أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 10th May,2000العدد:10086الطبعةالاولـيالاربعاء 6 ,صفر 1421

مقـالات

سؤالنا الأساسي في الإعلام
د, علي بن شويل القرني
من منا لم يخض تجربة الاعلام، او يشارك في تقويم ممارسات إعلامية شتى على الصعيد الداخلي او الخارجي؟ وكم منا من فسر الظاهرة الاعلامية، او انتقدها؟ وكم منا من دافع عنها أو هاجمها؟ والاعلام اصبح حديث المجالس ولغة الناس؟ والاعلام بات جزءا لا يتجزأ من كل ما يحدث حولنا وداخلنا وخارجنا، واصبح مشجبا نعلق عليه فشلنا واخفاقنا، وكذلك وسيلة نستعرض عليها نجاحاتنا وتفوقنا,, وقد تنامى الاهتمام بالاعلام فأصبح مادة في كثير من الأنظمة، وفقرة في معظم اللوائح، ومجالاً للنقاش في الجلسات والندوات والمؤتمرات,, وما يتبع ذلك من توصيات ومقترحات وتداعيات,, واصبح الاعلام أساسا في خطط الحروب والدعايات، والسلم والسلام، والأمن والاستقرار، وجزءا من مشروعات التنمية والتغير والتعليم والثقافة,, وتحول الاعلام كمهنة من مجرد مواهب وخبرات تكسبها التجارب الحية، الى حقول معرفية وتخصصات أكاديمية تمنح من خلالها شهادات وأوسمة وتقديرات,.
وعلى الرغم من كل هذا، يظل الاعلام - في المجتمع العربي عامة والخليجي والسعودي خاصة - مجرد وسائل وأوعية تقذف داخلها مواد اعلامية من أفواه وأقلام وعقول مجتهدة في نيتها، لكنها بعيدة عن مفهوم التخطيط الاعلامي للكلمة والتنظيم العلمي للنشر,, ولم تعد الكلمة التي تنشر عبر وسائل الاعلام المطبوعة أو التي تبث من خلال وسائل الاعلام المسموعة والمرئية سوى مجرد واجبات وظيفية تحتمها المسؤولية وتستلزمها متطلبات العمل والمهنة,, وبهذا يكون الاعلام غاية بذاته ينتهي بمجرد النشر ويتوقف فور اختتام البث,, وتتحقق اهدافنا بمجرد التلقين المباشر الذي تعكسه مخرجات الاعلام المتفرقة,, أما ان يكون الاعلام وسيلة فقط فهذا لم يتحقق بعد في مجتمعنا، لان الغايات الكبرى غير مرتبطة بالاعلام، والاهداف الاجتماعية غير واضحة للمهنية الاعلامية,, ويظل الاعلام لدينا في أفضل صوره مجتهدا في زمن لا يقبل الاجتهادات أو يرضى بالعشوائية او يستكين إلى الحد الادنى من التقليدية الاعلامية المتناثرة في كل مكان.
الكثير منا يتكلم ويكتب عن صناعة الاعلام وكأنها مطابع نشتريها من ألمانيا، أو استوديوهات نقتنيها من امريكا، أو مباني فخمة نقيمها، أو كراسي وتجهيزات نزين بها مكاتبنا وغرف اجتماعاتنا,, أو هي بطاقات وظيفية أو شهادات تقدير أو مراسم احتفالية,, هذا هو مفهوم الصناعة الاعلامية كما نقيسها نحن في مجتمعنا، وتظل هذه مجرد شكليات ربما تكون ضرورية ولكنها ليست كافية لبناء صناعة اعلامية متقنة، ذات تخطيط مدروس وتمازج واع بالاهداف الاجتماعية الكبرى، والغايات التخصصية لكل مرفق من مرافق الادارة الاجتماعية والشأن العام,.
الاعلام كما نلاحظه في مجتمعنا والمجتمع النامي عموما هو مسألة اجتهادية لدى القادمين الجدد، او عملية محاكاة واسترجاع لما حدث في الماضي للقائمين الحاليين,, وفي كلتا الحالتين يظل الاعلام رهن الجمود الذي لا يفضي لجديد، والقوالب التي لا تنفك عن نمطية التقليد, وماذا يمكن ان نصنعه حتى نقتلع ارث النمطية التقليدية وقوالب السردية المباشرة وماذا يمكن ان نفعله لبناء صناعة اعلامية متقنة تواكب تطور الزمن وتسارع حركة الأفعال العامة، وتتناسب مع روح العصر الوثابة إلى الوقفة أمام الاحداث لا إلى خلفها,, ولقيادة المبادرات لا الى الارتهان الى ردود أفعالها,, الاعلام يجب ان يبدأ من البدايات الاولى لصناعة القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والامني,, الاعلام يجب ان يكون بداية مع بدايات الأشياء وتأسيس الافكار وبناء المشروعات,, ولا يجب ان يكون نهاية مع اختتام النشاطات وتلاوة التوصيات ومراسيم الوداع وبروتوكولات الاعلانات النهائية,, الاعلام يجب أن يسبق الأحداث لا أن يتبعها، ويسبق القرار لا أن يعلق عليه، ويسبق المسؤول إلى حيثما ذهب لا أن يتبعه حيثما تحرك.
لقد ترسمت في ذهنيات المهنية الاعلامية طقوس من العمل التي باتت محفوظة عن ظهر قلب، ومحاطة بهالة من البروتوكولات التي باتت جزءا من العمل الاعلامي، وأصبحت شكلياته أهم مضامين وأساسيات الحركة الموضوعية للأحداث والنشاطات,, الاعلام اصبح أسير نمطية المحاكاة والتقليد والوصول المتأخر والوقوف أمام البيانات الختامية والاستسلام لوكالات الانباء الرسمية,, وأصبح الاعلاميون مجرد مرافقين يشاهدون الاحداث ولا يحاولون صناعتها، وينضبطون خلف السلاسل الفصلية بينهم وبين اصحاب القرار ويشاركون في الفرجة على ما يدور في الظاهر لا على ما يختمر داخل الكواليس، وينتظرون المتحدثين دون ان يسعوا إليهم، ويتلقون الاجابات دون ان يطرحوا الاسئلة,.
إن الاعلام في الدوليات الكبرى بثقافته المتخصصة وتقنيته المتقدمة يسعى لان يكون منسجما مع الاهداف الاستراتيجية للحياة العامة والآفاق الاجتماعية للمستقبل الزمني للأفراد والمؤسسات، ولا يرضى بأن يستكين الى الحدود الدنيا التي تقف أمام مشهد سقوط الاعلام في لحظة الميلاد دون أن يخوض تجربة العيش والحياة من أجل الآخرين وتلمس احتياجات المكان وضروريات المهنية المتخصصة,.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved