أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 15th May,2000العدد:10091الطبعةالاولـيالأثنين 11 ,صفر 1421

مقـالات

وطن الأجداد وموطن الأمجاد
يوسف عثمان عبدالله اليوسف
للوطن نكتب وتكتب معه مشاعرنا الممتزجة بترابه، وفي الوطن تصرّ الأحاسيس والمشاعر على أن تجتمع في حبه لتكتب أجمل الحروف وأغلى الكلمات، وفي حب الوطن ينبض القلب بوفائه فيملي على العقل كلمات الوفاء لتراب وطنه، فيشير العقل في الحال إلى اليد بالعزف على القلم، فتعزف أروع الألحان، ويقوم القلم بالرقص على أوتار حبره فيطرب لسماعه كل مواطن أحب هذا الوطن وأهله، وللوطن نكتب ولا نبالي أياً كان القارئ هو من حاسد أو حاقد لهذا الوطن العزيز على قلوبنا جميعاً، والعزيز أيضاً على قلوب كل المسلمين الذين نجدهم ولله الحمد في كل بقعة من بقاع الكرة الأرضية، يستقبلون وجهته فيصلون لقبلة الله سبحانه وتعالى في اليوم والليلة خمس مرات، نعم هذا الوطن الذي ولد فيه أجدادنا، وترعرعوا على أرضه، وشربوا من مائه وأكلوا من خيراته، وأمنوا بنعمة من الله في أمانه، وحارب أجدادنا لأجله، وتحت سمائه، وسجدوا لله سبحانه وتعالى على ترابه، وعمروا بيوت الله فجلجلت أصوات الأذان جباله وشكروا الله على نعمة الإسلام التي تحققت بفضل من الله سبحانه وتعالى ثم بفضل النوايا الصالحة التي كانت في قلوب قادته، والتي كانت بمثابة انطلاقة دعوة التجديد الإسلامي بقيادة الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمهما الله واللذين اتفقا سوياً على أن يكونا حصناً منيعاً ضد الفتن والعبادات المشبوهة، والتي دائماً ما كان يخالطها من تبرك بالقبور وعبادة للأشجار، وكأنما قيض الله لهذه الجزيرة رجالاً لم ولن يجعلوا الجزيرة تدنس بأمر كافر ولا تنجس بفتوى من مجوسي، أو بدعوة من ماركسي، أو من بدعة من علماني، فقد بدأت الدولة السعودية الأولى على كتاب الله الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكان فارسها هو الإمام محمد بن سعود رحمه الله والذي سخر للشيخ محمد بن عبدالوهاب كل الطرق من أجل انتشار دعوته، وبث طلاب الشيخ في كل مكان من أرجاء الجزيرة العربية على نفقته الخاصة، فكان الإمام خير معين بعد الله سبحانه وتعالى لهذا الشيخ الجليل في دعوته، وكذلك قامت الدولة السعودية الثانية أيضاً، وكان فارسها هو الإمام تركي بن عبدالله رحمه الله والذي اشتهر بقوة إيمانه بالله تعالى، إلى جانب حنكته السياسية والعسكرية، وبعد نظره، أما الدولة السعودية الثالثة فلقيامها قصة، ولروعة كفاح مؤسسها ملحمة، أو كأنها معجزة حدثت فوق الرمال كما قال عنها المؤرخون، فهي حقاً لو تخيلها العقل في خياله فقط لقال بأنها معجزة فعلاً، فكيف لو علم بأن هذا الخيال إنما هو حقيقة واضحة، فكيف لذلك الشاب والذي يدعى عبدالعزيز ومن معه من بعض رفاقه الذين لم يتجاوز عددهم الستين رجلا، أن يجعلوا لهم وطنا رائعا وكبيرا، يمتد من حدود الأردن شمالا إلى أطراف اليمن في الجنوب، ويمتد من سواحل الخليج العربي في الشرق إلى شواطئ البحر الأحمر في الغرب، ربما لا يتخيلها العقل، ولا يدركها القلب ولكنه الإيمان الصادق الذي كان في قلب ذلك الشاب الشجاع عبدالعزيز والنية الصالحة التي كان يختزنها في قلبه، فكان الله خير عون له في جهاده الطويل عبر تلك السنين لتوحيد أرضه ومن ثم مملكته، فقد أكرمه الله سبحانه وتعالى بأشرف خدمة وأجل نعمة على مدار التاريخ الإسلامي كله ألا وهي خدمة الحرمين الشريفين، والتي كانت بالفعل بداية الانطلاقة الحقيقية لتجديد عمارة الحرمين الشريفين كيف لا وهو أي الشاب عبدالعزيز لم يفكر في ضم المدينة المنورة ومكة المكرمة إلا لأجل التيسير على المسلمين والتخفيف عنهم، وذلك لأن شريف مكة منع أبناء نجد من الحج وهم ليسوا إلا مسلمين، لم يرتكبوا ذنباً يوجب حداً، ولم يعملوا خطأ يوجب عقاباً، فقام الشاب عبدالعزيز بالتفكير في الأمر واجتمع بأهل الشورى الذين حوله عاملا بقوله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم) ومن ثم قام بالذهاب إلى مكة فدخلها وسلمت إليه مفاتيح الحرمين بدون قتال من شريف مكة، ومن ثم فكر في المدينة المنورة فجيش الجيش وجعله بقيادة فلذة كبده الأمير عبدالمحسن بن عبدالعزيز عليه وعلى والده جلابيب الرحمة، فحاصرها شهراً وفي اثناء هذا الحصار طلب حامية المدينة أرزاقهم من الشريف وإلا اضطروا للاستسلام للملك عبدالعزيز فاعتذر لهم الشريف فسلموا للملك عبدالعزيز، وهكذا فتحت المدينة وبعد ذلك أخذ الشاب عبدالعزيز بالتخفيف عن المسلمين وأخذ بالتفكير من أجل راحة الحجاج، فألغى عنهم رسوم الحج والتي كان يدفعها الحجاج، ليس إلا لأجل التيسير عليهم، وإبعاد بعض من التعب والهم عن كاهلهم، ومن أجل أن يؤدوا مناسكهم في يسر وسهولة فلا يريد أن يشغلهم عن آداء مناسكهم وعبادة ربهم أي شاغل، فيكفيهم أتعاب السفر وهموم مشوارهم وسفرهم إلى مكة المكرمة، ذاك الشاب هو الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله تعالى، الفارس الذي وهب حياته كلها في سبيل خدمة دينه وخدمة وطنه وشعبه، فقد ضحى بوقته وصحته ونفسه من أجل دينه أولاً، وضحى بأبنائه حيث كان يضعهم في مقدمة جيوشه في خوض معاركه من أجل توحيد وطنه حيث كان يخوض معهم وبهم معاركه، وضحى بتفكيره وجهده بعد ذلك في سبيل أمن شعبه وراحتهم، فقد كان الشخصية الاولى التي تفتخر به مملكته وشعبه في كل زمان ومكان، وهذا ليس إلا من بعض حقه علينا، بل وواجب على كل رب أسرة سعودية أن يروي قصص الملك عبدالعزيز الحربية لأبنائه كما يجب على كل رب أسرة أن يروي لأبنائه قوة الإيمان التي كان يتمتع بها الملك عبدالعزيز لكي يعرف هؤلاء الأبناء أن وطنهم له مؤسس ليس كمثله مؤسس، ورجل ليس ككل الرجال، ومليكا ليس مثله كل الملوك وليتذكر رب الأسرة السعودية ان حكاياته عن الملك عبدالعزيز لأبنائه إنما هو من واجبه الوطني الذي يحتم عليه الافتخار والانبهار بهذا الأنموذج البطولي الرائع والمشرف الذي أنجبته الجزيرة العربية بصفة عامة وأرض نجد بصفة خاصة، فجعلت من رب كل اسرة يعيش هو وأسرته في خير من خيرات هذا الوطن العظيم وأود في مقالتي هذه أن يتذكر كل مواطن سعودي أن هذا الوطن لم يأت بعقد الاجتماعات الباردة، والتي تعقد على ظهور المكاتب الفاخرة، فتقلب فيها الأوراق ذات التهديدات والتصاريح الغامضة، ولكن هذا الوطن لم يأت إلا بقطع الرؤوس ومشقة النفوس وجهادهم عبر سنين طويلة، على ظهور جمالهم يقطعون الصحاري الواسعة، فقد سكبوا دماءهم في رمالها الشاسعة، وجاوروا شمسها اللاهبة، أو باتوا مع قمر الصحراء المضيء، أو سهروا مع نجومه الساهرة معهم فقد كان الملك عبدالعزيز بين جنوده كالشمس بالنسبة للنجوم، إذا غاب الملك بات جنوده يسهرون على حماية جيشه، وكذلك الشمس إذا غابت أصبحت النجوم تسهر في ظل غيابها حتى تعود فكان حرياً بكم أيها المواطنون أن تكون لكم الغيرة على وطنكم، فتكونوا جنوداً له في كل المجالات، وتبذلون الغالي والنفيس لأجله وربما يسأل البعض منكم كيف تساعدون وطنكم؟ أو كيف تقومون بخدمته؟
والجواب تساعدونه مثلا حينما ترون سلطاته الأمنية تتعقب المجرمين فتساعدون بافساحكم عن الطريق لهم لكي يؤدوا واجبهم، أو تساعدون السلطات في اللحاق بهم، اما أن تضايقوا المجرمين بطرق غير مباشرة، أو تعيرون سلطات الأمن سياراتكم إذا كانت الحاجة تلح لها، أو تشغلون أوقات فراغكم بالبحث عن المتخلفين من البلدان الأخرى، والذين خالفوا نظام العمل والإقامة في بلدكم، أو تقومون بالتطوع فتجندون أنفسكم في سبيل راحة الحجاج وتيسير الأمور لهم ولأداء مناسكهم في يسر وسهولة، او تتطوعوا في جمعية الكشافة السعودية فتساعدون السلطات الأمنية في خدمة تنظيم السير لسيارات الحجاج، أو تتطوعوا في المراكز الطبية لتقوموا بالسهر على راحة وصحة الحجاج إلى أن يشفيهم الله، لأنهم ضيوف ربكم أولاً وضيوف وطنكم ثانيا فما لكم إلا الأجر والثواب من ربكم سبحانه وتعالى، ثم الرضا من ولاة أمرنا ثانيا حتى وأنتم في مدينتكم تستطيعون خدمة بلدكم وسلطاتكم فحينما ترون إشارة مرور لاتعمل أو قد تعطلت، توقف سيارتك وترتدي لباس الكشافة وتذهب لتقف عند الاشارة لتنظم حركة السير، حتى يأتي ضابط الشرطة فيسهل الأمور عليك، ومن ثم يقوم بالاتصال على الفرقة المختصة باصلاح اشارات المرور، حتى لو لم يكن معك لباس الكشافة فحاول الاتصال بالشرطة لكي تقوم هي بانجاز العمل عنك، حتى وأنتم جالسون في منازلكم تستطيعون خدمة وطنكم، وذلك من خلال الاقتصاد في استهلاك الكهرباء والماء، فوطننا اليوم وكل يوم يدعونا إلى عدم الاسراف في الماء والكهرباء عاملا بقوله تعالى: (إن الله لا يحب المسرفين) فإذا كان رب العزة والجلال قد دعانا إلى عدم الاسراف وفي نفس الوقت دعانا إلى الاقتصاد في كل شيء، فوطننا وولاة أمرنا قد دعونا إلى ذلك، فيجب علينا الطاعة بل والطاعة العمياء ايضا، لأن هذا وطننا الغالي على قلوبنا جميعاً.
إخواني المواطنين: لا أقول لكم هذا الكلام وأخط فيكم تلك الحروف امتهاناً مني في وطنيتكم وإخلاصكم لوطنكم معاذ الله، فأنا لم ولن يزاولني شك في إخلاصكم لهذا الوطن الغالي ولكني أريد منكم أن تخدموا وطنكم ليس لأجل الكسب المادي وأداء العمل الوظيفي فقط، ولكن لأجل ذلك الرجل النائم هناك في مدينة الرياض وبالتحديد في مقبرة العود، نعم ذاك الرجل الذي ضحى بالغالي والنفيس من اجل ان يكون لكم وطن تعيشون فيه، ومن أجل أن يجعلكم تؤدون صلاتكم من ركوع وسجود لله سبحانه وتعالى في أرض لا يعاديكم فيها لا يهودي ولا يضايقكم فيها نصراني، ولكن لا اقول في مقالتي هذه سوى أن ادعو المولى عز وجل بأن يرحمك يا أبا تركي رحمة واسعة، فقد كنت خير مليك لخير أرض وخير وطن، وخير شعب إن شاء الله تعالى.
رسالة إلى روح الملك عبدالعزيز:
إنني أعلم أن روحك قد فاضت إلى خالقها منذ أمد بعيد، وأعلم أنك موجود بيننا بأعمالك الخالدة لشعبك ثم للبلاد الإسلامية، والتي جعلت كل افراد شعبك وقبل ذلك أبناءك يفخرون بك في طول الأرض وعرضها سواء في حياتك البطولية، أو في جهادك مع رفاقك الستين، عليك وعليهم جلابيب الرحمة والغفران، كما زاد افتخار شعبك بك بعد وفاتك لأنهم فقدوا ذلك الرجل الذي ملأ دنياهم أعمالا خالدة، وآمالا باقية من بادية الزمان إلى قاصيها، نعم يا سيدي الكريم لقد كنت خير أب لخير ابناء سلكوا مسلكك في خدمة دينهم ووطنهم، فكل خصلة من خصالك المميزة قد انفرد بها ابن من أبنائك البررة، فابنك الملك سعود قد سار على منوالك في نشر التعليم وتوطين البادية، وذاك ابنك الملك فيصل قد نهج مسلكك في خدمة بلاد الإسلام وورث شجاعتك في الذود عن ديار المسلمين، وقام ابنك الملك خالد بجمع شتات قادة دول العالم الاسلامي في أطهر بقعة على ظهر الأرض، وهذا ابنك خادم الحرمين الشريفين الملك فهد حفظه الله قد حقق الله فيه تطلعاتك في ابعاد المشقة عن الحجاج، وحقق الله لك فيه امنيتك ففي عهده توج للحرمين الشريفين اكبر توسعة في تاريخ عمارة المقدسات الإسلامية على مدى التاريخ، مما جعل الحجاج يؤدون مناسكهم في يسر وسهولة، بعيدين كل البعد عن المشقة والتعب، وأيضا قام بنشر كتاب الله مما جعله يقرأ في جميع انحاء العالم كل دولة على حسب لغاتها، ناهيك عن ترجمة كتاب الله وتفاسيره وتجويده على مختلف الروايات.
وذاك ابنك الأمير عبدالله الساعد الأيمن لابنك الفهد قد جعل من حرس وطنك قوة رادعة لأي عدوان، وذاك ابنك الآخر سلطان والذي اصبح سلطان زمانه في بحر سيله الكريم، والذي يعتبر خير وزير لأروع دفاع في العالم لكون شغل دفاعه الشاغل هو حماية المقدسات الإسلامية من أي عدو كان أو سيكون، وذاك ابنك الآخر الأمير نايف، والذي يعتبر أمير الأمن في وطنك، والذي لم يَألُ جهداً في سبيل حماية شعبك من المخدرات ومن المجرمين أيضا، وذاك ابنك الآخر الأمير سلمان أمير مدينتك التي انطلقت منها، والذي جعلها بفضل من الله من أروع المدن في العالم، والذي كانت أمنيته أن تكون موجوداً لكي تشاهد الرياض الآن، كيف كانت وكيف أصبحت، فابنك الأمير سلمان قد أخذ منك خصلة العطف على الفقراء والمساكين في هذه البلاد وغيرها فأخذ يفتتح المشروعات الكبيرة والتي يكون دخلها لحساب الجمعيات الخيرية، ناهيك عن نشاطاته في جمع التبرعات إلى فلسطين والبوسنة والهرسك وكوسوفا، فقط لأجل أن يخفف عن هؤلاء المساكين معاناتهم، ولكي يجدوا قوت يومهم، لا أستطيع أيها الملك العظيم إلا أن أقول أنك مجموعة رجال تجمعت في رجل ألا وهو أنت فكل أبنائك الآن وكما قلت لك أصبح كل يحمل ميزة من ميزاتك العظيمة ويحافظ عليها، وأخيراً سأقول وسأظل أقول دائما وأبداً رحمك الله أيها الملك الراحل فقد كنت كما قلت لك في السابق خير صديق لخير رفاق، وخير أب لخير ابناء، وخير مليك لخير شعب آمن بالله تعالى إيمانا صحيحا واعتقادا جازما لا يشوبه التشويه ولا التعطيل ولا التمثيل، نعم فلنرفع أيدينا إلى الله سبحانه وتعالى ندعوه بأن يغفر لهذا البطل المغوار وان يحشره مع الشهداء والصديقين، إنه سميع مجيب,, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* محافظة المجمعة

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved