أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 12th May,2000العدد:10088الطبعةالاولـيالجمعة 8 ,صفر 1421

شرفات

المسراوية ، والمتتالية ، والقصة القصيرة أبزر سماتها
العولمة والأجناس الأدبية
هل ضاعت الحدود بين الانواع الادبية في ظل طغيان ظاهرة العولمة؟ وهل نعيش بالفعل عصر تداخل الفنون والاشكال الابداعية العابرة للانواع والاجناس التي درجنا عليها؟! فبدلا من الرواية والقصة والشعر والمسرح اصبحنا نجد المسراوية، والقصة القصيرة والمتتالية القصصية وتنويعات روائية فهل اصبحت هذه الانواع الجديدة تتماشى مع ظروف وايقاع العصر الذي نعيشه حيث تصب مجريات كافة الانواع في نهر واحد كما تبشرنا العولمة: وهل انقضى عصر التخصص الدقيق واصبح لزاما على المبدع تخطي الاطر القديمة وتحطيمها؟!
حول هذه التساؤلات تطرح الجزيرة القضية في محاولة لرصد كافة اتجاهاتها وابعادها.
تحولات هائلة
يؤكد الناقد والمترجم سامي خشبة في البداية بان التحولات الهائلة في الواقع الانساني والاجتماعي والنفسي والمعرفي والفكري املت ان تتغير وسائل التعبير الفني ذاتها وان تتغير طبائع وملامح واساليب ووسائل ولغات التعبير وابنية الابداع الى الدرجة التي اصبح من الممكن ان تبدو الرواية بحثا معرفيا او اشراقات غنائية او خيالات اسطورية متراكمة وان تتخذ البنية الخارجية لنص شعري طبيعة سردية او طبيعة درامية متعددة الاصوات والمداخل والامزجة ولا شك ان هذا التغيير المتعدد الوجوه قد ازال الكثير من الفوارق بين الانزاع التي اصبحت معها كلمة النص تستخدم لتوصيف اي عمل ادبي والى الدرجة التي اصبحت فيها فكرة تقسيم الابداع فكرة بدائية الى حد ما اذن فالتعبير من حولنا يدفعنا الى تأكيد تغير حدود العلاقة بين الانواع الادبية, ومن ناحية اخرى يضيف الناقد د, مصطفى عبدالغني ان التغييرات الحادة التي شهدها عالمنا المعاصر في العقد الاخير منه على وجه خاص تدعنا ندرك ان الخلاف بين وجود الحدود الادبية او عدم وجودها هو من قبيل لزوم ما لا يلزم وهو بأية حال يعبر عن مناخنا الادبي فضلا عن وعينا الاجتماعي والمعرفي فقد مضى عصر افلاطون الذي قسم جمهوريته بين ثلاثة انواع من المحاكاة وارسطو الذي سعي لتحديد انواع ادبية بعينها ومن المعروف ان هذا التقسيم اعيدت صياغته مع الوقت بامتداد دوائر الانواع الادبية وتطورها ولو عدنا لكثير من النصوص التي ظهرت على الاقل منذ عصر النهضة في الغرب نلاحظ ان ايا من الانواع الادبية ليس جنسا مغلقا ولكنها في الوقت نفسه تخضع لمؤثرات الواقع حولها التي تدفع لتداخل الاجناس وعلى هذا النحو فان الابداع والتلقي محكومان بواقع لغوي محدد وعلاقات اجتماعية وثقافية مغايرة ونحن نميل الى الربط بين التطور الفني والتطور الاجتماعي الفكري خصوصا في العصر الحديث بحيث تتنوع الفنون وتتداخل وانشاء عادات ومدارك جديدة في التلقي.
التداخل حقيقة وليس خيالا
اما الاديب ادوار الخراط صاحب العديد من المصطلحات مثل الحساسية الجديدة والمتتالية القصصية يقول لابد من التأكيد اولا انني لا استحدث هذه المصطلحات او اطلقها من فراغ ولكنها توجد لتفسير العديد من الظواهر الفنية القائمة بالفعل في العمل الابداعي وقد وجدت انه يوجد نوع من التجاوز للانواع الادبية بمفهومها التقليدي الذي استقر في الاذهان فترة طويلة بمعنى ان القصة القصيرة على سبيل المثال وفق مفهومها القديم لم تعد تلبي المواصفات المعروفة للقصة القصيرة حاليا فالانواع الادبية قد تداخلت بالفعل ليس لمجرد استعارة بعض التقنيات الموجودة في بقية الاجناس الفنية او استعارة بعض تقنيات الشعر او الدراما بل التداخل اصبح لازما بشكل يوجد به استيعاب لهذه التقنيات وانصهارها داخل العمل في بوتقة واحدة وهذا التداخل يكون في الشكل والمضمون فالكتابة عبر النوعية تقوم الان على اسقاط الحدود بين الانواع الادبية التقليدية التي ترسخت على مر العقود والآن لا يوجد عائق امام الاديب في تخطي هذه الحدود، فعملية الانصهار التي اشرت اليها آنفا تتم بحيث تصبح الكتابة شيئا آخر لا هو بالقصة القصيرة او الرواية بل يستوعبها ويتجاوزها في الوقت نفسه بل يمكن استيعاب تقنيات ورؤى من الفنون غير القولية، من الفن التشكيلي والنحت والموسيقى على سبيل الاستعارة او الاقحام او التزيين وبشكل تصبح هذه المنجزات كلها وحدة واحدة متنوعة النغمات ولكنها متسعة في الوقت نفسه.
الحدود لا تسقط
على عكس ذلك يرفض الاديب الكبير سليمان فياض مقولة ضياع الحدود الادبية ويرى ان هذه الحدود تعني ببساطة جوهر كل نوع وخصوصيته المميزة فاذا تم اسقاطها فهذا يعني ان الشيء المكتوب ليس ادبا ولا ينتمي الى اي نوع من الانواع الادبية ورغم ذلك قد يكون هناك تأثير وتأثر بين هذه الاجناس المختلفة وهذا التاثير لا يلغي الحدود وانما يندرج تحتها.
يتفق مع هذا الرأي الاديب ابراهيم اصلان الذي يؤكد اننا لا نستطيع اطلاق مسمى القصة القصيرة مثلا على القصة المكتوبة بلغة شاعرية او نقول عنها انها كتابة عابرة للانواع الادبية وانما هي نص ابداعي مكتوب بلغة راقية وتسمى قصة وليست قصيدة لانه تتوفر فيها ادوات الفن القصصي وهكذا تكون الرواية وكافة الانواع الادبية.
ومن ناحيته يرفض الناقد ابراهيم فتحي اسقاط الحدود الادبية مؤكدا انه رغم وجود التداخل بين الانواع الادبية الا انه في النهاية سيظل لكل منها عالمه القائم بذاته ويضيف اننا قد نجد ملامح الشعر تدخل في نطاق القصة او الرواية والعكس صحيح وتوجد كثير من القصص يمكن ان نطلق عليها قصائد غنائية مثل بعض قصص يوسف ادريس ويحيى الطاهر عبدالله ورغم ذلك فالحدود بين الاجناس الادبية قائمة ولن تسقط لان كل جنس ادبي يتم بناؤه على حسب التصورات والاخيلة لانواع التجارب الانسانية وقد يكون هناك تداخل بين الانواع الادبية فالحوار والنمط الملحمي يمكن وجودهما في الرواية ولكن في النهاية سيظل لكل نوع العالم الخاص به والقائم بذاته فيجب ان يكون هناك توازن وان يتوافر في كل فن خصائصه.
بينما يرى الناقد صلاح فضل ان الانواع الادبية قد استقرت في ضمير الاجيال ولا يمكن الغاء المساحة فيما بينها دون ان يخرج المبدع عن القوانين التي يعرفها المتلقي وهذا ليس معناه ان المبدعين يتعين عليهم ان يختاروا هذه القواعد المحددة سلفا فهم يلعبون دائما بتوتر محسوب يتردد بين قطبين، قطب اشباع توقع القراء من ناحية باستيفاء الشروط وقطب ادهاشهم بابتكار تنويعة جديدة على قواعد اللعب يفهمها الجمهور ويستجيب لها ومن هذا الهامش يتطور الفن وتنمو الاجناس الادبية محافظة بشكل ما على هذا الهامش من الحرية وعلى خواصها المحددة غير ان هناك محاولات اخرى يغلب عليها طابع التجريب وهذه تعد اضافة وليس الغاء الانواع السابقة لذلك فالدعوة الى الغاء الفوارق دعوة لا يعترف بها التاريخ ولا تستسيغها الذائقة الادبية.
المستقبل
اما الناقد والشاعر الدكتور يوسف نوفل فيري انه في مجال تطور الاجناس الادبية عبر مسيرتها الفنية من جيل الى جيل ومن عصر الى عصر حدث نوع من التمازج او التقارب بين بعض الاصول الفنية لتلك الاجناس الادبية، وهذا التمازج قد وصل الى الحد الذي تمت فيه استعارات فنية بين الاجناس الادبية بحيث اصبحنا نرى اديبا يستعير بعض الملامح الفنية من جنس آخر وهذه الاستعارات دقيقة للغاية ويؤدي الاسراف في استعمالها الى نوع من الفوضى الفنية حتى اصبحنا نصادف في كثير من القصص ما يستعصي على الفهم، ورأينا ان هذا الفن يجنح تارة الى الذهنية ومتاهات التعقيد والغموض، ومن حق قارىء اليوم ان يتساءل هل ادت موجة التراسل بين الفنون الى تلاشي الحدود الفاصلة بينها.
واجابتي بالنفي اذ لا يتيسر لعصر ادبي ما ان يذيب الفواصل الفنية بين الاجناس الادبية ويطمس معالمها ومن الصواب ان نقول انه يوجد استعارات شتى تتم بين الاجناس الادبية وليس الغاء او ضياع الحدود الادبية وهكذا تظل القضية بين اثبات الحدود والغائها غير ان الاشكال الجديدة ستظل رهن المستقبل في اثبات سيادتها او انتفائها.
عثمان أنور

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved