أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 10th May,2000العدد:10086الطبعةالاولـيالاربعاء 6 ,صفر 1421

مقـالات

السُّرى في تيه السّراب ,,!
إبراهيم عبدالرحمن التركي
(1)
** مَن يقولُ الحق
من يروي حكايات المساء ,.
من يغني الصبح .
في غيم الفناء,,؟
** مَن لما كان,,؟
وما يأتي,.
وما ضمّ الفضاء,,؟
** من لنا
إن لم نقل,,؟
** ما لنا
إن لم نصل,,؟
** ما بنا
إن ضاقت الأرضُ
أو ازداد الخواء,,؟!
***
(2)
** أنا لا أعرف الحقيقة المجردة، ولكنني أقف متواضعاً أمام جهلي، وفي هذا فخري وأجري,,
جبران خليل جبران
***
** أكثر الناس متفقون على ما يظنون أنهم مختلفون فيه
المنفلوطي
***
** وقت يضيعُ وعمر ليت مدته
في غير أمته من سالف الأممِ
أتى الزمان بنوه في شبيبته
فسرهم وأتيناهُ على الهرمِ
المتنبي
***
(3/1)
* لماذا نختلف في فهم التاريخ,,؟!
* ولماذا نختلف في تفسيره ,,؟!
** ولماذا نختلف حتى في سرد أحداثه ,,، وترتيب وقائعه ,,، والوقوف أمام شخوصه ,,؟!
** أسئلة مشروعة يدفع إليها الحوار المتصل حول أسماء وأفعال أيقظ إشكالاتها التوثيق التاريخي المتمثل في الكتابات المقاليَّة، والكتب المعلوماتية، والأفلام والمسلسلات ، والحوارات التسجيلية والتوثيقية الكثيرة التي بدأت تحتلُّ مكانة بارزة في صدر اهتماماتنا العربية في الآونة الأخيرة,,؟!
(3/2)
** تعترض هذه الأسئلة نقاطٌ متعددة:
* فهل نحن نتحدث عن التاريخ كل التاريخ ,,؟
* وهل تتدخل الجغرافيا - بأبعادها الإقليمية والاقتصادية والسياسية - في كتابته,,؟
** وإذا أُخطئ في درسه اليوم فهل يمكن إصلاح الخطأ غداً,,؟
** ومن هو المؤهل للقولِ فيه,,؟
** وهل هان التاريخ ليكون مدارا لتنافس المحطات الفضائية مثلا ليتحدث شاهد عيان عن رؤية شخصية تتحول برغبته إلى أحكام عامة,,؟
** وهل يجوز لكاتب أو أستاذ أن يتناول جانباً تاريخياً محدداً ويفتي فيه كيفما شاء دون أن يمتلك أدوات البحث، ودون ان يتبرأ (وهذا مهم) من الذات وميولها وطمعها وطموحها,,؟
** أسئلة تبدأ فلا تنتهي، وإجابات تبحث عن مشروع مختلف لقراءة وكتابة التاريخ,,!
***
(4)
** يُرجع كثير من الباحثين الوضع المتردد أو المتردي إلى أزمة في المنهج تصيب معظم ما تخرجه المطابع العربية، وما تجيزه الجامعات العربية من أطروحات علمية - على مستوى الماجستير والدكتوراه - وفيها ما يكتفي بالحدُّوثة أو القص المجرد التي يتجاوز بها الكتاب مئات الصفحات مما يدفع إلى شيء من العجب بالمنجز لمجرد ملئه المجلدات ,.
** وفيها كذلك ما يفتقر إلى الدقة والتحليل والرؤية الموضوعية,, وفيها ما يؤكد أن دراستنا للتاريخ بعيدة عن فلسفته ومدارس فكره ، والأمر لا يحتاج لأكثر من حكايات مكرورة تختلف عن بعضها في حجم التفاصيل، أو أسلوب التبويب وصياغة المضمون,,,!
***
(5)
** عرضت مجلة (الكتب وجهات نظر) في عدد أبريل 1999م (ضمن مقال عن أزمة الكتابة التاريخية في مصر: تضخم في الانتاج وضآلة في المعرفة) لكتاب مهم عنوانه (في التاريخ On History) لمؤلف بريطاني اسمه (إيريك هوبسباوم، (ولد عام 1917م) ودرّس في جامعتي لندن ونيويورك ، ويعد - كما وصفه صاحب المقال رؤوف عباس - من أطول المؤرخين قامة علمية، وأكثرهم اهتماما بأصول الكتابة التاريخية، ومناهج البحث في التاريخ على مدى أكثر من نصف قرن,, (ص46).
** يرى هوبسباوم أن المجتمع هو مجال دراسة المؤرخ ، وألا تقاطع في ذلك مع دراسات الباحثين في العلوم السياسية ، كما هو مقتنع بأن من مهام المؤرخ قراءة المستقبل من خلال تأمله في الماضي والحاضر، ومن معرفته بآليات ودوافع التغيير التي تتم في كثير من المجتمعات وذلك عبر منهجين متوازيين ,.
* الأول: التنبؤ بالاتجاهات العامة من خلال صياغة النموذج.
* الثاني: التنبؤ بالحوادث المستقبلية أو نتائجها عن طريق تحليل الواقع الراهن واستشراف مساره المستقبلي,.
** ويضع هذا العالِم حدا بين هذه التوجهات واتجاهات المجتمع التي يجيد إمكانات معرفة تحولاتها متخصصو العلوم الاجتماعية,,!
** وإذن فالمؤرخ قادر على صياغة نظرته ونظرياته من خلال دراسته الواقع دون ان ينتظره وقد اضحى ماضياً ، والوثائق - التي لا يكشف عنها إلا بعد فترة من الزمن - ليست الاسلوب الأوحد للدراسة وخصوصاً بعدما انتشرت التقارير المؤسسيّة، والشعبية وأضحت وسائط الاتصال قادرة على خدمة المعلومة وتأكيدها ورسم ملامحها الرسمية وغير الرسمية,,!
***
(6)
** لندع مؤرخنا وعالمه، ويمكنُ لمن شاء أن يستعيد قراءته في كتابه المنشور عام 1997م في نيويورك )The New Press(، ولنا أن نخرج من ظلِّه لنسترجع الإشكالات المتجذرة في طريقة استيعابنا للتاريخ الذي يتناقض أمامنا بأحداثه وحوادثه بين مؤرخ وآخر، وبين رواية وأخرى,,! هذا عدا غياب وجود الباحث المستقبلي الذي يضعنا في مواجهة مع الحدث القادم، كما يفعل مؤرخو الشرق والغرب ممن صدق تحليلهم لصعود ونشوء وانحدار الأمم، والتغيرات التي يمكن ان تحدث خلال ذلك مما استطاعه روائيون وباحثون من امثال ويلز ، وتوينبي ، وبول كندي وغيرهم,.
***
(7)
** منذ فجر التاريخ اختلف مؤرخونا المسلمون - ولا يزالون - حول تفسير بعض الحوادث التاريخية ، وتناقضوا في تعريفاتهم المصطلحية ، ووقف متلقو او متلقفو التاريخ حيارى بين صورة يرسمها فريق وأخرى يراها سواهم، وظلت القضية تائهة حيث يجزم بعض، ويتوقف بعض، ويؤمن نفر، وينكر نفر، ويفسر منهم بشكل، ويفسر آخرون بشكل آخر,, ولا يزال الحوار مقطوعا بين الفئتين أو الفئات ويطالب المتوسطون بالسكوت عن التأمل في هذه الفترات التاريخية، وعُدَّ ذلك اجتهادا يثاب صوابه ويغفر خطؤه ,,!
** مشكلة الموضوع أنه لا يمس اشخاصا بل يتناول أمة، وإذا جاز تمرير أو تبرير موقف الأفراد، فإن الأمم لا تحاور بمثل هذا الطرح، كما ان الأحكام لا يفي بها الرأي الانتقائي او المحايد أو الرمادي ، والسكوت لا يعني التسليم بالحقائق المختلف حولها,,!
** إن احداثا في قيمة وأهمية الطُّلقاء وسقيفة بني ساعدة ، والجمل وصفِّين ، ومقتل عثمان ، وعلي - رضي الله عنهما ، وخلافة معاوية ، وفتن المذاهب المتعددة، والقول بخلق القرآن، وغيرها أمور فرقت الأمة الى مناطق افتراضات قيل فيها ما قيل، وظل الجيل الحالي، كما الاجيال السابقة، رهناً لمن هو أعلى صوتا في محيطه الجغرافي ، مما جعل التاريخ أسيرا للغة المكان والزمان ,.
***
(8)
** يمضي الأمر على هذه الحال في التاريخ المعاصر، مما جعل الاختلاف يمس الرؤى المتضادة من الفترات الوسيطة والحديثة والمعاصرة ، وظهرت مجموعات متناحرة بسبب اختلافها على قراءة التاريخ، واستمر عدم الاستقرار في تلك القراءة حيث تعلو فترة وتهبط سواها تبعا لرؤىً شخصية قد ترتبط أو تنأى عن المصلحة كما الحقيقة ، وعن الهوى مثلما الموضوعية ,,!
** إن كلا منا يقرأ غزوه نابليون وعصر محمد علي وعبدالناصر والسادات والحركات السياسية المتعددة وحروب 48، 56، 67، 73 ، والحرب اللبنانية ، واتفاقات مدريد وأوسلو ووادي عربه ، وغيرها، بأكثر من لغة، ونفهمها بأكثر من شرح، ونقف منها أكثر من موقف، وكل هذا لأننا ندرس التاريخ/ الحكاية ، ونفهم التاريخ/ السلطة ، ويهمنا التاريخ/ السائد ,,، والمسألة ان الحكاية تتبدل، والسلطة تتعدد، والسائد لا يدوم، والمشكلة أننا أمام حكايات وروايات متضاربة يتصارع من أجلها المهزومون عَبرَ استقبال ما يُرمى في أوانيهم ,,!
***
(9)
** مضت مقولة رانكه Ranke : لا تاريخ بغير وثائق ، فقد تعددت المصادر، وأصبح التاريخ الشفهي أساسا في قراءة الحدث وتفسيره، وهو ما يلقي مسؤولية على المؤسسات المختصة لدعم مراكز الروايات الشفهية ، واتباعها بتحليلٍ يدعم مصداقيتها ، ويفسر غامضها ، ويوجِّه نتائجها لخدمة فترة تاريخية محددة، ونعود - مرة ثانية وأخيرة - إلى المؤرخ البريطاني هوبسباوم الذي يرى ان التاريخ الشفاهي أو الشفهي منهجٌ أكاديمي وأحد منطلقات كتابة التاريخ,,!
***
(10)
** يطالب كثيرون بإعادة كتابة التاريخ، وقد تنادى المؤرخون العرب لمثل هذا التوجه منذ زمن، ولم يفعلوا؛ مما يجعل الحاجة ملحة لطرح كل الرؤى والاختلافات التاريخية على منابر البحث العلمي الموضوعي المبرّأ، فقد طال السُّرى واستطال السراب ، وحق لنا أن نكتشف أننا متوحدون منطلقاً ، ومتفقون غاية ، والفهم المشترك وسيلتنا لرأب ما نظنه صدعا أو شقاقا ,.
** العالم لا يعترف بالأشلاء ,,!

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved