محمد الشريف : محاسباً وأديباً بقلم : د, عبدالرحمن الشبيلي |
فاجأتنا مكتبة العبيكان في صبيحة ذات يوم من مطلع السنة الهجرية الجديدة بثلاثة من الكتب دفعة واحدة في مجال الأدب والشعر، لمؤلّف واحد لم نكن نعرف عنه من قبل إلاّ لغة الجمع والضرب والقسمة والطرح.
هذا الزميل الهادىء، الدؤوب في عمله، الدقيق في تحليله، يأوي إلى ركن في منزله طيلة السنوات الماضية، منذ أن تجاورتُ معه منزلاً وعملاً وقلباً، فإذا به يخبىء عملاً يختلف فيه عما عرفناه به، وخبرناه عنه، عملٌ ليس في حقل تخصصه (المحاسبة)، ولا في مجال خبرته الأسبق (ديوان المراقبة)، ولا في عمله السابق (وكيل وزارة المالية للحسابات)، ولا في محيط نشاطه الحالي (رئيساً للجنة الشؤون المالية في مجلس الشورى)، وكأنه قد اختار ركناً هادئاً في منزله، بين كتب الأدب والشعر، وخطط أن يكون هذا الركن مقر تقاعده المقبل، بعيداً عن وجع الرأس في الحسابات، وعن صداع الشركة العقارية، التي يحتلّ فيها موقعاً إشرافياً عالياً منذ سنوات.
كثيرة هي الجوانب التي تخفى على زملاء محمد الشريف، فهو قد يبدو للآخرين صارماً دقيقاً حازماً، لكنه لمن يعرفه إنسان رومانسي، يتذوّق الكلمة والشعر والطرفة والموسيقى، وهو ما كشفته كتبه الثلاثة الجديدة التي فاجأ بها زملاءه من جيل البيروقراطيين في الجهاز الحكومي، ممن تعوّدوا ملاحظاته الرقابية والمالية على أداء أجهزتهم.
الأستاذ محمد الشريف، يعلن بكتبه الثلاثة أنه يخلع معطف الرقابة المالية السابقة واللاحقة، ويرمي من يده الآلة الحاسبة، ويلبس جلباباً رقيقاً يتناسب والمرحلة (العُمريّة) التي يمر بها، ليرفع راية البراءة من لغة الأرقام، والولاء للغة الأدب، وليتقدم عندئذ إلى شيخ الأدباء عبدالله بن إدريس، للترحيب به في ناديهم في حديقة الملز.
لقد تصفّحت بسرور الكتب الجديدة: الخزانة في الأدب والفكاهة، والمنتقى في شعر الغزل، وقطوف الأدب في مآثر العرب، فوجدت فيها قدرة أصيلة مخبّأة على التأليف والتذوّق والاختيار، وموهبة بحثية عريقة لدى مؤلفها تؤكد أن اتجاهه للأدب لم يكن تسلية طارئة، أو اهتماماً مستجداً، وحسناً فعلت مكتبة العبيكان وهي تصدر هذه الكتب دفعة واحدة في عام الثقافة العربية، في مدينة الثقافة العربية.
مزيداً من اليُمن والتوفيق للأديب (قولاً وتعاملاً) أبوهاشم، بعيداً عن محيط الأرقام، ولك من زملائك كل تحية وسلام.
|
|
|