|
| مقـالات
إن أمين الريحاني المؤرخ يظهر لنا بجلاء متمكناً في التعامل مع الأحداث سرداً وتحليلاً مقدماً لنا معلومات جديدة وفريدة في كتابه (ملوك العرب) الذي يعد من أهم المصادر التاريخية عن الفترة التي كتب خلالها، والكتاب الى جانب كونه تاريخا هو من جانب آخر رحلة احتوت على وصف دقيق يدلل على براعة في رصد المشاهد.
فهو يقول واصفاً ما شاهده في عدن: اما عدن اليوم فمدينة الشرك هي، لا مدينة التوحيد, مدينة عمومية لا عربية ولا شرقية ولا اوروبية، مدينة التجارة والفحم والمضارب العسكرية، هي من الوجهة الحربية جبل طارق الشرق، ومن الوجهة التجارية مركز استيراد وتوزيع مهم في البحر العربي.
ومن الوجهة البحرية هي مستودع فحم لبواخر العالم التي تجري بين الشرق والغرب، وهي فوق ذلك وقبل كل ذلك مستودع رئيسي للبواخر الانكليزية في الطريق بين الجزر البريطانية والهند, لا يفوقها سوى جبل طارق والسويس .
وهو ايضاً تسجيل دقيق لما دار من احاديث بينه وبين الحكام الذين التقى بهم حيث نقل الينا صورة حية واقعية عن احوالهم، فهو يقدم صورة عن وضع سلطان الحواشب عندما يقول:
كان السلطان علي نحيلا كالخيال، عصبي المزاج، حاد الطبع، حر الكلمة، حدثنا بعد العشاء عن احواله، قال: انا بين اربعة يا امين، والاربعة يقصرون حياتي، هذا ابني وهذه لحيتي البيضاء، هو ابني الوحيد يا امين،ولكني اذبحه والله ولا اسلمه رهينة لاحد، اما الاربعة فالواحد منهم فوق (يقصد الامام يحيى امام صنعاء) يشهر علينا الحرب لأننا هادئون ساكنون لا نعتدي على احد، والآخر تحت (أي عرب الصبيحة) يغزونا لظنه اننا اغنياء وان خزانة الانكليز تحت امرنا، والثالث هناك (أي عرب الضالع جيران الحواشب شرقاً) لايخاف الله, والرابع (اي سلطان لحج) عدونا اليوم، صديقنا غداً لانعرف والله متى ينقلب ولماذا ينقلب! وعلينا ان نحاربهم كلهم .
ومثل هذه المشاهد تنقلنا الى مجريات الحياة في مناطق شبه الجزيرة ومجتمعاتها وتوجهات حكامها مع ما كان يقدمه الريحاني من آراء شخصية تبين موقفه ووجهة نظره في حادثة بعينها او وضع اجتماعي وقف عليه او تقييمه لشخصية الحاكم الذي اجتمع به.
وفي الحلقة القادمة والأخيرة سوف نركز على علاقة الريحاني بالملك عبدالعزيز وهي علاقة تبرز روح المؤرخ وحصافة السياسي.
|
|
|
|
|
