لفت نظري وأنا أتصفح كتاب (الأمن في القرآن) للفريق يحيى بن عبدالله المعلمي المنشور عام 1397ه الموافق 1977م عنوان لأحد فصوله المتعددة يثير التساؤل والاستغراب للوهلة الأولى وهو: الإسلام وآداب المرور والذي تطرق فيه وبأسلوبه الأدبي المميز لتلك العلاقة الوثيقة بين توجيهات الدين الاسلامي والأسلوب الأمثل والصحيح لاتباع أنظمة وقواعد المرور المطبقة حاليا، مؤكدا المؤلف في بدايته الى ان الاسلام هو دين العبادة ذو الشأن الوثيق في أمور الدنيا، فهو أسلوب حياة ومنهج وتفكير ونظام مجتمع، وأن كل أمر من أمور الدنيا فضلا عن أمور الدين لابد ان يكون له حكم في الإسلام، سواء كان ذلك الحكم صريحا خاصا بذلك الأمر بعينه أو داخلا تحت قاعدة عامة من قواعد التشريع الاسلامي (علم ذلك من علمه وجهله من جهله).
فالمتتبع والمتدبر لما جاء في القرآن الكريم يجد أن هناك آيات كثيرة ذات فوائد عظيمة وفي غاية الإعجاز والبلاغة مثل قوله سبحانه وتعالى في سورة النحل: (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون), والتي توضح وتصور للمسلمين تلك الوسائل المتنوعة والمستخدمة في سالف العصور والأزمان للنقل البشري والمواد والبضائع او الزينة والوجاهة الاجتماعية والتفاخر، وما زال البعض منها يستخدم حتى الآن في بعض البلدان والأماكن الوعرة، فهي تشبه الى حد كبير في فائدتها وأهميتها وأغراضها ما نشاهده اليوم ونستخدمه في المملكة العربية السعودية والدول المتطورة الاخرى من انواع كثيرة ومتعددة للسيارات والدراجات النارية والعادية والطائرات والقطارات التي ينطبق على مستخدميها من سلوكيات وآداب ما ينطبق على مستخدمي الأساليب القديمة.
لذلك نجد أن هناك الكثير من التوجيهات السامية في القرآن والسنة التي تركز وبشكل خاص على تلك الآداب والسلوكيات الواجب توفرها واتباعها من قبل المسلم اثناء سيره على الأقدام او مستخدما احدى الوسائل السالفة الذكر للنقل القديم أو الحديث، يذكر منها المؤلف توجيه الخالق سبحانه وتعالى في قوله الكريم في سورة الفرقان: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا),, الى أن يقول سبحانه: (وإذا مروا باللغو مروا كراما)، وقوله تعالى في سورة لقمان: (واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير), للدلالة على الأهمية في أن يكون المسلم أثناء سيره على الأقدام أو عند قيادته لإحدى وسائل النقل الحديثة معتدلا ومتزنا ومتيقظا من خلال عدم تجاوز السرعة المحددة في الطرقات الرئيسية او الشوارع الفرعية، وأخذ الحيطة والحذر عند التجاوز أو الانحراف او العبور باستخدام الإشارات الضوئية الضرورية تجنبا لوقوع المزيد من الحوادث المرورية المروعة من دهس وتصادم راح ضحيتها في وقتنا الحاضر بحسب الإحصائيات الحديثة الصادرة من الجهات المسئولة الكثير من الأبرياء من كهول وشباب ونساء واطفال، اضافة الى الخسائر المادية المكلفة التي تؤثر على اقتصاد ونمو هذا البلد الطيب, كما نستفيد من هذه الآية الضرورة القصوى لقائد المركبة التحلي بالآداب والأخلاق الإسلامية بمراعاة حقوق الطريق وحقوق المشاة وقائدي المركبات الأخرى، وأن لا يصدر منه ما يعرض حياة الآخرين للخطر او الإزعاج بشتى أنواعه.
كما وتؤكد آية أخرى في سورة لقمان وهي قوله تعالى: (ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور), وفي سورة الاسراء قوله تعالى: (ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا), الى ارشاد المسلم للطريقة الصحيحة والأسلوب الأمثل عند المشي او القيادة، والتي لو اتبعها الكثير من شبابنا المراهق في وقتنا الحالي التي تغص بهم بعض الشوارع الرئيسية في بلادنا لانخفضت بمشيئة الله نسبة المشاكل المرورية والجنائية التي قد تحدث نتيجة للدوران بشكل مستمر يمتد لساعات طوال في الشوارع او التسكع في الأسواق الكبرى دون هدف محدد سوى المضايقة المستمرة والمملة للمستفيدين من الشارع أو السوق و(التميلح) ورمي الأرقام والتغنج أمام الفتيات.
كما لم يفت على المؤلف في هذا الفصل التطرق لبعض الاحاديث النبوية الشريفة الدالة على أهمية احترام أنظمة المرور في الإسلام، حيث ورد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال مخاطبا أصحابه: إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا: ما لنا منها بد فإنها مجالسنا قال: أما إذا أبيتم فاعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: رد السلام وغض البصر وكف الأذى, من هنا نجد الاهتمام الواضح من قبل رسول الهدى عليه افضل الصلوات وأتم التسليم في التشديد والتأكيد على المسلمين باتباع آداب وقواعد المرور والتقيد بالأنظمة والقوانين الخاصة بهذا الشأن من خلال إعطاء الطريق حقه وعدم مضايقة المارة والمشاة والحث على إظهار المودة والمحبة بينهم بإفشاء السلام او الرد عليه، كما يرشدنا الى ضرورة غض البصر التي تنطبق في وقتنا الحالي على مستخدم هذه الوسائل الحديثة للنقل بعدم إشعال الأنوار العالية المبهرة عند مقابلة السيارات القادمة ومضايقته منعا لما قد يحدثه ذلك التصرف عن إعشاء لنظر السائق الذي قد يتسبب في حصول كارثة مرورية لا تحمد عقباها ولتفادي التطلع الى ما في داخل السيارة من محارم أو أمتعة خاصة لا يجوز للغير الكشف عنها, اما ما يتعلق بكف الأذى في هذا الحديث وهي كلمة جامعة تشمل جميع انواع الأذى الذي يصدر في وقتنا الحاضر من كثير من الشباب المراهق او المستهتر نتيجة لما يقومون به ويتفاخرون بأدائه من تفحيط ورمي السيارة يمينا وشمالا في سرعة جنونية، وما يصدره ذلك من أصوات مزعجة تثير القلق وعدم الارتياح دون مراعاة لمشاعر وظروف الآخرين, ايضا يتضح انه من باب كف الأذى عن الطريق هو التزام اصحاب المركبات وخصوصا الكبيرة منها عدم تجاوز الحد المطلوب من الحمولة لما قد يسببه ذلك من تعريض الآخرين للأذى، والحرص من قبل البعض منهم في عدم ترك عوادم سياراتهم تصدر السموم الزرقاء والسوداء الضارة بصحة المشاة والمارة وقائدي السيارات الصغيرة الاخرى, كما يجب على قائد السيارة بدافع ديني وأخلاقي إماطة الأذى عن الطريق بأن يتم ازالة ما وضعه في الطريق من أحجار او معدات بعد انتهاء استفادته منها اثناء تعطله ونحو ذلك، وعدم اشغال الأرصفة المخصصة للمشاة باتخاذها مواقف خاصة بالسيارات لأن ذلك يفقدها الهدف المنشود من وضعها وما قد يحدثه ذلك من ضرر وإعاقة للمشاة في الانتفاع به على الوجه المطلوب.
ايضا يوضح المؤلف في هذا الكتاب ان سائق السيارة مأمور شرعا بتفقد سيارته والتأكد من صلاحيتها من كافة الجوانب سواء ما يتعلق بالاضاءة او الإطارات او المحرك وبربط حزام الامان وغيرها مما يوجب السلامة حتى لا يعرض نفسه ومن معه من ركاب أو مشاة لأخطار الطريق.
ختاما لهذا الفصل يؤكد المؤلف على طاعة ولي الأمر لأنها واجبة بحكم ما ورد في الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة والتي قال فيها رب العزة والجلال: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، فإذا رأى ولي الأمر او من فوضه رأيا فيه صلاح لعامة المسلمين والمشمولين بولايته فإن على افراده طاعته في ذلك,
وأنظمة المرور التي وضعتها الدولة إنما تهدف الى المصلحة العامة والوقاية من الحوادث والتيسير على الناس والله نسأل السلامة والعافية.
عبدالعزيز بن محمد الزير