنتزه عند تنفيذه، إن شاء الله، توفير مرفق علمي ترويحي رئيسي على مستوى المدينة, كما تم انشاء واحة للعلوم المختلفة في حي السفارات تهدف إلى زيادة الوعي العلمي والثقافي لدى سكان المدينة وحثهم على البحث العلمي من خلال اتاحة الفرصة لهم للاطلاع والتعامل بشكل مباشر مع محتويات الواحة العلمية, كما تم تحديد عدد من المواقع المهمة في المدينة ذات الطابع التراثي كمباني مدينة الدرعية القديمة، ومناطق تراثية عديدة تقع ضمن وادي حنيفة الذي نشأت فيه حضارات المنطقة القديمة حيث تم رصد وتسجيل أكثر من ستمائة منشأة تراثية تقع ضمن منطقة الوادي، وتم وضع أنظمة وضوابط تهدف إلى المحافظة عليها,وفي المجالات البيئية، تسعى الهيئة في وضع خططها لتحقيق صون وحماية التراث الطبيعي للمدينة وما حولها وتطوير استخداماتها وتيسيرها لسكان المدينة وزائريها في حدود اعتبارات صون وحماية البيئة، كما تسعى إلى حماية البيئية المنشأة من الآثار الناجمة عن التطور الحضري (المياه الارضية، التلوث) ووضع التنظيمات الخاصة بذلك، والعمل بالتعاون مع الجهات المختصة على توفير بيئة صالحة خالية من مختلف أنواع التلوث لساكني المدينة,ومن أهم الانجازات في هذا الجانب قيام الهيئة على اعداد استراتيجية مفصلة تختص بوادي حنيفة باعتباره جزءا مهما من المدينة ومعلما بارزاً من معالم المدينة الطبيعية والتاريخية الذي احتضن المدينة وغذاها عبر القرون، ففي العقدين ونصف العقد الماضية جرى استغلال موارد الوادي الطبيعية بصورة مكثفة لاغراض النهضة التنموية العمرانية التي شهدتها المدينة خلال تلك الفترة، مما ادى إلى اختلال التوازن البيئي في الوادي وتدهور موارده المختلفة, ولا يزال الوادي، بالرغم مما تعرض له يمثل منطقة برية وزراعية بصورة اساسية، ولايزال يحتوي على معظم ما تبقى في المنطقة من مظاهر البيئة التقليدية المتمثلة في القرى والبساتين والمزارع، كما يحوي العديد من المقومات التراثية والترويحية,لذا أولت الهيئة هذا الجزء من المدينة اهتماما خاصا، واعتبرت الوادي منطقة محمية بيئيا ومنطقة تطوير خاصة خاضعا لاشرافها المباشر وبدء العمل في وضع الخطط الاستراتيجية لوادي حنيفة، وسارت في اتجاهين رئيسيين يهدف اولهما إلى ايقاف التدهور البيئي للوادي، فيما يشمل الاتجاه الثاني وضع خطط تطويرية تهدف إلى حماية بيئة الوادي وتوجيه التنمية المستقبلية واستعمالات الاراضي وإدارة مصادر المياه فيه, ووضعت الاستراتيجيات لوادي حنيفة وفي هذا المجال شرعت الهيئة في اجراء العديد من الدراسات عن استعمالات الاراضي وعن المرافق والخدمات العامة المتوفرة في المدينة، ومستويات التطوير في مختلف انحائها، وتقديرات السكان والوحدات السكنية القائمة، المأهولة منها وغير المأهولة، وكذلك مخططات تقسيمات الاراضي المنتشرة في المدينة والاراضي البيضاء التي تتخلل بنيتها الحضرية، ومستوى توفر المرافق العامة في هذه الاراضي,وقامت بعمل دراسات النطاق العمراني الذي عني بوضع حدود للنطاق العمراني لمدينة الرياض حتى عام 1425ه وحدود لحماية التنمية، وعدد من السياسات والضوابط المصاحبة لها التي تهدف في مجملها الى توجيه وتنظيم النمو العمراني للمدينة وكذلك للحد من ظاهرة التشتت العمراني وتركيز التطوير وتقليص مساحات الاراضي البيضاء المخططة داخل البنية العمرانية، وقد حققت سياسات وضوابط النطاق العمراني الاهداف الموضوعة وبالاخص تقليص الفراغات داخل البنية العمرانية وتركيز التطوير العمراني داخل حدود النطاقات العمرانية المحددة.
كما تم وضع دراسات وخطط خمسية لإيصال الخدمات والمرافق العامة وذلك بالتنسيق مع الاجهزة المعنية، وتهدف هذه الدراسات والخطط إلى توفير جميع المرافق العامة لاكبر عدد من سكان مدينة الرياض بالحد الامثل للتكلفة، حيث تم تحديد الاحتياجات الحالية والمستقبلية للمدينة .
ولأهمية الحركة والنقل داخل مدينة الرياض فقد تم انشاء وحدة متخصصة كجزء من التطوير الحضري تقوم بالعمل على وضع خطط تشتمل على اجراء الدراسات المستمرة عن شبكة النقل في المدينة وحجم واتجاهات حركة المرور وتوصيف الحلول البديلة والتحسينات المطلوبة لشبكة النقل وسبل ادارتها على المدى القريب والبعيد، ومعالجة المشاكل الآنية المتعلقة بالحركة المرورية على الشوارع الرئيسية بمدينة الرياض، والتنسيق في ذلك مع الجهات المعنية.
ومن خلال ما سبق ذكره من ممارسات الهيئة لاعمالها وضع الخطط والبرامج التطويرية وتنفيذ المشروعات الاساسية والمهمة الداعمة لتلك الخطط في مدينة الرياض، وبعد مضي حوالي خمس عشرة سنة على اعداد آخر مخطط توجيهي للمدينة، رأت الهيئة العليا ضرورة اعداد مخطط استراتيجي شامل لمدينة الرياض يوجه نمو المدينة المستقبلي، ويحدد متطلباتها الرئيسية حاضرا ومستقبلا، وذلك عبر نظرة شاملة لجميع جوانب التنمية الحضرية المختلفة,وتكمن اهمية هذا المخطط الاستراتيجي في انه يهدف إلى مراجعة وتقويم الوضع الراهن للمدينة، والنمو المتواصل الذي تشهده وتبعات هذا النمو على حاضر المدينة ومستقبلها من مختلف الجوانب، كما يهدف ايضا إلى تحديد محاور النمو وأنماط التطوير المناسبة بالاضافة إلى توجيه نمو المدينة المستقبلي، وتحديد متطلباتها الرئيسية ومعالجة مختلف قضايا التنمية الحضرية، وذلك عبر نظرة شاملة لجميع الجوانب العمرانية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والترويجية واقتراح الحلول والمعالجات المناسبة للمشكلات التي تعاني منها المدينة حاليا، او قد تعاني منها مستقبلا، سواء كانت تتعلق بالمنظور الاقتصادي او باستعمالات الاراضي او بالشكل والهيكل العمراني او بالاسكان او بالصناعة او المرافق او الخدمات العامة او النقل والمواصلات او ادارة البيئة وحمايتها او الانظمة والتشريعات الخاصة بالبناء، او اي مجال آخر من مجالات التنمية والتطوير المختلفة,ويتميز هذا المخطط الاستراتيجي بكونه مخططا مستمرا ومتجددا، يتعامل مع القضايا والمستجدات المتعلقة بالمدينة في مختلف المجالات بحركية مستمرة, كما يمثل محطة رئيسية في عملية التخطيط المستمر لمستقبل التنمية في هذه المدينة,ومن المتوقع ان ينتج عن هذا المخطط الاستراتيجي رؤية للمدينة للخمسين سنة القادمة، وإطار استراتيجي للخمس والعشرين سنة القادمة، وبرنامج تنفيذي لعشر سنوات, ويغطي المخطط الاستراتيجي الشامل منطقة تبلغ مساحتها (4900) كيلومتر مربع شاملة حدود النطاق العمراني 1780 كيلومتر مربع ومناطق حدود حماية التنمية لمدينة الرياض 3120 كيلومتر مربع,وقد ارتكز منهج العمل في المخطط الاستراتيجي الشامل الذي يعتبر مخططا مستمرا وليس ثابتا على عدد من المبادئ ومنهج عمل وخطوات واضحة ذات أهمية لضمان سير العمل في اعداد المشروع وضمان تنفيذه، وسوف يتم تناول هذا الجانب بالتفصيل من خلال ورقة عمل تقدم من الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض في هذه الندوة,وقدمت خلال الجلسة ورقة عمل بعنوان تنمية المدن العربية في المنظور الاقليمي والاستراتيجي والبدائل للدكتور أحمد كمال الدين عفيفي من كلية الهندسة بجامعة الأزهر بجمهورية مصر العربية، وأخرى للمهندس هشام سنو من مجلس بيروت بعنوان اعادة اعمار لبنان المعجزة اللبنانية، وأخرى بعنوان البيئة واستراتيجية التنمية العمرانية للمدن العربية الصحراوية للدكتورة ليلى رفعت سليم من الهيئة العامة للتخطيط العمراني بجمهورية مصر العربية.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

تحسين وضع وتعيين 5759 معلمة

منوعـات

تقارير

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved