أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 2nd May,2000العدد:10078الطبعةالاولـيالثلاثاء 27 ,محرم 1421

محليــات

لما هو آتٍ
كيف هي مسألة النشء (4)
د, خيرية إبراهيم السقاف
في المنزل (2)
وفي المنزل هناك من الآباء والأمهات من يدرون عن أبنائهم ولكن في تسلُّط ضاغط لايدع لهم حريةَ التنفس ولا قدرة الحياة,,,، يقسون بشكل يُنفِّرُ الأبناء ويقودهم إلى الهروب عنهم,.
وهروب الأبناء ليس فقط هروباً بالجسد، ولا أيضاً فقط بالتفكير والإحساس، ولا أيضاً بهما معاً,,,، وإنما في كل حال من أحوال الهروب هناك صورة قاتمة للوالدين لدى هؤلاء الأمر الذي لايدع لهم تفكيراً في مدى روابط الوالدية التي تفرض من الطرف الأول الرعاية وحسن التعامل، ومن الطرف الثاني الطاعة وحسن الاتباع,,,، ومثل هذا النمط من العلاقة يدفع الأبناء إلى الخطأ، ويسهِّل لهم طريق الضياع,,,، والشارع يتلقَّف، والصحب قريبون، وطريق الخطأ محفوف بالمغريات,,,، والمنافذ كثُرت، وتنوَّعت، وتيسَّرت لم يعد الحديث عنها محظوراً,,.
كما أن هناك نمطاً آخر في المنزل من الوالدين، أولئك الذين يرتكبون الأخطاء، ولايعيرون انتباهاً لمدى مراقبة الأبناء لهم، بل لا يعنيهم في كثير أمر معرفة أبنائهم بأخطائهم أو عدمها,,, ومثل هؤلاء يكونون قدوة يائسة وبائسة للأبناء,,.
ولأن الشاعر يقول:


(إذا كان رب البيت بالدف ضارباً
فما شيمة أهل البيت إلا الرقص),,.

فأكرم بها من قدوة، وأتعس به من مثال!!,,.
ويُفترض أن يكون الوالدان على معرفة تامة بأمانة أُنيطت بهم وهم الأبناء، وبأنهم مسؤولون عنه ليس فقط هنا حيث يمارسون حياتهم الدنيا، ولكن أيضاً هناك حيث يواجهون كتبهم التي يتسلمونها لا تضل ولا تزل، مسجِّلة لهم كل شيء حتى الكلمة والنظرة في أمور معاشهم وفي أمور أمانتهم كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، والأبناء مسؤول عنهم آباؤهم فهم من يهوِّدونهم أو يُنصِّرونهم، لأنهم مولودون على الفطرة، والفطرة محجة، فأين عنهم هذه المحجة يوم القيامة عندما يُسألون ماذا فعلوا بها؟ وكيف غيَّروا نقاءها، وصفاءها وهُداها؟!,,.
كثيراً ما تراودني أسئلة تقض بقوة مضجع المطمئنين من مثل هؤلاء الآباء، كلما لجأت إليَّ فتاة تشكو من أبيها أو من أمها أو من أخيها، أو من أختها عندما يكونون في غياب الوالدية المشرفة بحب والمهيمنة بوعي,,, أين هؤلاء الرعاة عن رعيتهم؟! أين الآباء والأمهات والمسؤول عمن بين أيديهم في كافة مراحلهم؟,,.
تلك أسئلة تدعو إلى التفكر في أساس تربية الآباء أنفسهم، كيف تقوم؟ وما هي دعائمها؟، وهل هي سلسلة متلاحقة تربط بين تربية الآباء من قبل أوليائهم السابقين لهم، بالأبناء اللاحقين بهم وعنهم؟!
وهل الآباء الذين رُبُّوا في الأساس على الخلق القويم، والإحساس الصادق بالأمانة، والإدراك الواعي بالواجبات يمكن أن يُفرِّطوا في أبنائهم، ويُخِلُّوا بأمر رعايتهم الرعاية التي تَقيهم الزلل، وتجنبهم السقوط أمام منافذ القوة في مغريات الحول,,,؟!
أشك كثيراً في أمر مثل هذا,,, وأجد أن انعكاس تربية الآباء على أبنائهم هو بتأثير عن تربية الأجداد لآبائهم,,,، إذ إما أن يكون الآباء في منأى لا مبالاة، أو في تسلط قاهر، وفي كلا الأمرين، لا إحساس بالمسؤولية، ولاتجرد عن وعي انتقامي يمارسونه مع الأبناء,,.
فالآباء الذين يستطيعون التخلص الواعي من آثار تربية آبائهم لهم، إنما هم الذين فتحوا مع أعينهم إحساسهم بكل ما يدور من حولهم,,,، ولقد أثبتت التجارب أن مستوى تعليم الآباء ليس سبباً كافياً لحماية الأبناء، تماماً كما أن ليس كل النظريات التربوية يمكن تطبيقها والخلوص بنتائج إيجابية لها في شأن التربية.
التربية من خلال مفهومي الواقعي لها تتطلب فهماً للإنسان باستقلاليته بين يديك، فأسلوب التوجيه لواحد من الأبناء ليس بالضرورة أن ينجح مع أخيه، وما يقع أثره كما تريد من القول في أحدهم لا تتوقع أن يفعل المثل مع الآخر، فالإنسان الذي بين يدي الوالدين منذ طفولته إنسان مستقل ذو خصائص وسمات تختلف عن إخوته، لذلك يصعب أمر التربية، ولذلك تحتاج التربية إلى تفرغ ذهني ونفسي من الآباء بأكثر مما تحتاج إلى تفرغ وقتي,, ومع كل ما يوليه الوالدان من يقظة ذهن ونفس للأبناء، تظل التربية مسؤولية هامة وصعبة لابد أن يدرك الآباء أنهم مكلفون بها، وبأن أبناءهم مسؤولية هامة تُمثِّل فرض العين لا فرض الكفاية إذ لايمكن أن يقوم غير الوالدين بتربية أبنائهما كما يقومان هما,, حتى بعد تخطي مرحلة الطفولة والمراهقة تظل مسؤولية الأبناء مناطة بهما.
فكيف إذا تخلى الوالدان عن مسؤوليتهما؟
كيف إذا أسلماهم لأنفسهم وهي خالية من الحصانة؟، ولزمنهم وهو خالٍ من ذوي الأمانة؟، ولصحبهم وهم بعيدون عن قدرة التخليص، بل قريبون من قدرة الإيقاع؟,,.
تلك مسألة عظمى,,.
وهي معضلة تحيك حول الوالدين شباكها وتضعهم أمام ضمائرهم.
ألا فلتفتحوا كل منافذ أحساسيكم وعيونكم نحو أبنائكم أيها الرعاة المؤتمنون.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved