د,الرصيص: فنانو المملكة ليسوا بمعزل عن العالم ولهذا فهم يؤثرون ويتأثرون بفنونه |
حوار :محمد المنيف
د, محمد الرصيص اسم بارز في الساحة التشكيلية لايمكن أن يقال عنه إلا أنه الراصد والمتابع الدقيق لمجريات المسيرة التشكيلية باعتباره من الأسماء الرائدة والمتواجدة ضمن بدايات هذا الفن، والأقرب لكل الفنانين منذ أن كان معهد التربية الفنية منطلقا للمبدعين وحتى جاءت كلية التربية بقسمها المتخصص في مجال التربية الفنية,, وكان للفنان د, الرصيص أول منصب في رئاسة القسم مما يعني قربه أكثر للأجيال السابقة واللاحقة -إذاً- ماذا في ثنايا ذاكرة الفنان د, الرصيص وماذا عن الكثير حول الفن التشكيلي؟
دعونا نبحر معه عبر هذا اللقاء رغم طمعنا في الأكثر من ذلك.
* كنت في معهد التربية الفنية والأقرب لغالبية الفنانين المتواجدين على الساحة خصوصاً المتميزين منهم كونكم أحد خريجي المعهد ومن ثم أحد الإداريين في ذلك الوقت, كيف حال الدراسة تلك؟ ولماذا يراها البعض هي الأفضل مستدلين بمن مر بها وأصبح بارزاً الآن؟
تأسس معهد التربية الفنية للمعلمين بالرياض في العام الدراسي 85/1386ه, وتم الاستغناء عنه أو إلغاؤه في عام 1410ه, وكان في العقد الأول من عمره أشبه ما يكون بكلية صغيرة للفنون الجميلة، حيث الحركة الدائبة بالدراسة المنهجية صباحاً، والنشاطات غير المنهجية مساءً, وقد ساعد القسم الداخلي لسكن الطلاب بنفس مقر المعهد على فورة ذلك النشاط، وتقوية أواصر المحبة والزمالة بين الطلاب والأساتذة وكأنهم أسرة واحدة, ونظراً لأن المعهد كان الوحيد من نوعه في المملكة، وجديداً في مجاله أيضاً، فلم يلتحق به إلا من كان لديه ميول فنية حقيقية ورغبة صادقة في تعلم الفنون بصرف النظر عن الرؤية المتدنية إليها من المجتمع آنذاك, وهذا ربما يفسر تساؤلك عن بعض البارزين على الساحة الفنية ممن درسوا به.
* بعد مرحلة طويلة من الدراسة حتى تحقيق الدكتوراه, أين أنت من الإبداع التشكيلي؟
الانتاج الفني الإبداع التشكيلي ، استمر معي منذ التحاقي بالمعهد في العام الدراسي 86/1387ه الدفعة الثانية ، وحتى حصولي على درجة الماجستير في الفنون عام 1402ه وكان إنتاجي غزيراً في تلك الفترة، أما دراستي للدكتوراه فكانت منصبة على الفنون من الجوانب النظرية والتاريخية والفلسفية، وأنهيتها في عام 1409ه بأطروحة بعنوان أهمية نشوء وتطور متاحف الفن والصناعات التقليدية في المملكة العربية السعودية ، كما أنني درست عدداً من المقررات العملية الحرة حول دراسة الجسم البشري في تلك الفترة، أما آخر عمل فني قمت به هو لوحة من وحي الحرب عام 1415ه 3 1,5 .
* يقول البعض: ان على الفنان ألا يعتمد على دراسته الأكاديمية في مجال الفن, ما تعليقك؟
الدراسة الأكاديمية ضرورية لصقل الموهبة الفنية، والتعرف على أصول وأسرار المجالات الفنية وإمكاناتها التعبيرية المتعددة والفروق بينها ونحو ذلك, وبما أن لكل قاعدة شواذ، فقد عارض عدد من الفنانين العالميين الدراسة الأكاديمية، واعتمدوا على الدراسة الذاتية من المتاحف الفنية ومن التأمل في الحياة والطبيعة.
* للمدارس الفنية تأثير على الواقع التشكيلي المحلي كيف ترى الحل؟
الإنسان بطبعه كائن يتأثر من ويؤثر في الآخرين، وبالتالي فالمجتمعات الإنسانية كذلك, والمدارس الفنية الغربية جزء من المجتمعات الأوروبية التي أخذت زمام المبادرة بالتأثير على الآخرين في الحضارة الحديثة ابتداء من عصر النهضة في القرن الخامس عشر الميلادي, ونحن في المملكة لسنا بمعزل عن العالم، فكان من الطبيعي أن يصلنا هذا التأثير بطرق شتى، وخاصة وأن الفنون التشكيلية حديثة العهد لدينا وعمرها لا يتجاوز خمسة عقود من الزمن, ويكمن الحل في أن نقدم شيئا قادرا على التأثير على الآخرين، أو ينتزع إعجابهم وتقديرهم كحد أدنى, وهذا لا يأتي إلا بالتسلح بالثقافة الفنية أولاً، ثم الاستلهام من تراثنا العربي الإسلامي الغزير بصفة تتواكب مع المعطيات المعاصرة ثانياً.
* أنت أحد المؤسسين لقسم التربية الفنية بكلية التربية بجامعة الملك سعود، ومن أوائل المحاضرين به، إضافة إلى رئاستك للقسم لفترة طويلة، وتخرج منه الكثير من الطلبة، فما مدى استفادتهم منه، وماذا كنت تتمنى أن يُقدّم فيه؟
لم يكن لي شرف المساهمة في تأسيس القسم، فحينما تأسس عام 1395ه كنت في دراستي الجامعية بجامعة حلوان بالقاهرة، ولكنني كنت أول المعيدين به عام 1397ه وأول عضو للتدريس به من السعوديين بعد حصولي على الدكتوراه عام 1409ه، وأول سعودي يرأسه من المتخصصين في التربية الفنية عام 1412ه ولفترة ست سنوات، وقد استفاد الدارسون بالقسم أشياء كثيرة، أهمها ما هو مطروح في الخطة الدراسية من مقررات عملية (27 مقرراً) ومقررات نظرية (11 مقررا)، تدور جميعها حول الفن التشكيلي والتربية الفنية من النواحي التاريخية، والفنية، والتنظيرية، والتذوقية، والتربوية، إلى جانب أن عدداً منهم بدأ يشق طريقه في الساحة الفنية المحلية, وما أتمنى أن يقدم في القسم هو الخطة الدراسية الجديدة ذات المسارات التخصصات الفنية، وبرنامج الدراسات العليا، مع ما تتطلبه تلك التطويرات من تجهيزات لازمة.
* منذ أن أدرجت مادة التربية الفنية ضمن المناهج الدراسية ونحن نفتقد أسلوب التعريف للأجيال بكيفية تذوق العمل الفني, أعني أن مثل هذا الأمر مازال يشكل الحلقة المفقودة، ماذا قدم لأجلها؟
التربية الجمالية الشاملة ليست موجودة في مدارسنا، وبالتالي يقع العبء الأكبر في هذا الصدد على مادة التربية الفنية التي ما زالت مادة غير أساسية، فكيف يصل أطفالنا إلى درجة مرضية من التذوق الفني في ظل هذه الظروف؟ التربية الفنية تحتاج إلى تضافر الجهود من المسؤولين، والموجهين، ومديري المدارس، والمدرسين، وأولياء الأمور، لكي تؤدي دورها التربوي الحقيقي الذي يمكن أن يساهم في خلق أجيال ذواقة ومحبة للجمال.
والحلقة المفقودة التي ذكرت تتمثل في انعدام كثير من الأنظمة المرنة أو اللا مركزية التي يمكن أن تتيح الفرصة لأكبر عدد ممكن من الأطفال لتذوق الفنون، ومثال ذلك: إيجاد قاعة دائمة للعرض المتجدد في كل مدرسة، قاعة مماثلة أو متحف فني محلي على مستوى الأحياء السكنية، الزيارات الميدانية المنتظمة أسبوعياً أو شهرياً لأحد المعارض أو المتاحف الفنية المتاحة، توفير الوسائل التعليمية السمعية والبصرية المناسبة لمراحل الطفولة المختلفة، توفير النشاط الفني غير المنهجي على مدار العام في عموم المدارس أو عدد منها في الحي الواحد، وقبل الأمثلة السابقة، هناك عملية تربوية وفنية مهمة جداً لابد أن يعيها ويدركها الجميع وهي: (1) يجب احترام وتقدير أعمال الطفل الفنية وتشجيعه على الاستمرار في إنتاجها، (2) لا يجب بأي حال من الأحوال تدخل الكبار عملياً في إنتاج الصغار، (3) يجب تجاوب الكبار مع أسئلة واستفسارات الصغار نظرياً فيما يثري قدراتهم التعبيرية، (4) لايجب مطلقاً قبول وعرض أعمال الكبار مذيلة بأسماء الصغار من خلال حصص النشاط لأن ذلك كذب صريح، (5) يجب على مدرس التربية الفنية وحصص النشاط وعي وتطبيق دروهم التربوي الحقيقي، والتخلص من عقدة المظاهر والنتائج المبهرة.
* في حديث هامشي بيني وبينك في أحد المعارض الخاصة بالفنانات علقت بقولك ان العمل الفني النسائي مازال في حدود التأثر بالموتيف أو الزخرفة والتطريز ماذا تعني بهذا القول؟
أولاً أحب أن أوضح بأن المعرض الخاص الذي ذكرت، إنما هو المعرض الأول لفنانات الرياض السعوديات، الذي أقيم في 7/7/1419ه، بصالة عرض سيارات مرسيدس، التابعة لشركة الجفالي بالرياض , وما ذكرناه لكم، هو أن بعض الأعمال في ذلك المعرض ما زالت تدور في فلك الزخرف والتنميق المتأثرين بأعمال التجميل المنزلية، وأعمال أخرى تخطت ذلك بكثير إلى عالم التعبير الفني الخالص، وخلاصة القول هو: أن هناك كثيرات يرغبن في أن يعرفن بأنهن فنانات تشكيليات ، وهن أبعد عن هذا بكثير، ليس في ذلك المعرض بذاته، إنما في كثير من المعارض النسائية الجماعية.
* تردد كثيراً شروعك في إعداد كتاب عن الفن التشكيلي السعودي هل لنا بشيء عنه؟
نعم أنا أعمل على تأليف كتاب بعنوان الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية، تاريخ وتحليل ، وآمل أن أنجزه قريباً بعون الله تعالى, ويتكون الكتاب من سبعة أبواب، يتبع كل منها عدداً من المواضيع ذات العلاقة بالفن بالمملكة من النواحي التاريخية، والفنية، وبعض الرؤى التحليلية, ونظراً لأن الرئاسة العامة لرعاية الشباب قد رشحتني لهذه المهمة، فإنها ستقوم بإرساله إلى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بتونس لإصداره، وذلك ضمن سلسلة مؤلفات تقوم بإصدارها عن الفن التشكيلي في الوطن العربي، ولكن كل كتاب مستقل بذاته.
* تعتبر الأبرز من بين بقية أعضاء اللجنة الاستشارية التشكيلية بجمعية الثقافة والفنون فماذا تأملون في هذه المهمة؟ وماذا تم في اجتماعاتكم السابقة؟
بناءً على توجيهات صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد -رحمه الله-، وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد، في أواخر عام 1419ه، بوضع بعض التصورات والتنظيمات التي تساهم في تنشيط الحركة الثقافية والفنية وفق أسس مدروسة، فقد قام سعادة رئيس مجلس الإدارة بالجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بتشكيل اللجنة الاستشارية للفنون التشكيلية التي عقدت أول اجتماعاتهافي 25/1/1420ه, ثم عقدت اللجنة ثلاثة اجتماعات أخرى كان آخرها في 15/8/1420ه, وما ينقص اللجنة حاليا، هو تواصل اجتماعاتها، وترشيح بديل لمن استقال منها، لكي تنهي أعمالها وترفع للجهات المعنية لإبداء المرئيات وإقرار ما يمكن تطبيقه من تنظيمات جديدة، وآمل أن يتحقق ذلك قريباً، أما ما تم في الاجتماعات فإنه سوف يعلن في الوقت المناسب من قبل المسؤلين في الجمعية.
* ساهمتم في إحدى دورات المهرجان الوطني للتراث والثقافة بإعداد بعض الإصدارات التشكيلية إلا أنها لم تصل للسواد الأعظم من المتابعين فهل هناك مشروع مماثل؟
الحقيقة هي أنني قمت بالإشراف والتنفيذ لجميع نشاطات الفنون التشكيلية في المهرجان الوطني للتراث والثقافة السابع عام 1412ه، والثامن عام 1413ه، والتاسع عام 1414ه، وبمشاركة الزميل د, صالح الزاير في السابع والثامن, وخلال تلك الدورات الثلاث تم إصدار الآتي:
1, كتاب الفنون التشكيلية والإنسان، موجز تاريخي ، وهو عمل مشترك بيني وبين الزميل د, الزاير، ونشر عام 1412ه.
2, كتاب الفنون التشكيلية في الجنادرية 7، مادة ثقافية توثيقية ، وهو عمل مشترك بيني وبين الزميل د, الزاير، ونشر عام 1413ه.
3, كتاب موجه للأطفال بعنوان حرفنا الجميلة في وطننا العربي ، من تأليف الزميل د, الزاير،ورسوم الزميل هادي الخالدي، ونشر عام 1413ه.
4, كتاب ندوات الفنون التشكيلية، ندوات حول الإبداع في الفن التشكيلي وقد قمت بمراجعته مع الزميل د, الزاير، ونشر عام 1413ه.
5 كتاب ندوات الفنون التشكيلية، ندوات ومحاضرات ، وقمت بمراجعته، ونشر عام 1414ه.
أما سؤالكم بأن تلك الإصدارات لم تصل للسواد الأعظم من المتابعين، فهذا سؤال يمكن توجيهه لإدارة المهرجان لمعرفة رغبتهم في إعادة طباعة ونشر تلك الإصدارات, أما سؤالكم عن مشروع مماثل لتلك الإصدارات، فنحن نرحب بذلك، ولكن ليس قبل أن نتلقى أجرنا الشرعي عن الإصدارات السابقة وغيرها من النشاطات الأخرى.
* عُرف عنك متابعتك للحركة التشكيلية المحلية, كيف ترى هذا الواقع؟ وماذا كنت تتمنى أن يكون؟
أنا أعتز بمتابعة الحركة التشكيلية المحلية وإن كنت مقصراً في بعض من جوانبها لأسباب عملية في معظم الأحيان, والواقع التشكيلي المحلي جيد بشكل عام ويسير من حسن إلى الأحسن, ويمكن القول أيضاً بأنه جيد جداً بما حققه من قفزات نوعية ثقافياً وفنيا، وخصوصا إذا قارنا تلك القفزات بمن سبقونا في الفن بنصف قرن من الإخوة العرب, وما أتمناه لهذا الواقع هو أن يكون في المقدمة دائماً بالفكر والعطاء الفني الرائعين, ولكيلا تكون أمنيتي هذه أمنية خيالية ، لابد من تحقيق عدد من الأمور على أرض الواقع العملي ومن أهمها ما يلي:
* إنشاء أكاديمية للفنون الجميلة، لإعداد أجيالٍ من الفنانين المؤهلين علمياً وفنياً في المجالات الفنية المتعددة والمتطورة عاماً بعد عام.
* إنشاء متحف أو أكثر للفن السعودي، لحفظ وصيانة وعرض الأعمال بصفة دائمة وللمساهمة في نشر الوعي الفني بين الناس, ويكفيني فخراً بأن رسالتي للدكتوراه هي حول أهمية هذا الأمر.
* إنشاء جمعية مستقلة للفن التشكيلي السعودي نظراً لتعدد مجالات هذا الفن ومعارضه ونشاطاته المحلية والدولية، ونظراً لأن لجان الفنون التشكيلية بوضعها الحالي في فروع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون لا تستطيع مواجهة متطلبات تلك التعدديات، ولا تحقيق الطموحات التي يأملها الجميع من المسؤولين، والفنانين، والمتذوقين، والمتابعين بشكل عام, وقد ذكرت أهمية ذلك في مقالات سابقة، ومنها ما ذكرته مفصلاً في جريدة اليوم العدد 9592، الأحد 9/6/1420ه 20/9/1999م.
* إصدار مجلة، بل مجلات دورية متخصصة في الفنون التشكيلية، لتشجيع المختصين والفنانين للكتابة الفنية، ونشر الوعي الفني العام بين الناس، وهذا الأمر بهذه الأهمية، لأن طبيعة تلك الفنون طبيعة إبداعية متحركة، ومتجددة، ومتنوعة، ومليئة بالتجارب، والأساليب، والأسماء الفنية، وهذا كله يحتاج إلى متابعة، ورصد، وتوثيق، وتحليل، ونقد، وقبل ذلك تعريف عام ومستمر للناس بطبيعة هذه الفنون وماهيتها, فكيف وأين تتم هذه الأمور في ظل غياب المجلات المتخصصة المنظمة في الصدور؟
* إيجاد نظام لتفرغ الفنان، لأن طبيعية الحياة المعاصرة بالمملكة تتطلب تأدية كثير من الحقوق والواجبات المتلاحقة, والفنان/ الفنانة، هو فرد من أفراد هذا المجتمع المشغول دائماً ، وبالتالي فإنه في حاجة لأوقات خاصة بالصفاء الذهني اللازم للإنتاج الفني, وعادة لا يمكن توفير تلك الأوقات إلا بترك العمل الوظيفي، والتفرغ للإنتاج الفني لمدة زمنية معينة، وهذا لا يتم إلا في ظل نظام رسمي يدعم ذلك، وهناك أسباب أخرى ذكرتها في مقابلة نشرت في ملحق الأربعاء بجريدة المدينة بتاريخ 25/7/1420ه.
* إنشاء مزيد من صالات العرض المتخصصة للأعمال الفنية وخاصة من القطاع الحكومي، وأقول ذلك لأن القطاع الخاص ساهم ويساهم في ذلك، وأقام أكثر من عشر قاعات للعرض بجدة، وثلث ذلك العدد في كل من الرياض والدمام.
|
|
|