أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 8th May,2000العدد:10084الطبعةالاولـيالأثنين 4 ,صفر 1421

مقـالات

شيء من الحق
هشام ومحمد علي حافظ
الريادة والأخطاء
د, خالد محمد باطرفي *
تابعت ما نشر خلال الاسبوعين الماضيين حول الظروف التي انتهت إلى اعتذار الناشرين هشام ومحمد علي حافظ عن إدارة مجموعة الشركة السعودية للابحاث والنشر التي تصدر عنها جريدة الشرق الأوسط وشقيقاتها، واطلعت على كثير من خلفياتها.
ولأنني عرفت عن قرب الشقيقين ووالدهما السيد علي حافظ طيّب الله ثراه خلال سنوات عملي كمسؤول تحرير في مدينة جدة لجريدة الشرق الأوسط ومجلتي المجلة والشرق الأوسط حتى منتصف الثمانينيات الميلادية، فقد شعرت بأنه ربما يصح لي أن أدلي حول هذا الاعتذار برأي محايد وسط هذه التناظرية والقطبية التي لا وسطية فيها.
لنتفق بدءا على أننا كبشر لا كمال فينا وليس من بيننا ملائكة, ولتكن نقطة الانطلاق في بحثنا اننا عندما نتكلم فكلنا اصحاب مبادئ، وعندما نعمل فكلنا اصحاب مصالح، وأن العمل الصحفي اليوم اصبح نشاطا تجاريا يبنى على قواعد السوق وأهمها ميزان الربح والخسارة, فالصحافة الموجهة، والصحافة الرسمية، والصحف الحزبية يندر ان تعيش على دخلها فتدفع رواتب عامليها وحبر طباعتها وكلفة توزيعها من مردود ذاتي، فيما تقلع وتهبط حظوظ وفرص بقاء المؤسسات الصحفية التجارية على هذه الموارد الذاتية، حتى بوجود دعم من هذا الجانب أو ذاك، بشكل منظور أو غير مباشر ولا منظور.
والشقيقان آل حافظ لم يدعيا يوما أنهما يديران مؤسسات إعلامية ذات أهداف تتقدم في أولويتها على المنطق التسويقي والمصلحة المادية, ولكنهما روّجا لفكرة ان الربحية التجارية يمكن ان تلتقي مع المصالح الصحفية والفكرية على مسار واحد، وان ينجحا معا في تحقيق أهدافهما, كان هذا مفهوماً جديداً يطل على عالمنا العربي الذي تأرجح اعلامه بين الدافع الأيدلوجي والدوافع التجارية، وغلب على الجانبين التوجيه والتوجه المعلنين تارة والمستترين في كثير من الأحايين, على أن المبدأ نفسه لم يكن جديداً على العالم, ففي فرنسا مثلا تلاقت التوجهات الحزبية مع الاسلوب التجاري في إدارة الصحف, فصحيفة لوموند مستقلة ذات توجه تقدمي وليبراسيون يسارية، والفيغارو تقف على أقصى اليمين, والصور نفسها تتكرر بشكل اوضح أو أقل وضوحا في دول أوروبية أخرى، كبريطانيا وألمانيا وإيطاليا, ففي وقت تميل فيه التايمز والديلي تليقراف الانجليزيتان إلى حزب المحافظين، تقف فيه زميلتاهما القارديان والديلي ميرور بصلابة في صف العمال, فالإطار السياسي للتحرك محدد سلفا، وبالتالي نوعية القارئ وكنتيجة نوعية المعلنين.
وفي الولايات المتحدة يختلف الأمر بعض الشيء، لأن معظم الصحف لا تتبع تيارا محدداً، أو حزبا معينا، على الأقل بشكل معلن، إلا أن النظرية شيء والتطبيق شيء آخر، فهناك توجه محافظ يميل إلى الجمهوريين، وآخر متحرر يميل إلى الديمقراطيين، ويتضح هذا أكثر ما يتضح خلال الانتخابات الرئاسية والتي تعلن خلالها الصحف رسمياً تأييدها لهذا المرشح أو ذاك، وفقا لتوجهها وسياستها المؤسسية العامة, أما عن التوجهات الدولية فإن أفضل من يمثلها جريدة الهيرالد تريبيون التي تملكها جريدتاي النيويورك تايمز والواشنطون بوست كمشروع مشترك مقره الرئيسي باريس، وطباعته المتزامنة تمتد من أقصى الشرق الأوسط إلى أكبر العواصم الأوروبية مع استثناء رئيسي، الولايات المتحدة، التي لا تطبع فيها ولا توزع الجريدة، (كما لا تسمع بقرار من الكونجرس إذاعة صوت أمريكا باعتبارها أداة دعائية لا تليق بالعقل الأمريكي ولا تصلح للاستهلاك المحلي).
أما في العالم العربي فإن أكثر مدرسة صحفية اقتربت من النموذج الأوروبي كانت المدرسة اللبنانية، إلا أن الفرق كان في إعلان التوجه صراحة أوروبيا، وإخفائه في معظم الأحيان عربيا، فلا السفير أعلنت ولاءها لليبيا، ولا الحياة كشفت عن توجهها لدول الخليج, أما جريدة الشرق الأوسط فقد صرحت باعتزاز منذ البداية بهويتها وتوجهها (كتب الناشران مقالا رئيسيا في السنوات الأولى لإصدار الجريدة معلنين عن ذلك) فصحيفة الشرق الأوسط سعودية الملكية، عربية التغطية، تجارية الادارة والتسويق، تصدر من لندن وتطبع حول العالم، وتتلقى إعلاناتها من كل مكان، إلا أن سوقها التوزيعي والاعلاني الرئيسي والمصيري يبقى المملكة, على هذه الخلفية الواضحة والصريحة صدرت الجريدة وجميع شقيقاتها، وحققت خلال وقت قصير، وبالدفع الذاتي والدعم الوطني، والتقنية المتقدمة والتوزيع الدولي نجاحا منقطع النظير، أسست على مرتكزاته مدرسة يمكن ان نطلق عليها بدون ان نتهم بالمبالغة مدرسة الشرق الأوسط الدولية ، أسسها الرائدان هشام ومحمد علي حافظ.
ولا أتصور أن أحداً يمكن أن يتهمني هنا بالمداهنة، فقد خرجت من هذه المدرسة الكبرى على خلاف مع رائديها، وما زلت، ولا بد لنا هنا من أن نتذكر ضريبة النجاح السريع والكبير التي ترفع من معدلات الثقة والقسوة في النفس البشرية إلى درجة قد توصف عدلا بالغرور والظلم، وقضية تهمة الاحتكار والتعالي ضد مايكروسوفت ورئيسها الاسطوري بيل قيت مثال حي على ذلك.
على أن أحداً مهما رضي عن تاريخ الرجلين او لم يرض لا يمكن عدلا ان يهضمهما حقوق الملكية الفكرية للنسخة العربية من الصحافة الأوروبية، حيث يتلازم مسارا السياسة والمال على نحو لم يشهده الاعلام العربي من قبل, وكان من نجاح وتفوق هذه المدرسة المعرّبة ان ربت على شاكلتها مؤسسات إعلامية كبرى، من بينها المحطات الفضائية السعودية في لندن )MBC( وروما )ART( وجريدة الحياة وشقيقاتها (الحالية والقادمة)، والطبعات الدولية من صحف خليجية ومصرية كالقبس الكويتية والأهرام المصرية.
وهكذا فإن تاريخ الصحافة العربية، عندما يكتب بأي قدر من العدل والإنصاف، سوف يسجل لمدرسة آل حافظ، رغم الأخطاء، مكانتها بين كبرى المدارس الصحافية العربية، كمدرسة مصطفى وعلي أمين في أخبار اليوم ، وسعيد فريحة في دار الصياد ، وكامل مروة في الحياة وسليم اللوزي في الحوادث وعبدالعزيز المساعيد في الرأي العام , وسيضيف هذا التاريخ للمدرسة السعودية انها تفوقت حجماً وانتشاراً وعالمية على ما سبقها من مدارس وخلال مسافة زمنية أقصر بكثير.
ولعل مراجعة شاملة ناقدة للتجربة الحافلة تحرض الصحفيين الكبيرين أباً عن جد على صياغة تاريخهما مرة أخرى في تجربة أنجح وأبرأ وأصلح في عالم الصحافة المدين لهما بالكثير ودنيا النشر التي تشهد لهما بمجد كبير، وان غداً لناظره قريب.
* رئيس الشؤون المحلية، جريدة الوطن، أبها.

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved