أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 8th May,2000العدد:10084الطبعةالاولـيالأثنين 4 ,صفر 1421

مقـالات

يامنظمة العفو الدولية
لاتُقدر سلامة الضمير بتكنولوجيا، ولاتُبَرأ علته بثروة
مضواح بن محمد آل مضواح *
الضمير هو إنسانية المتكلم والمخاطب والغائب, وليس المقصود هنا الضمير النحوي,, ما أقصده هو باطن الإنسان ذلك المكون الافتراضي الذي تقوم عليه إنسانية كل الإنسان، وتعزى إليه جميع تصرفاته,, لا ينفك عن الإنسان إلا حين تفارقه الحياة، أو حين ينعدم ارتباطه الواعي مع نفسه ومع من وما حوله عندما يكون في حالة من الجنون المطبق, ولهذا ليس صحيحا أن يقول البعض: (فلان لا ضمير له، أو ضميره ميت) عندما يفاجؤون بتصرفات تتنافى مع ماهو متوقع من الضمير السليم, وعوضاً عن ذلك يمكن ان يوصف الضمير بالاعتلال.
لقد حظي الضمير، أو النفس الإنسانية، بكم هائل من الدراسات العلمية والتحليلات الفلسفية، ومع ذلك لم يستطع أحد أن يحدد نوع مادته إن كان له مادة ولا مكان وجوده من جسم الإنسان,, وعلى الرغم من أن اروع الدراسات العلمية والفلسفية في هذا المجال، تعزى في صورتها الحديثة الى الغرب، إلا أن أكثر وأعنف حالات الانتهاك والتنكر للضمير، والنفس الإنسانية بعامة، تأتي من غربيين عندما يكونون في مواجهة الأجناس الأخرى، وفي صورة توحي بأنهم لا يعترفون بأهمية تطبيق الجانب الحسن من معطيات العلم إلا فيما يدور بينهم من تعاملات, تقول إحدى النظريات العلمية الغربية: إن النفس الإنسانية تنقسم إلى ثلاثة اقسام:
1 الهو (ID) وهي مستودع الغرائز التي يولد الفرد مزودا بها، أي أنها تحتوي على ما هو ثابت في تركيب الجسم بصورة فطرية، ولا يوجد صلة مباشرة لهذا المكون بالعالم الواقعي, فهو لا شعوري ولا يعرف شيئا عن القيم والمنطق, بل يندفع إلى تحقيق المطالب الغريزية بأي وسيلة وبأي ثمن.
2 الأنا العليا (Super-Ego) وهي مستودع الأفكار والمشاعر والاتجاهات والمبادىء الإنسانية.
3 الأنا (Ego) وهي مركز الشعور ومركز الإدراك الحسي الخارجي والداخلي، وهي بمثابة الرقيب الذي يوفق بين مطالب (الهو ID) ومحتويات الأنا العليا بحيث يسمح، عندما يكون سليما، بإشباع تلك المطالب وفق الأفكار والمشاعر والاتجاهات والمبادىء الإنسانية الحسنة.
لا تزال هذه المكونات الثلاث أمرا نظريا لم يُثبت بالتجربة والبرهان، ومع ذلك فهي ليست خارج حدود المعقول، فكم من حقيقة علمية اليوم كان أساسها خيالا جامحا بالأمس,, لهذا فمن حقنا أن نُنظِّر كغيرنا إذا كان الأمر يتعلق بالعلم, كما أنه من حقنا أن نستخدم السلاح نفسه إذا كانت منظمات حقوق الإنسان تقوم بحرب استنزافية استعمارية ضد شعوبنا,, نستخدمه للدفاع عن حقوقنا الإنسانية والوطنية وليس للعدوان على أحد، فنقول: إن الأنا (Ego) هي الضمير، وان السلوك السوي هو نتيجة لسلامته وقدرته على إحداث التوازن بين المطالب الغريزية في (الهو ID) والمبادىء الإنسانية في (الأنا العليا Super - Ego) وان السلوك غير السوي ليس إلا نتيجة طبيعية لمرضه وعدم قدرته على إحداث هذا التوازن، فحين تمرض الأنا (الضمير) تخفق في أداء عملها، وتفقد قدرتها على العدل، وتنحاز,, فإذا كان انحيازها إلى جانب (الهو ID) فإنها تسمح لمكوناتها بالانطلاق بحثا عن الإشباع دون رقيب أو رادع, مما يؤدي إلى طغيان الغرائز البيولوجية أو الحيوانية، ومن ذلك بعض السلوكيات التي تصدر من منظمات حقوق الإنسان ووكلائها، عندما تقوم بتوظيف مفهوم حقوق الإنسان كوسيلة لإشباع الغرائز البيولوجية في (الهو ID) لدى مجتمعاتها، وليس لترقية حياة الشعوب الأخرى بالأمن والاستقرار والتقدم الفكري والتكنولوجي، والحياة السعيدة بشكل عام.
وإذا كان انحياز (الأناEgo) الى جانب (الأنا العليا Super- Ego) فإنها تصبح مفرطة في قسوتها على كبت المطالب البيولوجية الكامنة في (الهو ID) ومن ذلك ما كان سائدا في العصور الوسطى إبان سيطرة الفكر الكنسي في أوروبا, وما يشاهد من تطرف في الرأي لدى بعض الجماعات في العصر الحديث, وعلى هذا فإن الضمير هو الذي يملي جميع تصرفات الإنسان,, إنه إطار تحدث بداخله جميع العمليات, ومن اهمها العمليات الأخلاقية في حالة سلامته, وعلى رأسها: الحب، احترام الآخرين، العدل، المساواة، القناعة، الرحمة، وضوح وسلامة المقصد, وحين يعتل الضمير (الأنا Ego) فإن هذه المكونات أو العمليات تضعف ثم تتلاشى ويحل النقيض محلها: الكرة، احتقار الآخرين، الظلم، التمييز أو التفرقة العنصرية، الجشع والأنانية، القسوة والجبروت، النفاق وسوء المقصد.
ومع شديد الاسف، لا توجد علامة مادية ظاهرة نستطيع بها معرفة الإنسان الذي اعتل ضميره، فور حدوث هذا الاعتلال, لذلك فإن الناس يعانون كثيرا قبل اكتشافه والحذر منه، وتكون معاناتهم وخسارتهم أكبر إذا كان هذا الشخص ممن توافرت له الأسباب الكافية للتأثير في مجريات الأحداث ومصائر الأمم,, وهذا يدفع إلى التساؤل: هل من الأفضل أن نثق في ضمير منظمات حقوق الإنسان الغربية حتى تُثبت لنا الأيام والأحداث أن ثقتنا في غير محلها؟ أم من الأفضل أن نشك فيه حتى تُثبت لنا الأيام والأحداث أن شكنا في غير محله؟.
وأيا كانت الحالة الأفضل فقد اختار معظم أفراد العالم الثالث الحالة الأولى,, نعم لقد أعطت مجتمعاتنا، في الماضي، ثقتها لمنظمات حقوق الإنسان وللمجتمعات الغربية بعامة, ويالحسرتنا فقد خسرت مجتمعاتنا افدح الخسائر قبل أن تتحقق أن ثقتها في غير محلها, فلقد أثبتت الأحداث والأيام أن الضمير أو (الأنا Ego) عند الغربيين ليس سليما في اهدافه، ولا في تصوراته عن أفراد العالم الثالث وتفسيره لمصالحهم, ولا في معالجته لقضايا مجتمعاتهم, فالغربيون يضربون بجميع العمليات الأخلاقية عرض الحائط عندما يكونون في مواجهة هذا العالم وثرواته,, يصنعون الأعداء ويزودونهم بكل وسائل القوة والبقاء، لإرهاب أنظمة هذه المجتمعات وتهديد أبنائها في أرزاقهم ومعتقداتهم,, يفتعلون الأزمات ويغذونها ويصنعون المبررات لركوب زوابعها، فلا تهدأ أزمة إلا بتحقيق مصلحة غربية، ولا تنطفىء نار اشعلها الغرب إلا بثمن، ولا تتخلص مجتمعات العالم الثالث من عدو ظالم جبار إلا والآخر قد شب عن الطوق في حضانات التفريخ الغربية, كل ذلك لتظل الثروات والأموال تتدفق إلى منظمات (العفو الدولية) ومجتمعاتها، في حالة مؤسفة من انهيار الضمير (Ego) وانحيازه، وحالة مروعة من طفرة وطغيان الغرائز الحيوانية في الهو (ID) ذلك الطغيان الذي أكدت النظرية العلمية الغربية قدرته على سحق إنسانية الإنسان, وقد يقول قائل لتبرير وسائل الغرب في الحصول على المصالح الاقتصادية والسياسية : إن دوافع السلوك لدى المجتمعات تحركها مصالح قد تكون متغايرة, كما أن عواطف وقيم الشعوب مختلفة تبعا للاختلافات الثقافية, وهذا صحيح, ولكن عليه ألا ينسى ان هذا التغاير بين المصالح ليس مبررا لفساد الضمير، وأن الاختلاف النوعي بين الشعوب، في بعض القيم والعواطف لا يلغي حقيقة أن ضمائر الشعوب تتشابه إلى حد كبير في تقديرها لمقومات الحياة الإنسانية السليمة، فالقتل، والسرقة، والنهب، والجشع، والابتزاز، والإرهاب، والاعتداء على الأطفال والضعفاء، والظلم والقسوة، والكذب والنفاق، واحتقار الآخرين وإلحاق الأذى المادي والمعنوي بهم,, كلها أفعال لا يُختلف على وحشيتها في اي مكان وأي ثقافة، لأنها تتنافى مع المكونات الأخلاقية، أو الضمير السليم المركب في التكوين البيولوجي والسايكيولوجي للمخلوق البشري.
لقد مضى زمن طويل على شعوبنا وهي تئن تحت وطأة الآلام التي صنعها الضمير الغربي المعتل، وعمل جهده للمحافظة على استمرارها وزيادة حدة تفاعلاتها في سبيل تحقيق مصالحه المادية والسياسية، ورغم أن الغرب قد حصل عنوة على كم هائل من المصالح الاقتصادية والسياسية، إلا أنه مضى على الضمير الغربي الزمن نفسه لم يشف من مرضه, إن حياتنا مليئة بالأسئلة الموجهة إلى منظمات حقوق الإنسان الغربية ومجتمعاتها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: هل الثروات والمصالح السياسية التي جنيتموها تعادل، بنظركم، سلامة الضمير؟ وهل تجدون أن تلك الثروات والمصالح قادرة على شفاء ضميركم بعد أن استفحل به المرض؟ متى تتبعون الاسلوب الصحيح لإثبات حسن نواياكم تجاه شعوب العالم الثالث،حتى تبنى جسور من الثقة بينكم وبين هذه الشعوب، وتكون العلاقة بيننا وبينكم علاقة إنسانية، تقوم على المشاركة الوجدانية، والاحترام الحقيقي لحقوق الإنسان؟ أليس من المفترض ان تقدمكم الفكري والتكنولوجي قد ساعدكم على التخلص من عقدة حصان طروادة، الذي أوحى اليكم بفكرة تقمص حقوق الإنسان للوصول إلى قلوب الشعوب وثرواتها بالاحتقار والابتزاز والنفاق والافتراءات لإشباع مطالب (الهو ID) لديكم؟, وهيهات أن نحصل منهم على إجابة صادقة,, لذلك فإن التجارب التي مرت بنا تصرخ في وجوهنا: لا تثقوا في منظمات حقوق الإنسان ووكلائها ومجتمعاتها، طالما احتقروكم وتعاملوا معكم من منطلق أن تقدم الغربيين في التكنلووجيا يعني سلامة ضميرهم وتميز عنصرهم، وأن ذلك التقدم يبرر لهم هذا التوظيف العنصري لحقوق الإنسان، وطالما امتطوا حقوق الإنسان لإرهاب حكوماتكم بقصد نهب ثرواتكم ومصادرة أفكاركم، وسحق عقائدكم وأخلاقكم، وزرع بذور الشك والفتنة بينكم وبين أنظمتكم, والتدخل في شؤونكم الداخلية الخاصة,, وستستغرقون زمنا طويلا قبل أن يتعاملوا معكم من منطلق شريف، يؤمن إيمانا عمليا أن حقوق الإنسان غاية لا وسيلة، يقول مثل عامي: (يموت الزمار وأصابعه تلعب).
* ماجستير في علم الإجرام

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved