أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 21st April,2000العدد:10067الطبعة الأولىالجمعة 16 ,محرم 1421

تحقيقات

عالم مجهول,, ومستقبل مظلم,.
في مواجهة صريحة لـ(الجزيرة),, بنموذج نادر لمدمن سابق
مدمن ومروّج على مدى 19 عاماً يقول: لا للمخدرات وينتهي به المطاف إلى معالج للمدمنين
توقفت عن السموم منذ 6 أعوام,, وعانيت من عدم الاستقرار والتكيف مع المجتمع لعام كامل
* لقاء : سعد العجيبان
* كانت حبة كبتاغون المخدر المعروف ب(أبو ملف) بداية سلوك طالب السنة الأولى من المرحلة المتوسطة طريق الهاوية,, رغبة منه في تتبع السبل المؤدية لبلوغ التحصيل العلمي المرتفع,.
لكن تلك الحبة لم تقد صنداح علي السهلي الى تحصيل علمي جيد,, لكنها قادته الى السجن ثماني مرات,, وتلقي العلاج بمستشفيات إدمان المخدرات اثر دخوله 14 مرة,.
واجه العديد من المواقف الكفيلة بردعه عن ادمان المخدرات التي بدأها بحبة كبتاغون وتدرج عبر الحشيش والكحول حتى بلغ تعاطي مادة الهيروين المخدر.
ولم يكتف بتعاطي المخدرات,, لكنه اصبح مروجاً لها,, ودامت حالته على هذا الطريق قرابة 19 عاماً من الضياع.
والآن,, يأتي (ابوعلي) ليعكس روح الارادة القوية لدى الشباب السعودي,, التي حولته من مدمن ومروج مخدرات الى مرشد علاج ادمان واعتماد كيميائي بمستشفى الأمل بالرياض,.
و(الجزيرة) من خلال هذه الأسطر تجوب في حياة نموذج نادر لمدمن ومروج مخدرات سابق,, ناقلة تفاصيل قصته الغريبة النادرة,, ومراحلها العديدة,, لعلها تكون عبرة للذين يسيرون في درب الضياع,.
في البداية نتيح الفرصة لصنداح السهلي لسرد مجمل قصته وحياته في عالم المخدرات كمدمن ومروج سابق,.
في سن الرابعة عشرة من عمري كنت طالبا في السنة الاولى من المرحلة المتوسطة,, وكأي طالب مجتهد في هذه المرحلة حريص على التحصيل العلمي المرتفع كنت احرص على تتبع السبل المؤدية الى بلوغ ذلك,, وعن طريق الزملاء تعرفت على مادة الكبتاغون المعروف ب (أبوملف) وخُيل لي بأنها مادة تجدد النشاط وتقوي التركيز في الوقت الذي لم يكن لدي مفاهيم صحيحة عن المخدرات.
فتماديت في تعاطي حبوب الكبتاغون المخدرة حتى أدمنت عليها وبعد مضي ستة اشهر بدأت المشاكل بالظهور.
فبداية المطاف,, أخذ زملائي الذين كانوا يمدونني دون مقابل بهذه المادة يطلبون مقابلاً مادياً لقاء تأمين الحبوب لي، وفي المقابل لجأت الى الاساليب التي يلجأ اليها المدمن للحصول على المال ليؤمن به المادة التي ادمن عليها,, كالكذب على ذويه والمراوغة وعدة اساليب اخرى,, بعد ذلك بدأت بتعاطي مادة الحشيش ومن ثم تعرفت عن طريق الزملاء على المشروبات الكحولية.
فقداني لاستكمال الدراسة
واصلت دراستي حتى السنة الثانية من المرحلة المتوسطة ولم استطع استكمالها حيث قبض علي في قضية تعاطي مخدرات وأدخلت اثر ذلك السجن وكانت المرة الاولى,, وكان ذلك أول خسارة لي في عالم المخدرات.
بعد خروجي من السجن عاودت تعاطي المخدرات وتزايد ادماني لها,, فعلاوة على الادمان اصبحت اروج بعض المواد المخدرة وذلك للحصول على المال الذي يمكنني من تأمين ما يكفيني من مواد لتعاطيها.
كنت في البداية اعتقد اني استطيع السيطرة والتحكم في التعاطي,, فبدأت الاسراف في استخدام المواد المخدرة للهروب من المشاكل التي تواجهني وللتخلي عن المسؤولية ولتخفيف آلامي الداخلية التي لا تخففها الا المخدرات,, فأصبحت فاقد السيطرة على تعاطي المواد المخدرة وازاء ذلك حاولت أسرتي مساعدتي بعدة اشكال,, ولكن دون جدوى,, فلم يكن لدى اسرتي مفاهيم سليمة للتعامل مع مدمن مخدرات لاسيما واني المدمن الوحيد من افراد الاسرة.
فحاولت أسرتي الاستعانة ببعض المشايخ للقراءة عليَّ حيث اوهمتهم بأني متلبس بجن او ما شابه ذلك فكنت اجاريهم في ظنهم لأنال ما اريد من مال للحصول على المواد المخدرة.
واستمرت حالتي على هذا الحال وبدأت حياتي بالانهيار يوما بعد يوم وتفاقم ادماني للمخدرات حتى بلغت مرحلة متقدمة تلزمني تناول جرعات كبيرة خلال ال 24 ساعة للاحساس بالأمان والسعادة المزيفة التي كنت ابحث عنها.
وبالرغم من بلوغي هذه الحالة السيئة,, وتكون مفهوم كامل لدي عن النتائج الوخيمة التي تسببها تلك السموم الا اني لم استطع الاقلاع عن تعاطي المخدرات وتماديت في تعاطيها شيئا فشيئا متدرجا في تنويع المواد حتى بدأت بتعاطي مادة الهيروين المخدر (رأس الأفعى),.
وأخذت هذه المادة تقضي على حياتي بشكل كبير,, وبما أنها تعتبر اخطر المواد المخدرة فكأي مدمن لها كنت اسلك سبلاً عدة للحصول عليها,, وبأي شكل,, فاستخدمت أساليب ملتوية في سبيل حصولي على المال الذي اؤمن به موادي المخدرة,, كالسرقة والكذب والنصب,, ومن خلال الاستفزاز العاطفي لأفراد أسرتي خاصة والدتي,,
* في عام 1407ه وبعد ادراك أخي الأكبر لحجم المشكلة التي اعاني منها,, أدخلت مستشفى الأمل بمدينة الرياض ومكثت به لمدة شهر واحد تلقيت خلاله علاجي من الادمان,, ثم خرجت وحالتي مستقرة وشهدت اوضاعي العائلية تحسناً بعد فقداني لاسرتي جراء الإدمان,.
وفي ذلك الحين لم تكن لدي قناعة او رغبة في الاقلاع عن تعاطي المخدرات,, فأوهمت اسرتي بأني متوقف, وعدت بعد فترة الى ما كنت عليه من ادمان.
وبعد فترة قبض عليَّ بقضية ترويج وتعاطي مخدرات وحكم علي بالسجن لمدة عامين قضيتها بسجن العود بمدينة الرياض,, ولم يردعني ذلك عن العودة الى عالم المخدرات,, وكان اقوى الدوافع لذلك عدم تقبل المجتمع لي,, فلم يتسن لي الحصول على وظيفة بسبب السوابق التي نلتها,, فلم أجد حلاً حين ذاك سوى العودة للإدمان.
واستمرت حياتي على هذا الشكل,, دخول المستشفى او السجن ومن ثم المعاودة الى تعاطي وترويج المخدرات حتى مضت 19 سنة على ادماني.
وخرجت بحصيلة 8 مرات دخول السجن و14 مرة لمستشفى الامل.
وبعد هذه المعاناة التي استمرت لسنين طويلة تولدت لدي في السنة الاخيرة ال(19) رغبة ذاتية قوية في الاقلاع عن تعاطي المخدرات,, بدأت اشعر بالملل مما انا فيه من ادمان,, مللت من المشاكل التي واجهتني بسبب المخدرات,, لم يرق لي ما أنا فيه من حال سيئة,, اعالج من الادمان لكن سرعان ما اعاود تعاطي السموم,, وإزاء رغبتي القوية في تركها دخلت مستشفى الامل من تلقاء نفسي,, وكانت المرة ال14 والاخيرة للعلاج,, وبمساندة من المشرفين على علاجي ايقنت بأني شخص حامل لمرض يسمى الإدمان ويمكن معالجته,, وذلك سهل علينا الكثير.
وبعد ان تلقيت العلاج,, توقفت تماما عن تعاطي وترويج المخدرات وامضيت الآن ست سنوات مودعاً دون رجعة بإذن الله عالم ترويج وتعاطي تلك السموم القاتلة وها أنذا تحولت من مدمن ومروج مخدرات الى مشرف علاج ادمان بمستشفى الامل بالرياض.
بهذه الاسطر السابقة اختتم (أبوعلي) ما سرده باختصار عن حياته مع تعاطي وترويج المخدرات التي دامت قرابة ال19 عاما,, تخللتها صولات وجولات,, تارة مفرحة في تعافيه من تعاطي المخدرات,, وتارة محزنة بعودته لتعاطيها وترويجها,.
وكما للقارىء شغف للمضي والتوغل في حياة (أبي علي) المليئة بالاثارة لهذا النموذج النادر من الشباب فكان ل(الجزيرة) رغبة قوية في الحصول على تفصيلات أكثر,, من خلال حصيلة استفسارات طرحتها على (أبي علي),.
* ذكرت بأن أسرتك قامت بعدة محاولات لانقاذك من ضياع المخدرات,, واستخدمت عدة أساليب لذلك,, فما هي السبل التي استخدمها ذووك لمساعدتك في الاقلاع عن ادمان وترويج المخدرات؟
بعد اكتشاف افراد عائلتي حقيقة ادمان ابنهم للمخدرات,, لم يتعاملوا مع حالتي بالطريقة التي يجب معاملة المدمن بها,, وذلك لعدم المامهم بالمفاهيم الصحيحة لتلك المعاملة.
فاستخدمت اسرتي عدة طرق منها تهديدي بابلاغ الشرطة,, او حبسي بأحد غرف المنزل ومنعي من الخروج او عن طريق اغرائي بسيارة او اي مغريات,, فكنت اجاريهم فيما يطلبونه مني الى ان احصل على ما اغروني به ومن ثم أعود للادمان.
كما ان اسرتي حاولت علاجي خارج المملكة لكن دون جدوى فبدلاً من عودتي معافى عدت مدمناً اكثر مما كنت عليه في السابق لدرجة انني وصلت مطار الرياض وكنت تحت تأثير الكحول, بالاضافة الى سعيهم المتواصل إلى ادخالي مستشفى الامل لتلقي العلاج,, فلم تجد محاولاتهم لمنعي مما انا عليه لعدم رغبتي الذاتية في ذلك فكنت اقابل اصرارهم على توقفي عن تعاطي المخدرات بالعودة لها,.
واستطيع القول بأن عدم المام اسرتي بكيفية التعامل مع شخص مدمن كان سببا كافياً لعدم نجاح محاولاتهم,, لان المدمن يمكن تشبيهه بجهاز كمبيوتر يصعب التعامل معه الا عن طريق مختصين في هذا المجال.
من الضروري انك تعرضت لمواقف صعبة كفيلة بأن تؤثر عليك وتمضي بك للاقلاع عن تعاطي وترويج المخدرات,, هل لك استعراض المواقف الصعبة التي تعرضت لها خلال حياتك كمدمن؟
المواقف كثيرة يصعب حصرها,, وحياتي كمدمن ومروج مخدرات شهدت مواقف مؤثرة كثيرة,, لكنها مع الأسف لم تشكل دافعا للتوقف عن تعاطي المخدرات,, فقد شهدت عيانا موت العديد من الاصدقاء خلال تعاطينا السموم القاتلة,, ومازلت اذكر موقفا تعرضت له ومازال يؤثر فيّ حتى الآن.
فقد كان هناك احد الاصدقاء المقربين كنا نتعاطى المخدرات سويا بشكل مستمر,, وكان يتيم الأب والوحيد الذكر بين اخواته الاناث,, وكنت في تلك الايام اسكن في منزله,, واعتادت والدته الطاعنة بالسن انتظاره لحين عودته بالرغم من اننا كنا نعود في ساعات متأخرة من الليل او مع مطلع الفجر,.
وفي احد ايام فصل الشتاء,, وكعادتنا عدنا الى منزل صديقي مطلع الفجر بعد تعاطينا ما نحتاجه من المخدرات خارج مدينة الرياض ولدى دخولنا المنزل فوجئنا بوالدته خلف الباب الخارجي مستلقية على الارض بعد ان ادركها الموت والسماء تمطر,, فتأثرت بذلك الموقف تأثرا بالغاً وأقسمت على عدم الرجوع لتعاطي المخدرات مرة اخرى,, لكن ذلك لم يدم طويلا فسرعان ما عُدت الى ما كنت عليه,.
واذكر انني تعرضت لهبوط حاد في القلب,, وكنت وقتها بالمنطقة الشرقية,, وتم اسعافي باحد المستشفيات بالمنطقة,, ومازلت اذكر كلام الطبيب الذي اشرف على حالتي حيث ابلغني بأني لو تأخرت خمس دقائق لأدركني الموت بسبب الهبوط الحاد في القلب,, ولم يكن ذلك رادعا لي للتوقف عن التعاطي,, وتسببت في ضياع الكثير ولم يمنعني ذلك من الاستمرار.
تعرضت لخسارة ست وظائف,, فكنت لا ألتزم بالدوام بسبب التعاطي,, أو اباشر العمل تحت تأثير المخدر,, وذلك كان سببا كافيا لفصلي من معظم الجهات التي عملت بها.
*ذكرت بأنك ادخلت السجن ثماني مرات,, وتلقيت العلاج بمستشفى الامل 14 مرة,, الا ترى ان ذلك كفيل بأن يكون دعوة للعودة للصواب والطريق المستقيم؟
اطول فترة قضيتها بمستشفى الامل كانت قرابة العامين واقل فترة قرابة ثلاثة اشهر,, الا انني لم امتنع عن التعاطي,, لانعدام رغبتي في ذلك,, كذلك دخولي السجن لم يمنعني عن الاستمرار في التعاطي,, واستمراري في ذلك لمدة 19 عاما عرفت فيها ما تعنيه كلمة ضياع بمعنى الكلمة ولم يمنعني ذلك ايضا من الاستمرار.
عاصرت مدمنين باعوا ما يملكونه من سيارات وبيوت وأثاث للحصول على المخدرات,, وعايشت شبابا يتعاطون المخدرات هم وذووهم,, كما عاصرت أرباب اسر يعولون افراد اسرهم,, كانوا يوفرون اموالهم للحصول على المخدر لا لإعالة اسرهم,, حتى في السجون,, فكانت استفادتي الوحيدة من السجون هي اكتساب خبرات سيئة,, واخرج بمهارات جديدة في الادمان او الحصول على المادة او الترويج,, والتعرف على مروجين,, ومع الاسف لم يكن بالسجون وحدات تقوم بدور التوعية من اضرار المخدرات كما ينبغي,,!!
كنت اؤمن بأن مصير مدمن المخدرات يمضي بثلاثة طرق لا رابع لها فإما السجن او المصحة او الموت,, وبالطبع لا مهرب من الموت سواء بالمخدرات او غيرها,, ولا يوجد عاقل يتمنى خسران الدنيا والآخرة,, ولكن جميع هذه الامور لم تمنعني من الاستمرار في التعاطي.
* اذاً,, كيف انطلقت مسألة تعافي (أبي علي) وتوقفه عن تعاطي وترويج المخدرات؟
انطلقت مرحلة توقفي عن تعاطي وترويج المخدرات من مستشفى الامل بالرياض,, حيث كانت لدي رغبة صادقة في الاقلاع عن تلك السموم,, وكان دخولي لتلقي العلاج للمرة ال14 بعد مضي 19 عاما على ضياعي,, برغبتي الذاتية وذلك بدافع خسارتي لكثير من الاشياء التي لا يمكن للانسان العيش بدونها.
ولم تكن خسارتي مادية فقد كان المال متوفراً لدي بكثرة كذلك المخدرات,, لكني اردت التعافي بنية صادقة.
ايضا,, وازعي الديني القوي, الذي انقذني من الهلاك,, ولا انكر انني حاولت قبل ذلك التعافي دون الدخول للمستشفى لكني لم استطع,, فاستمر علاجي حتى تعافيت من آفة لا يختلف اثنان على انها اعظم آفات العصر,, ولا اخفي دور الكثير من الاشخاص الذين وقفوا معي جنبا الى جنب في مساعدتي على الشفاء.
* خلال فترة الادمان,, هل كنت تمكث لفترات طويلة خارج منزل اسرتك,,؟
كنت أعيش لفترات طويلة خارج بيت عائلتي بلغت سنوات دون علم اي فرد من افراد العائلة اي معلومات عني,.
وعموما,, هدف المدمن الاساسي هو توفر المادة المخدرة التي يتعاطاها,, ولا يبالي في المكان الذي يتناولها فيه,, فقد كنا نتعاطى في بعض الاحيان بأماكن لا تروق للحيوانات,, وقضيت اكثر حياتي في تعاطي السموم بعيداً عن عائلتي,, بل ان الاسرة كانت تفضل ابتعادي عنهم لما اسببه لهم من احراج في معظم الأوقات,, فقد كنت اشهد المناسبات العائلية المفرحة والمحزنة فاقداً للسيطرة وتحت تأثير المخدر.
* قبل دخولك مستشفى الامل للمرة الاخيرة لتلقي العلاج كم بلغت اطول فترة استطعت ان تمتنع فيها عن تعاطي المخدرات؟
اطول فترة توقفت فيها عن الادمان خلال رحلتي البائسة لم تزد عن العام او العام ونصف العام,.
* بعد خروجك متعافى من الادمان في اخر مكوث لك بمستشفى الامل,, كيف تلقت اسرتك هذا الامر؟
لم تصدق أسرتي بأني توقفت بشكل نهائي عن تعاطي وترويج المخدرات,, بالرغم من أني توقفت فعلا وعازم على عدم العودة لها,, فعانيت من عدم الاستقرار في تقبل المحيطين بي لعدولي عن عالم المخدرات,, والتمس لهم العذر في عدم تصديقي,, لكوني ومن خلال كثرة دخولي لتلقي العلاج ووعودي الزائفة لهم باقلاعي عن الادمان,, وعدم تنفيذي لهذه الوعود كان كل ذلك كافيا لعدم الثقة بي, وبالرغم من عدم مقدرتي في بادىء الامر على اكتساب ثقة المقربين لي,, فكنت عازما على عدم العودة الى الضياع وأتذكر قول المشرف على علاجي الذي طالبني بمنح المقربين والمحيطين بي فرصة لاكتساب او لاسترجاع الثقة منهم.
* ومتى عادت لك ثقة المقربين بك؟
اهم مرحلة في حياة المدمن بعد تعافيه هي مرحلة تغيير سلوكه التي كان يمارسها خلال إدمانه,, وذلك ليعكس انطباعاً حسناً لدى من حوله,, وعموما يحتاج المدمن المتعافي لوقت طويل لاكتساب او لاسترجاع ثقة المحيطين به,, وبالنسبة لي عادت ثقة المقربين لي بعد سنة من شفائي.
* لدى خروجك من المستشفى بعد تلقي العلاج للمرة الاخيرة وتعافيك بشكل تام,, كيف كانت نظرة المجتمع لك وخصوصا من عرف ماضيك؟
لا انكر انني واجهت مشاكل كثيرة في هذا الصدد,, فإن لنظرة المجتمع للمدمن المتعافي دوراً كبيراً في البرنامج العلاجي له,, وعادة نستخدم ضمن كل مرحلة لبرنامج العلاج الادماني مرحلة تخص نظرة المجتمع فمن الممكن ان يكون المدمن صادقاً في تعافيه وتكون نظرة المجتمع السلبية تجاهه سببا في عودته للضياع.
فعند مطالبتنا للمدمن المتعافي بنسيان ماضيه وعدم الرجوع الى اقرانه الذين كان يمارس معهم تعاطي المخدرات وننفر منه,, فبذلك من السهل ان يعود لمن يتقبلونه وينفر من الذين لا يتقبلونه.
* لاشك ان النظرة السلبية لا تكون فقط من المجتمع الصالح الذي استاء من تعاطيك المخدرات,, ولكن رفاق درب الهلاك من الممكن ان ينظروا لك نظرة سلبية لدى علاجك واقلاعك عما كنتم تزاولونه من إدمان, فهل حاول احد من رفاق السوء اقناعك للعودة للدرب المظلم؟
* بالطبع,, (شلة) المدمنين لدى معرفتهم بتعافي احد رفاقهم الذين كان يتعاطى السموم معهم يحاولون جاهدين عودته للادمان,, واذكر في حياة (أبي علي) المدمن لدى حدوث ذلك مع احد رفاقنا كنا نحاول اعادته لما نحن عليه,, ليس حباً فيه او في مجالسته ولكن كنوعٍ من الغيرة لانه استطاع تحقيق شيء لم نستطع تحقيقه.
وبالنسبة لي,, وخلال العشر السنوات الاخيرة من الادمان والترويج احتكمت على كميات كبيرة من المخدرات,, وقمت بترويجها لحسابي وحساب آخرين,, وبعد شفائي منذ ست سنوات تلقيت عروضا واغراءات عدة,, منها عرض كميات مخدرات اكبر مما كنت اروجه في السابق,, ولكن بعد ادراكي لحقائق هذا المجال المظلم,, لم اتقبل ذلك,.
* بعد ان تعافيت من الادمان,, هل حاولت الحصول على وظيفة؟
حاولت العمل في عدة قطاعات,, بدأت بالتجارة الحرة,, وحاولت التعامل مع الكثير لكنهم مع الاسف كانوا ينظرون الى أبي علي المدمن ليس إلى ما هو عليه الآن,, فعايشت معاناة قاسية في الحصول على وظيفة بعد التعافي منذ ست سنوات,, بعد ذلك عملت في مكتب خدمات عامة بوظيفة اشبه بالمعقب,, ومكثت في هذه الوظيفة قرابة تسعة اشهر,, وحزت على ثقة مالك المكتب,, الى ان علم زميل سابق كان يعرفني في حياة الادمان,, فأبلغ هذا الزميل مالك المكتب بماضي (أبي علي) وللاسف تم فصلي,, واستمر بي الحال على هذا الطريق اعمل في جهة ما وبعد علم هذه الجهة بأني مدمن سابق عن طريق الزملاء الذين يشوهون صورتي يتم فصلي.
* إذاً,, فكيف حصلت على وظيفتك الحالية,, كمرشد علاج ادمان ومعالج اعتماد كيميائي بمستشفى الامل بالرياض؟
يعود الفضل في حصولي على هذه الوظيفة لله اولا ثم لصاحب السمو الملكي الامير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز رحمه الله,, فقد كان له الفضل لتحويل مدمن ومروج مخدرات الى معالج ادمان.
فعقب العلاج بفترة رشحتني ادارة المستشفى للالتحاق بدورة محلية لمرشدي علاج الادمان,, ومن ثم تم ابتعاثنا للولايات المتحدة لاستكمال درجة الدبلوم في هذا المجال على نفقة الامير فيصل بن فهد رحمه الله,, وبعد اجتيازي الدورة حصلت على الوظيفة بمستشفى الامل بالرياض وتشرفت بأن اكون المرشد لعلاج الادمان الوحيد بمنطقة الرياض,, واقوم الآن بدور فعال في مجال عملي من خلال مساعدة المرضى بالمستشفى على التعافي من ادمانهم, كما اشارك في تنظيم ندوات ومحاضرات على مستوى المملكة في المدارس والجامعات والمعاهد العسكرية,, ودائما اعتمد على خبرتي من خلال تجربتي السابقة كمدمن في كيفية التعامل مع المدمن واقناع المجتمع بأن الادمان للمخدرات مرض وليس وصمة عار، وها أنذا امضيت ثلاث سنوات في عملي دون اي مشاكل.
* خلال فترة عملك بالمستشفى هل حققت انجازا ضمن مهام عملك تفتخر بتحقيقه؟
بلاشك,, اني اشعر بالفخر والاعتزاز بأن اساهم بعد الله في معافاة مدمن مخدرات,, والمشاركة في انقاذه من عالم الضياع وتحويله الى عالم الاستقامة,, فهذا يدفعني الى بذل المزيد من الجهد والتمسك بما انا عليه الآن.
* لدى اشرافك على علاج احد المدمنين,, الا تعتقد انه من الممكن عدم ثقة المدمن بك وانت تستشهد بادمانك سابقا ليكون ذلك حافزا قويا لمعالجة المدمن؟
هناك خبرات لا يملكها الا المدمن,, حتى المعالج لا يملكها,, فغالبا ما يكون المدمن شديد الذكاء وقوي التركيز ولديه مهارة غريبة تمكنه من اكتشاف الشخص المعالج ان كان مدمناً سابقاً ام لا,.
* لدى ارتباطك بشريكة حياتك,, هل صارحتها وذويها بماضيك ام انك اخفيت ذلك عنهم وتركت الايام تتكفل بذلك؟
كنت فاقدا الامل في ان اجد شريكة لحياتي تقبل ان اكون لها زوجاً بعد علمها بالماضي السيىء الذي عشته,, لكني كنت مصرا على اعلام اي عائلة اتقدم لها بذلك,, فكنت صريحا مع اهل زوجتي,, وقد اعاد لي والدها الامل,, واضاف لي شحنة تشجيعية للاستمرار على ما انا عليه الآن.
* ألا تخشى في حال نشوب خلاف بينك وبين شريكة حياتك ان تعايرك بماضيك؟
حقيقة استبعد ذلك,, فزوجتي متعلمة,, جامعية,, تخصص علم نفس,, حريصة على مراعاة مشاعري, بل هي دائما تفتخر بي امام قريباتها وزميلاتها,, وتمتدح ارادتي القوية على التخلص من آفة العصر.
* من خلال تجربتك كمدمن ومروج ومعالج ادمان مخدرات لاشك ان لديك طريقة معينة تعامل فيها ابناءك لتجنب ما وقعت فيه انت؟
لن اعامل ابنائي كأب فقط ولكني سأعاملهم كأصدقاء لي,, وسأحاول جاهدا توثيق الصراحة فيهم منذ الصغر,, وهنا اقول بأن معظم بدايات وتوغل الفرد في المخدرات تكون بسبب عدم مصارحة الاهل بما يمر بالابناء من ظروف وقضايا ومشاكل,, فالصراحة شبه معدومة في البيت السعودي والأسرة السعودية لا تترك للابناء فرصة للتعبير عن مشاعرهم ووجهات نظرهم فتجد الابناء لا يستطيعون الاباحة بما يمرون به من مشاكل مهما كان حجمها خوفا من سخط أولياء الامور او سخط المجتمع المحيط بهم.
* وكيف ستواجه موقف ادمان أحد أبنائك او القريبين منك,, هل سيكون ذلك دافعا لك للعودة لما كنت عليه في السابق؟
اود الاشارة الى نقطة هامة هنا,, فلدى توقفي عن التعاطي وترويج المخدرات لم يكن ذلك لأجل اي شخص وإنما كان خوفا من الله اولا ومن اجل نفسي فقط.
فلو اكتشفت ان ابني مدمن مخدرات سيكون ذلك مؤلماً لي كوني أباً,, لكنه ليس دافعا لعودتي للادمان,, وسأتعامل مع ابني كمعالج.
* بماذا تنصح الاسرة لتجنب وقوع الأبناء في مطب المخدرات؟
من خلال خبرتي في هذا المجال,, فبلاشك ان السبب الرئيسي للانجراف في هذه الكارثة هو البيئة المحيطة,, فيجب متابعة الابناء باتصالاتهم الخارجية,, وبالتعرف على اقرانهم.
ولا يعني ذلك انه لا يوجد ضحايا في الادمان اذ انه من السهل جدا ان يكون الشخص ضحية لصحبة سيئة غشته في شراب او عقار او خلافه,, فيجب ان يكون اولياء الامور قريبين من ابنائهم ولا تغيب المحاسبة لهم.
* هناك الكثير من المدخنين لا يمانعون بتدخين ابنائهم او من يصغرهم سناً ممن تولوا امرهم وذلك بزعمهم بعدم وجود حجة مقنعة لمنع الثاني عن عمل يقوم به الاول,, فكيف انت من هذه الفئة؟
مسألة التدخين تعتبر بوابة واسعة لتعاطي المخدرات وذلك لسهولة الغش في (السيجارة),, فمن الممكن دس اي نوع مخدر في المادة التي تحتوي عليها (السيجارة) وتقديمها للضحية,, الذي يصبح يوما من الايام مدمناً,, وعلى المدخنين المسئولين عن ناشئته بأن يكونوا قدوة صالحة للمسؤولين عليهم,, وعدم التساهل في محاسبة المدخنين من الناشئة حتى لو كنا نحن ندخن.
* بهذه النهاية,, ومن خلال حياتك في عالم المخدرات التي بدأت فيها كمدمن مرورا بترويجها ونهاية بمعالج إدمان,, ما الكلمة الاخيرة التي تود توجيهها؟
اود في البداية ان اشكر جميع من ساهم وشارك في معالجتي من الادمان,, كما اوجه دعوة صادقة لكل مدمن بأن يبادر في علاج نفسه,, فيكفي ما تسببه هذه السموم من خسائر,, ولا يظن المدمن انه في حالة لا تمكنه من العلاج,, فمهما بلغ حجم الادمان فهناك امل بالعلاج والتعافي,, وبالرغبة الصادقة والارادة القوية لدى المدمن يمكن له التعافي من هذه السموم بكل سهولة.
من اللقاء
* لقد ضرب صنداح السهلي مثالاً رائعا للشاب السعودي ذي الارادة القوية في التخلص مما كان عليه من ضياع,, وبعزيمة صادقة اذهل بها من حوله وتمكن من بلوغ ما يريد.
فمن عضو فاسد في المجتمع دام قرابة 19 عاماً اصبح ابوعلي عضوا فعالا يساهم في انقاذ الكثير من درب الضياع بعد ان كان دالا عليه,.
من يجالس أبا علي المعالج الادماني ويعايش ثقافته الراقية لا يؤمن بأن ذلك الشخص كان مدمناً ومروجاً يوما ما,, لكنه بالفعل نموذج مشرف للشباب السعودي,, ذي العزيمة القوية,, التي تؤكد تفوقه على غيره في المساهمة الفاعلة في بناء واصلاح المجتمع.
أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved