Wednesday 12th April,2000 G No.10058الطبعة الاولى الاربعاء 7 ,محرم 1421 العدد 10058



يارا
بيكاسو السعودية
عبدالله بن بخيت

رغم قلتها إلا أن المرء بدأ يطالع عدداً من اللوحات المنطوية على موضوع محلي تزيّن كثيرا من حيطان الأماكن العامة (العيادات والمطاعم,, إلخ) وهذه ظاهرة جديدة ومثيرة، فقد تعودنا منذ أن عرفنا اللوحات الجدارية على عدد محدود من الرسومات الأجنبية، مثل الطفل الذي يبكي أو بعض لوحات فناني النهضة الطليان التي كانت تباع بأرخص الأثمان ثم تلت تلك اللوحات بعض اللوحات التزيينة الزجاجية القبيحة عن الطبيعة والسموات والفواكه ولكن حتى الآن لم تدخل بعد اللوحة المنتجة في الداخل ميدان المنافسة على حيطاننا، فالبيوت ما زالت مع الأسف في معظمها عارية من اللوحات وما زال مفهوم الديكور والتجميل يقف عند بعض المنتجات الصناعية مثل الأباجورات والمرايا والفيزات والورود الصناعية.
من الصعب التنبؤ بالأسباب التي تمنع الناس من تزيين حيطان منازلهم باللوحات, أتذكر زارني مرة في مسكني السابق رجل متعلم ولكنه رجل تقليدي بكل المقاييس وليس له اهتمامات خاصة يأكل مايأكله الناس ويلبس ما يلبسه الناس ويقتني ما يقتنيه الناس فوجىء أشد المفاجأة عندما شاهد سبع لوحات (كلها نسخ) معلقة على حائط مجلسي ولكي أزيد دهشته واستدراجه ليقدم لي الرأي العام الذي يمثله أفضل تمثيل قلت له: يمتلىء بيتي بأكثر من عشرين لوحة موزعة على كل الغرف بما في ذلك الحمامات, سألني سؤالا يصعب الإجابة عليه لأن المرء لا يستطيع أن يجيب على الأسئلة البديهية: (وش الفائدة,, وش الله حادك؟!) ولكيلا أدخل معه في تعقيدات عن الحاجة الروحية والسيكولوجية وأتورط في أشياء لا أفهمها بشكل كاف قلت: علقناها لأنها أحسن من الحيطان البيضاء العارية, ثم إن الألوان تمنح بعض البهجة, لم يعجبه جوابي وهو في الحقيقة لم يعجبني أنا, كانت اللوحات لمجموعة من الفنانين الاوربيين المعاصرين مثل بيكاسو وسلفادور دالي وغيرهما, تركته وذهبت لأحضر الشاهي وعدت فوجدته انتصب أمام إحدى اللوحات يتأملها: قال لي: هذه الأشجار السامقة لم أشاهدها في حياتي وهذه الأزهار الجميلة لم أشاهدها في حياتي، وهكذا نفى علاقته بمعظم رموز اللوحة، وهو على حق فكل ما في اللوحة لا يوحي بأي ألفة مباشرة, فملامح الناس غير الملامح التي نعرفها, والطبيعة لا نعرف عنها شيئا, والشيء الطريف في نظرته السريعة والفاحصة أنه ذهب إلى الرموز التي تقوم عليها اللوحة والتي تشكل في النهاية موضوعها الثقافي والفكري وحتى النفسي وهو ما يشكل قيم الاتصال وأعلن أنه لا يستطيع التفاهم مع محتوى اللوحة, ولأنه رجل تقليدي مهذب لم يجرؤ أمامي ليعلن قبحها حتى لا يوجه لي إهانة, ومنذ سنوات بدأت فعلاً أقرأ الأشياء حسب القيم التي أملكها لا القيم التي تسوق في الكتب, فعلاقة المرء مع العالم هي علاقة حياة وليست علاقة ثقافية, فالكاتب يكتب عن عالمه عن حياته عن تجاربه عن الناس الذين يعرفهم, وتأكد لي أن الكاتب يتعلّم الكتابة في المدرسة الابتدائية وليس من الجامعة أو من الكتب, وهذا بالضبط ما ينطبق على الفنان وما نشاهده في الآونة الأخيرة من انتشار للوحات الفنية ذات المضمون المحلي على ضعفها في بعض الأحيان هو فعلاً بداية فن الرسم في المملكة, فالفنان السعودي والعربي بصفة عامة بدأ يلتفت إلى لغته وألوانه ومفرداته الخاصة وبدأنا نشاهد تقاتلا على ألوان الصحراء والبيوت الطينية والنوافذ البنية: ألوان لا تعرفها اللوحات الأجنبية رغم أن تركيب هذه العناصر ما زال يقع تحت تأثير بنية اللوحة الأجنبية أو أنها تعتمد على الحشد المبالغ فيه للرموز المحلية, ولكن التوسع في هذا الاتجاه سيخلق على المدى البعيد مدرسة فنية جديدة على العالم تحتاج، لتأخذ شكلها النهائي، الى توسيع درجة التسامح في النظرة للفن بحيث لايضع الفنان ريشته بين مطرقة رهاب المفهوم السائد عن الفن وبين سندان التأثير الأجنبي القوي.
وحتى ذلك الحين ستبقى جدران بيوتنا عارية ولن يجد ضيفي سابق الذكر أي سبب يدفعه لتعليق لوحات في منزله.
***
يسألني شاب: لماذا لاتقرأ الناس القصص المحلية؟
قلت: لا يستطيع أحد أن يقرأ شيئا لم يكتب بعد.
***
لمراسلة الكاتب أرجو اعتماد البريد الإلكتروني الجديد التالي:
YARA4ME@ YAHOO.COM

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

تحسين وضع وتعيين 5759 معلمة

منوعـات

تقارير

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved