أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 6th May,2000العدد:10082الطبعةالاولـيالسبت 2 ,صفر 1421

الاقتصادية

الهيئة العليا للسياحة رافد جديد يعزز الاقتصاد الوطني والمحافظة على الموارد الطبيعية
أ, د, عبدالعزيز بن حامد أبو زنادة *
تعد صناعة السياحة خلال العقود القليلة الماضية احدى أوسع الصناعات العالمية انتشارا, يقدر الدخل العالمي لهذه الصناعة بأكثر من أربعة تريليونات دولار أمريكي خلال هذا العام، كما يقدر عدد السياح السنوي بأكثر من بليون سائح في عام 2010م.
لاحظنا من تجارب الماضي كيف استتبعت أي ثورة صناعية خسائر بيئية فادحة, فلا الأمطار الحمضية ولا تغير المناخ ولا ثقب الأوزون ولا الأمراض الفتاكة الا مخلفات الثورات الصناعية المتعاقبة خلال نصف القرن الأخير من الزمان, وليست صناعة السياحة بمغايرة لتلك الصناعات,, فقد تأثر كثير من بلدان العالم بالعديد من الآثار السلبية للسياحة، خاصة المكثفة منها, لقد غيرت معالم بيئات بأكملها وأودت بحياة كثيرمن المجتمعات النباتية والحيوانية الفطرية حين فاقت أنشطة السياحة قدرة المواقع على تحمل الضغوط الواقعة عليها وتوقفت عن استمرارية العطاء.
ان المتفحص لتطور مفاهيم الانتفاع بالموارد الطبيعية المتجددة على المستوى العالمي خلال العقود الثلاثة الأخيرة يجد أنه كان لزاما على الانسان أن يدرك قيمة ما عرفه القدماء بالاستخدام العقلاني أو الرشيد للموارد وعدم التفريط فيها بما كانت نتيجته المحافظة على التوازن القائم بين انتاجية النظم البيئية الطبيعية وبين استهلاك الانسان والحيوان لها عبر أزمنة التاريخ، كذلك فإنه يتحتم في الوقت الراهن ادراك المفاهيم العصرية المعروفة بالاستغلال المتواصل أو المستدام للموارد كنتيجة حتمية للكم الهائل الذي افتقد منها وتسبب في مشاكل بيئية غاية في التعقيد.
انتشرت في الماضي أنماط سياحية كثيرة في شبه الجزيرة ولم تؤثر سلبا في بيئتنا العربية مثل التخييم الموسمي المرتبط بتراث البادية في فصل الربيع، والتنزه في الوديان والروضات وعند مجمعات المياه والخضرة، وعلى الشواطىء البحرية للاستجمام والترفيه والسباحة والغوص الى جانب رحلات الصيد البري وصيد الأسماك وغيرها.
لم يعد أحد يشك في أهمية القيمة المتزايدة للحياة الفطرية كموارد طبيعية متعددة المنافع، خاصة كموارد أساسية في صناعة السياحة, تبرز في الوقت الحاضر الحاجة الملحة الى نوع من السياحة المتعلقة بالطبيعة يتصف بالحد من التأثير السلبي للسائح وتشجيع أنشطة المحافظة على الطبيعة، بما يضمن صون الخصائص الثقافية والموروثات الشعبية، ويدعم اقتصاديات الأهالي, يعرف هذا النوع من السياحة بالسياحة البيئية، وهي عبارة عن الزيارة المسؤولة للمناطق الطبيعية بما يوفر الحماية المستدامة لبيئتها وظواهرها الطبيعية والثقافية المميزة لأهليها.
ولكي تكون السياحة ملائمة للظروف المتغيرة ورشيدة في استخدامها للبيئة فانه من الضروري ربط أساليب تنمية السياحة بالمعايير البيئية في اطار الاستثمار طويل الأجل، مثل مراعاة تحقيق الدخل وتأمين أو تحسين البنى التحتية للمجتمعات المحلية والمحافظة على الحياة الفطرية في آن واحد.
لذلك يجب ان نتوخى الحذر في تنمية السياحة في بلادنا العزيزة، اذ لا تقل خطورة مخلفاتها عن مخلفات الصناعات النمطية,, بل ربما تكون أشد ضررا لتأثيراتها طويلة الامد واضرارها البالغ بمقومات الحياة الانسانية, يستدعي الأمر أن نسير في اتجاهات متوازية حتى يمكن تحجيم أية تحديات بيئية تنجم عن استغلال الموارد الطبيعية,, كأن يجري جنبا إلى جنب حساب التكاليف البيئية قبل وأثناء عمليات استغلال الموارد, ولعل ذلك يحقق فوائد عملية ومباشرة نتيجة التفاعل مع الأنشطة التطبيقية التي تسهل بدورها تدوين الملاحظات البيئية أولا بأول، بما في ذلك ما يطرأ على الموارد من تغيير وما يتطلبه الأمر من تعديل في خطط ادارتها.
نحتاج الى إعداد ادلة علمية للقياسات البيئية المتعلقة بالسياحة وتصنيفها مثل اصدار الكشافات البيئية في مناطق اليابسة وفي المناطق المائية والنشاطات غير الضارة والنشاطات الضارة بأنماط البيئة المختلفة، كما نحتاج الى اعداد دليل بيئي للشركات والمؤسسات التي تتعامل مع السياحة للتأكد من ادماج الاعتبارات البيئية في كافة الأعمال اليومية للمنشآت السياحية, نحتاج الى استصدار تشريعات خاصة تتضمن اخلاقيات التعامل مع البيئة والزام الشركات السياحية بصيانة أي تدهور بيئي ينتج عن مشروعاتها السياحية.
لعله من المناسب في هذه الآونة طرح التساؤلات التي تدور في الأذهان بغرض مدارستها حتى تكون خططنا المستقبلية للانطلاقة نحو السياحة مدروسة من كافة الجوانب الاقتصادية والبيئية والاجتماعية,
هل آن الأوان لايجاد معهد دراسي أو تدريبي متخصص لتخريج كوادر متخصصة في السياحة والبيئة؟
ألم يحن الوقت لايجاد مدارس بيئية تعمل على تحويل نظريات التوعية والتربية البيئية الى عمل فعلي ويكون جميع طلابها أصدقاء للبيئة؟
الا يدعو واقع الحال الى تلمس الحاجة لايجاد جهة متخصصة لحساب تكاليف البيئة والموارد الطبيعية؟
لقد أنعم الله على بلادنا العزيزة بمزيج من مقومات سياحة الطبيعة ومقومات سياحة الآثار اضافة الى انماط التراث والثقافة المتنوعة, يوفر هذا الخليط منظومة متجانسة تشكل دعامات رئيسية تعتمد عليها صناعة السياحة, ففي كثير من الأحيان تجمع المنطقة الواحدة بين المعالم الطبيعية والحياة الفطرية والآثار والمواقع الجيولوجية الخاصة كالكهوف والمغارات والغابات المتحجرة، الأمر الذي يحتم العناية بها مجتمعة كمواقع جذب فريدة ونادرة لصناعة السياحة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن المحميات الشمالية حرة الحرة والخنفة والطبيق بما تحويه من صنوف الحياة الفطرية تقع بالقرب من آثار الجوف دومة الجندل ، كما ان محمية عروق بني معارض جنوب غرب الربع الخالي بما تنفرد به من خصائص طبيعية تقع بالقرب من قرية الفاو الأثرية.
وتقع حرة عويرض بما فيها من وعول وغزلان ومواقع ذات جمال جيولوجي خاص، تصلح كموقع للتخييم أو لاقامة منتجعات للسياحة البيئية، بالقرب من مدائن صالح التي يرتادها كثير من المواطنين وأبناء الجاليات الأجنبية.
ويعد جبل أجا منطقة مفضلة للتخييم من قبل أهالي حائل والقصيم والرياض، خاصة أثناء الربيع لطبيعتها الفطرية الساحرة, وهناك مخطط كامل وتصميم لمنتزه بري ومركز تعليمي للزوار تم اعداده بالتعاون مع جامعة الملك عبدالعزيز في وادي مشار, ويوجد بالمنطقة آثار قصر حاتم الطائي في توارن، كما توجد بها آثار نقوش قديمة على بعض الصخور، خاصة عند حافة النفود, وهي صالحة لاعادة توطين الوعل والغزال.
والى جانب ما تتميز به جبال قراقر من مناظر طبيعية خلابة وعيون دائمة الجريان احداها تشكل مجرى لعدة كيلو مترات وكونها الموقع الوحيد للدفلة البري في المملكة، يوجد بها أيضا مواقع أثرية مثل النقوش الصخرية وقصر الروافة الذي يعد الوحيد من المباني الرومانية في المملكة ويوجد بالقرب منها مواقع متميزة للغوص بين مرجانيات البحر الأحمر.
ويتميز مقلع طمية بفوهة بركانية بقطر يصل الى كيلو مترين وعمق 250 مترا، وبها واحة صغيرة تحتوي على عيون جارية وبعض المصاطب الزراعية القديمة المهجورة, وتوجد بقاع المقلع ترسيبات ملحية بديعة المنظر, كما يوجد بالقرب منها حرة وعرة لابّة شلمان بها مجموعة من أشجار البان ومواقع تتحول الى بحيرات بعد المطر, ويوجد بالقرب منها المويه، وهي عبارة عن قرية مهجورة، بجانب قلعة تركية عمل على توسعتها الملك عبدالعزيز وبعض القلاع الأخرى الصغيرة وبركتان من برك درب زبيدة يستفيد منهما كثير من الناس.
يقع جبل بثرة أو جبل ابراهيم بين الطائف والباحة، وهو عبارة عن قبة جرانيتية ضخمة بها قمم متنوعة المظهر وأودية تتجمع في وادي تربة لتشكل مجرى مائيا يعد أكبر الأنهار الجارية في المملكة, ويوجد بين قمم الجبال قرية ود الأثرية المهجورة، اضافة الى قرى أخرى في أودية مختلفة.
وتصلح المنطقة للتخييم لوجود تنوع نباتي وحيواني خلاب فيها اضافة الى معالمها الأثرية, وبينما تصلح المنطقة للسياحة البيئية تصلح مواقع أخرى قريبة للسياحة العامة في الطائف والباحة.
ويوجد بمنطقة نجران مزار أثري للعديد من رواد المنطقة وهو الأخدود، وهناك العديد من القصور المبنية بالطين,, بعضها مرمم والبعض الآخر مهجورة, وهناك حمى آل عباس القديم في وادي النهوقة للمحافظة على أشجار السدر المعمرة, وهو من المواقع المفضلة للسياحة اضافة الى سد نجران.
وتعد هذه المناطق وغيرها بمثابة روافد طبيعية متجددة لصناعة السياحة, وفضلا عن ذلك، وعلى الرغم مما تواجهه المناطق المحمية من تحديات، الا انه يمكن التخفيف من حدتها عبر تنمية السياحة المتعلقة بالطبيعة فيها,, فمثلا سوف يسد دخل هذه السياحة العجز في ميزانيات تشغيل تلك المناطق,, وسوف يؤدي تحسين الخدمات في محيطها الى مزيد من دعم الأهالي لمنظومة المناطق المحمية.
وستوفر المناطق المحمية مناخا خصبا للاستثمار في مجالات جديدة مثل السياحة الداخلية ومنتزهات الحياة الفطرية والسفاري الصحراوية وأحواض مجموعات المياه البحرية ومتاحف التاريخ الطبيعي ومراكز الزوار وغيرها من المشروعات التي تقوم على التنمية المستدامة للموارد الطبيعة, وسوف تؤدي برامج زيارات العامة لتلك المواقع الى مزيد من الوعي المتكامل بأهميتها في ابراز عمقها الحضاري بما يوفر فرص دعمها على المدى البعيد.
نحمد الله على توفيق اولي أمرنا الذين نذروا أنفسهم حماة لموارد البلاد، فأنشؤوا لها الهيئات المختصة بالمحافظة على البيئة والتراث والثقافة والآثار, ثم نشهد مؤخرا انطلاقة تكاملية جديدة ترسخ مفاهيم الاستقرار والاستثمار في جعبة واحدة, انه قرار انشاء الهيئة العليا للسياحة التي تعتبر البوتقة الأساسية لتفاعل كافة الخبرات الوطنية من القطاعات الحكومية والاستثمارات والشراكات الأهلية, كما أن تمثيل معظم الجهات الحكومية في مجلس ادارتها ليجسد ويؤكد اهتمام وحرص القادة وفقهم الله للأخذ بكافة الاعتبارات الشرعية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية المتعلقة بالسياحة في آن واحد.
وفي اعتقادي ان ادارة مناطقنا الطبيعية بهذه الطريقة سوف تكون بمشيئة الله مثلى وواعدة لاتباعها للنشاطات الاقتصادية والترفيهية والثقافية والبيئية بشكل مستمد من ديننا الحنيف وتراثنا الأصيل مع اقتباس المفاهيم الحضارية في ادارة السياحة.
* الأمين العام للهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها
أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved