أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 16th May,2000العدد:10092الطبعةالاولـيالثلاثاء 12 ,صفر 1421

مقـالات

قضايا العولمة في الفكر المعاصر
2 - 4
د, حسن بن فهد الهويمل
وها نحن مع المستجدات لا نحاول الاستكناه المعرفي ولا الفرز الدقيق بين ماهو خالص الضرر وماهو دون ذلك، ولا بين ما يمكن التفاعل معه دون اخلال او فساد وما لا يمكن ذلك الا معهما، وانما ننزع الى العاطفية والتعميم ونزق المواجهة وجور الأحكام، دون استبانة اوتثبت، نركن الى القبول المطلق او الرفض المطلق, ومثل هذا التصرف العاطفي المتسرع يفوّت علينا فرصة ثمينة، اننا بحاجة الى التفكير العلمي والمواجهة العقلية المستنيرة بنور الله، وما نحن عليه يجعل إشكاليتنا من عند انفسنا, والمواجهة لابد ان تبدأ مع الذات فذلك جهاد النفس وهو الجهاد الاكبر, و العولمة بكل ضجتها وصخبها فيما أرى مستجد لفظي، خلفت النظام العالمي الجديد الذي نودي به بعد الاستعمار التقليدي، والنظام العالمي الجديد تلميع وتطوير لآليات الاستعمار البغيض، وتأتي العولمة صياغة ثالثة، قد لا تكون بحجم الرهان عليها، وقد تكون بحجمه او بما هو فوق الرهان، والله غالب على امره، وتقدرون وتضحك الاقدار، ولكن واجبنا ان لا ننتظر المعجزات، ونقع في التواكل، بل لابد من فعل الاسباب ثم التوكل على حد: اعقلها واتكل والتجديد في اساليب التسلط دأب المتسلطين، وهكذا يكون الغرب مع المستضعفين كلما خبت نار مصطلح اشعل في عتمتنا مصطلحاً آخر، ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب، وسوء العولمة مضاعف، فهو ناشىء من عدم استعدادنا للتعامل معها بامكانيات ذاتية واسلوب حضاري، وبما هي عليه من تسلط وفوقية، ولو انها جاءت ونحن على غير ما نحن عليه لكانت لها نتائج ايجابية، اذ هي مشروع غربي يقابل بمشروع مضاد ومتكافىء، ولاننا لا نملك الندية ولا نحمي الساقة ولا المقدمة فرضت علينا رغبات واطماع من جانب واحد ترعى مصالح الغير ولا تراعي فيناً إلا ولا ذمة، ووجدت من المستغربين من يلي امرها ويتطوع في اشاعتها والدفاع عنها.
و العولمة قادمة من الغرب على مطايا التقنية، نافذة كالهواء عبر الفضاء، محفوفة بكل مقومات النفاذ، وواجب الامة الاسلامية وبخاصة نخبها ومفكروها فهمها فهماً معرفياً وصياغة اسلوب حضاري للتعامل معها، والامة العربية الاسلامية مطالبة بمبادرة حضارية لتلقّي اطروحات الآخر, وتفهم الغرب ومحاورته وتبادل المنافع معه من المقتضيات الاسلامية التي لا غبار عليها، والحفاظ على الخصوصية الحضارية والثقافية ونقاء العقيدة واظهار الدين مهمة كل مفكر ومثقف مسلم،وحوار الحضارات افضل من صدامها، والتساؤل افضل من الانغلاق، والذين يرون ان الحرص على الهوية والخصوصية والنقاء الثقافي مؤشر احساس بالضعف وقلة الحيلة يلغون وجودهم، ويجهلون ان الصراع الحسي والمعنوي أزليان، وان سنة التدافع كونية، وان المسكنة والاستسلام هما مؤشرا الضعف وقلة الحيلة، والثقافة اي ثقافة لا يمكن ان توصف بالنقاء المطلق، والله قد شرع لنا من الدين ما وصى به الرسل السابقين والرسول صلى الله عليه وسلم بُعث ليتمم مكارم الاخلاق, ومن ثم فليس هناك حضارة خالصة نزلت بمشروعها دونما اخذ بالصالح القائم، وليس هناك نص بريء من الاستيعاب، والحضارة الاقوى هي التي تمارس التمثيل الغذائي بعد استيعاب القائم والماضي، والحضارات الابقى هي الحضارات الاستيعابية المحافظة على المرتكزات, لقد قامت الحضارة الامريكية وهي جماع الحضارة الغربية على منطلق واحد ذي ثلاثة مرتكزات هي:
الحرية.
العدالة.
الانتاج.
اما واحدية المنطلق ف المادة : بحسيتها ولذتها ودنيويتها, حتى لقد انتجت ثقافة ملائمة لمرتكزاتها ومنطلقها, والمرتكزات الثلاثة حق للشعب الامريكي، وليست حقاً للآخر على الاطلاق، والواقع من اقوى الشواهد، بل اكاد اقطع بأنها حق للمواطن الابيض، وهاكم السود في امريكا وما يلاقونه من تهميش وحقارة، ومثلهم السود في القارة السوداء، ثم انظروا الى مؤتمرات الاغنياء وما خرجوا به من توصيات ابقت على الفقر والتخلف والديون والفوقية والتسلطية.
واذ تقوم الحضارة الغربية على منطلق المادة تقوم الحضارة الاسلامية على منطلقات واسس: عقدية وتعبدية وسلوكية وعملية، فالمنطلق في الحضارة الاسلامية يقوم على: المادة والروح معاً، وتحرص على حفظ التوازن بينهما.
فالمادة تقوم على العمل والانتاج، وهما مطلب اسلامي، والروح تقوم على العدل والحرية والمساواة والعمل لمواجهة الحياة الاخرى، وهذه التصورات انتجت ثقافة ملائمة لهذه الاسس وتلك المنطلقات، ولا يمكن اندماج الثقافتين لوجود تفاوت في المفاهيم والقيم والمرجعيات, وقدرنا اننا الاقل عدداً واضعف جنداً وعدة والاكثر حاجة، وواجبنا ان نتقن لغة الخطاب التواصلي، بحيث يكون مرحلياً وقائياً لا تنازعيا استعدائياً، وان نكف عن تحريض الآخر علينا باستفزازه وحمله على الامعان في توهيننا وقمع صلفنا واهتياجنا الاعزل، لقد خفف الله عنا وعلم ان فينا ضعفاً، ومن ثم اتاح اكثر من مستوى في مواجهة الضد، ولم يلزمنا بخيار واحد، وفضل الله واسع الا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان .
الا ان تتقوهم تقاة , وان جنحوا للسلم فاجنح لها , وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم اليه وقال محذراً: وان كثيراً ليضلون بأهوائهم بغير علم , وما اكثرهم في مشاهدنا، كمن يؤنسنون الإله، ويدنسون المقدس، ويعلمنون الحياة، ويهمشون الدين، ويعددون طرق الخلاص ويوثنون العقل ويؤلهون العلم، ويؤكدون على الانقطاع المعرفي، ويفهمون الحرية على غير ماهي عليه، ويمارسون الاجتهاد فيما لا يحتاج الى اجتهاد، ويقولون في كتاب الله بغير علم، ويحملون الاسلام مقترفات المسلمين، ويتخذون خطة التنويريين الغربيين شرعة ومنهاجاً، ويجتهدون في اشاعة الفاحشة باسم الاعتراف، ويوقظون الفتنة النائمة، ويقولون في الدين والغيب مالم يأذن به الله، ويسعون للشهرة بالمخالفة والايغال في المسكوت عنه, وفي ظل هذا السياق المهادن لا اجهل آية السيف ودورها النسخي، كما لا اجهل رؤية النسخ المرحلي واللانسخ، ولكنني اركن الى فسح الاضطرار والضعف والاختلاف حول شمولية النسخ ومحدوديته، وليس المقام مقام تفضيل او ترجيح.
ان الخطاب الاغرائي التعالقي يفصل الامة عن تراثها، والخطاب العدائي الصدامي التحريضي يحفز الآخر لكي يضع صيغة للقمع والتهميش والتجهيل والتجويع والتفريق، وبدل ان نطلب المبارزة والمنازلة دعونا نرتد الى الداخل، وننظر في امرنا ونقوم ذواتنا، ونعرف الى اي حد استجبنا لمقاصد الاسلام في انفسنا وفي مسؤولياتنا وفي كل ممارساتنا على مختلف الاصعدة، ان من نواقصنا اننا نحارب عدونا بسلاح يصنعه ويملكه، واذا أمدنا بشيء منه احتفظ بأسراره ومفاتيحه وقطع غياره، واشترط مجال استعماله، وسبق امكانياته بجديد اكتشافاته، كما اننا ننازعه الصدارة والقيادة ونحن لم نتقن قيادة انفسنا، ونناصبه العداوة والبغضاء ونحن عالة على منجزاته, وكم هو الفرق بين الموالاة والركون والمسالمة والموادة.
انني لا ادعو الى موالاته ولا الى الركون اليه ولا الى موادته، وانما اريد المصالحة والمسالمة وتبادل المصالح وبدء رحلة العمل الجاد الناصح على هدي من الكتاب وصحيح السنة، حتى يأذن الله بنصره، وما نفعله من وفاق مرحلي حذر لون من التحرف المشروع والتحيز الفئوي المطلوب, والحلول المرحلية الاضطرارية تحقيق للقدر المباح من الانسانية والعالمية التي دعا اليها الاسلام، وحين نعطيه الوجه السمح المتسامح نتمكن من النفاذ الى اعماقه وتبليغ الرسالة السماوية وذلك بانشاء المنظمات والجماعات وعمارة المراكز والمساجد وبث الدعاة في عقر داره، والتجارب قائمة والعوائد مشجعة، وهو لم يقايض لعلمانيته، والاستعمار التقليدي حين فشل في التدخلات العسكرية بادر الى تغيير اساليبه، وما النظام العالمي الجديد ومن بعده العولمة الا تحرف ذكي لتكريس الوجود والهيمنة, ان مهمة المسلم تقوم على: عمارة الكون، وعبادة الخالق، وهداية البشرية, فإلى اي حد بلغنا في هذه المهمات الثلاث، ان مسؤوليتنا ان نبلغ الاسلام قولاً وعملاً، ان نكون قدوة صالحة تغري المتابعين بما نحن عليه, لقد فقدنا تقديم القدوة الصالحة وفقدنا الدليل العملي المقنع والمستميل، ومن ثم لم يبق في ايدينا الا الدليل القولي، وكل الحضارات تمتلك مثاليات قولية، ان واجبنا ان نترجم الاقوال الى افعال، وعلينا ان نشاطر العالم بل نقدمه في عمارة الكون فنحن المستخلفون والمستعمرون في الارض، فهل عمرناها بالعلم والصناعة والزراعة والمختبرات والمعامل والارصاد وغزو الآفاق والانفس؟ اننا لم نفعل، واذ لم نفعل فما اعددنا القوة التي أمرنا بها، وما استطعنا ان نرهب عدو الله وعدونا، والمؤكد ان وضع العالم الاسلامي حرج الى حد اليأس والقنوط، وفي ظل هذه الظروف علينا ان نعيش حالة من اليقظة والوعي والحلول المرحلية والاتقاء المشروع الا ان تتقوهم تقاة ويحذركم الله نفسه , لقد جنحنا للخطاب الهجائي وامعنا في الاسقاط والتنصل، وواجبنا ان نفكر بخطاب جدلي كريم: ندفع بالتي هي احسن، فالمسلم الحق من يألف ويؤلف ، لاي كون طعاناً ولا لعاناً، وحين نص الرسول صلى الله عليه وسلم على لعن بعض القبائل قال الله له:ليس لك من الامر شيء , وقد أمرنا بألا نسب معبود الآخر لكيلا يسب الله عدواً بغير علم، ومعبوده قد يكون حسياً او معنوياً، والاجدى لنا ان نتخذ سبيل السلم والسلام، وان نعد القوة العلمية والصناعية والعسكرية لنحمي خطابنا الدعوي اولاً، ثم الجدلي ثانياً، حتى ننازل خصمنا بندية وتكافؤ، واعداد القوة فريضة غائبة او مفروض غيابها بالمكر والخديعة حيناً وبالقوة حيناً آخر، ومن الخير للامة العربية والاسلامية وهي تواجه هيمنة علمية ان توحد همها وانتماءها وفكرها، وان تقرأ تاريخها الحديث وما فيه من صراعات اذهبت الريح، لقد نشطت المعركة بين القومية و القطرية و القومية و الاسلامية و الرجعية و التقدمية و العلمنة و الاسلمة و الاشتراكية و الرأسمالية و التنويرية و السلفية وفهمت الحرية على غير مراد الله، وطرح مبدأ الاجتهاد الفردي خلواً من الامكانيات وفي غير مجال الحاجة, وتداول الاعلاميون مصطلح الاصولية سمة للمتشددين، على انه يعني في الحضارة الاسلامية الاشتغال بعلم الاصول وخلط بين الارهاب و الدفاع المشروع وقعرت رؤية الظاهرة ولم يستدع السبب، اذ الارهاب عرض لممارسات ظالمة وتصرف غير مشروع وتحكم سلب ابسط الحقوق، وما احد منا استفاد من تلك المعارك والاخفاقات، وما احد منا استوعب الفكر الذي يدعو اليه والمبدأ الذي يعادي ويوالي من اجله، ولم تحرر تلك المسائل بعد، ونتائج تلك المعارك صبت في خزائن الاعداء، ونحن من قبل ومن بعد امة عربية اسلامية، وللعروبة والاسلام مقتضياتهما، والمنطق والعقل يضعان كل الحساب للفروق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والخطورة تكمن فيما يفكر فيه الغرب من تصميم صيغ للقيم الاجتماعية توجه العالم الى الدخول في منظومة اجتماعية غربية تكون المرأة فيها اولى ضحاياها، ويكون الكفاح من اجل الحرية ارهاباً والتمسك بالثوابت اصولية، وتحكيم شرع الله وتطبيق الحدود سطوا على حقوق الانسان، واذا غربت المرأة تغربت الحياة كلها، واذا عطلت الحدود الشرعية عمت الفوضى واختل الامن، وهنا تكون الطامة الكبرى, و العولمة القادمة بمستوياتها المتعددة وتصوراتها المتباينة ورغباتها الجامحة لم تعد مصالحة ولا معاذرة، انها تكييف قسري للاتجاهات والنوازع، واقامة نمط تفكيري وسلوكي متجانس، وهي مرحلة من مراحل الصراع الحضاري الازلي، ولتكن مرحلة تاريخية او مذهباً متعدد المطالب، فالمهم في النتائج والمآلات، والغرب الذي فشل في الممارسة العسكرية لحسم المواقف وتجفيف ينابيع الرفض كما فشل في الاستعمار المقيم، اعاد ترتيب اوراقه، بحيث استبدل المؤسسات العسكرية بمؤسسات اجتماعية وثقافية وتربوية واقتصادية واعلامية، وهو بهذا المشروع السلمي يحول معركته القادمة الى معركة قيم واخلاق وسلوك اجتماعي ورؤية موحدة للكون والحياة والانسان، وهنا مكمن الخطورة، لقد تجلت النتائج بهذا الصراع الفكري الذي نراه في سائر المشاهد الفكرية والادبية والثقافية، وما على المتردد الا ان ينظر الى ما يدور على الصحف والمجلات والكتب من اتهامات متبادلة وتكفير ومحاكمات، وما تقوم به الجماهير من مظاهرات واحتجاجات, والمواجهة اليوم انتقلت من ساحات المعارك العسكرية الى البيوت والاسواق والادمغة والمؤسسات التعليمية والثقافية والاعلامية, وفي اطار هذه المواجهة العصيبة لابد من التقدير والتوقيت لتفادي الفروق، ومحاولة القفز فوق تلك الفروق عمل غير حضاري، وحاجتنا الملحة تقوم على مواجهة الذات بكل اخطائها قبل صياغة اي مشروع شمولي، ومن مصلحتنا الراهنة اقليمياً وعربياً واسلامياً ان نصالح وان نسالم وان نهادن وان نتبادل الممكن من قبلنا والمتاح من قبل الغرب، وهذه الظروف المؤلمة لا تمنع ابداً من تداول الحديث عن الخطر الغربي والغزو الغربي والتآمر الغربي لا على المستوى الاقليمي ولا على المستوى العربي ولا على المستوى الاسلامي بل على المستوى العالمي، وكم نسمع تساؤلات وتحفظات على مشاريع الغرب من الشرق بل من شركائه الغربيين بل ومن ذاته، ومظاهرات الشباب في سياتل بأمريكا ثم في واشنطن بقيادة جوليا بيكر ضد الشركات العملاقة وصناديق الاقراض وضد العولمة المخلة بمصداقية الحرية وحقوق الانسان دليل شك وارتياب وخوف حتى لقد بلغ الرافضون لها 35%، كما نجد خارج امريكا من شركائها من يرفض الهيمنة او يتحفظ عليها فتلك فرنسا تبدي تحفظاً على البرامج الثقافية وامتعاضاً من طوفان المسلسلات الامريكية، و كندا يؤكد خبراء التربية فيها ان الاطفال لا يدركون انهم كنديون، وقد خوف وزير خارجية كندا الاسبق من احتكار صناعة الثقافة، وطالب بتثبيت الافكار مثل المطالبة بتثبيت الاسعار، و كولمبيا متخوفة من السوق الكبيرة ، و الارجنتين أوقفت عن انتاج صاروخ كوندور و باكستان انذرت بالعدول عن تسلحها النووي، كما لم يتضمن الاتفاق مع الصين بيع التقنية، واحتجت كل من اندونيسيا و ماليزيا و الفلبين و سنغافورة و تايلند على الحق الذي يستأثر به الغربيون، وفي المحيط العربي صواعق وبواقع، يعرفها كثير من الناس، لعل آخرها ما قيل عن دعم المشاريع النووية الاسرائيلية، اشياء كثيرة يتداولها الرأي العام والاعلام العالمي ومنابر الجمعيات والجماعات والمنظمات، والغرب الذي يبشر بالعدل والمساواة والحرية والديمقراطية، يحمي انظمة ظالمة، ويبيد شعوباً آمنة، ويفسد اخلاقيات عالية، ودفاع الغرب عن الحق والحقوق انتقائي كما يقول جارودي في كتابه حفار القبور ص 15، وهو غربي يرى تعدد طرق الخلاص، وكما يطرحه نعوم تشومسكي في سبيل نقد السياسة الامريكية منذ حرب فيتنام، وهو يهودي متعاطف مع الصهيونية، ومع كل هذا فإن الخيار المنفرد والاستقلال الذاتي في اتخاذ القرار المصيري في ظل الهيمنة من الاحلام السعيدة، العالم اليوم تحكمه شبكة اخطبوطية: شبكة سياسية تعد الانفاس، وشبكة اقتصادية لشركات عملاقة متعددة الجنسيات ترصد ادق المتغيرات، وشبكة إعلامية تحرف الكلم عن مواضعه، وشبكة جاسوسية تقرأ الشفاه وتندس في المخادع, والذكي من يظل لاعباً مستمراً، فالمسرح السياسي ليست له كواليس، وفي هذا السياق فإن خيار التأقلم او العوربة او العولمة او الامركة او الاسلمة من الخيارات المصيرية الصعبة، والاخفاق في احد الخيارات يعني النهاية المعنوية لا الوجودية، فالوجود الذليل قائم: والشاعر العربي يقول:


ذل من يغبط الذليل بعيش
رب عيش اخف منه الحمام

ان هناك اقداراً لا مناص من استقبالها وتحمل ما يترتب عليها من صعوبات، ولطف الله بعباده ان العولمة ليست الخيار الوحيد، وليست واحدية المستوى، وليست كما يتصورها المهولون قطاراً سريعاً اذا فات لا يمكن اللحاق به, نعم نحن لا ننكر الاضرار المترتبة على الارتباك والتردد ثم اللحاق المتأخر، وبخاصة فيما يتعلق ب الجات ، و العولمة ليست كما يصورها الجاهلون شرا محضا لابد منه، انها اشياء ومستويات من حيث الفائدة والخسارة، ومن حيث الشمول والمحدودية، ومن حيث الواحدية والتعددية، والتعامل معها او رفضها لا يقل احدهما خطورة عن الآخر، ومن الاجدى والاهدى لنا ان نقرأها، وان نتصورها من خلال مستوياتها، ثم نبدأ في صياغة اسلوب المواجهة او التعامل، وقد عالج هذه الفسح الدكتور منير الحمش في كتابه العولمة ليست الخيار الوحيد حيث اكد نفي الحتمية وواحدية الخيار، وتلك رغبة قد لا تكون ممكنة، وعلى خلاف تفاؤله يأتي حازم صاغية في كتابه وداع العروبة مؤكداً طمس الهوية في اطار العولمة ، وبقدر اليأس والقنوط عند صاغية، تأتي الثقة والتباهي عند فرانسيس فوكوياما اخصائي العلوم السياسية الذي قطع بنهاية التاريخ واليأس من ظهور انسان آخر في كتابه نهاية التاريخ والانسان الاخير على انه تجاوز تلك المرحلة بما سماه التاريخ ما بعد البشري , ويأتي كتاب فخ العولمة مجمجماً عما في النفوس بأمنيات عراض، وهكذا نعيش الامل والقنوط والتفاؤل والتشاؤم في الآراء والتصورات والرهانات، ويتعاقب المؤلفون عنها بين جزر ومد وقبول ورفض وانتقاء وشمول، نجد ذلك عند بدري يونس في كتابه مزالق العولمة وعند سيد ياسين في كتابه العولمة والطريق الثالث وعند عبدالله عثمان التوم وعبدالرؤوف آدم في كتابهما العولمة دراسة تحليلية نقدية وعند مجدي محمد سعد في كتابه ظاهرة العولمة الابعاد الحقائق وعند أحمد سيد مصطفى في كتابه تحديات العولمة وعند مجموعة من الباحثين المؤتمرين في مجموعة ملفات منها: الاسلام والعولمة والعولمة والتحولات المجتمعية وعند من كتبوا عن الجات من مثل علاء كمال، ومصطفى عبدالغني، وعند عشرات آخرين كتبوا في الملفات وآلاف كتبوا في الصحف والمجلات، ومئات صالوا وجالوا في المؤتمرات والندوات, ان هناك مستويات قد لا يتصورها البعض ، وهناك احتمالات وقطعيات يراهن عليها المتفائلون والمتشائمون والراضون والساخطون، وهي من التداخل في الآراء والتوجهات، بحيث لا يقف المتابع على رأي جامع مانع، والفريضة الغائبة براعة التنبؤ وحسابات المستقبل على هدي من العلم ولغة الارقام وقطعيات الوقائع, لقد فقدنا حاسة التنبؤ، وفقدنا امكانية الرصد الدقيق للتحولات، وفقدنا الذاكرة، وعشنا رهينة تاريخية، لا نفكر في لحظتنا الابدية، وهذا الانفصال المتعمد من واقعنا والاغفاءة الحالمة في احضان التاريخ المجيد فوت علينا فرصاً نادرة لن تعود، نفاجأ بكل شيء ونستسلم لكل شيء ننسى امسنا ولا نفكر بغدنا ولا نستفيد من يومنا، والتصدي والتحدي والصمود ان هي الا الرفس داخل الشرنقة، ولكنها رفات الذبيح تترك له فضاءات مناسبة حتى يهمد، ان لهاث التساؤلات يظل قائماً دون اجابة حاسمة، وهي تساؤلات مصيرية، لانها تقرر أسلوب المواجهة، فهل العولمة مجرد سياق زمني ومرحلة تاريخية كما يقول البعض؟ ام هي نتاج حتمي لاستراتيجيات اقتصادية؟ ام هي طوفان من قيم الاقوياء؟ ام هي منتج تقني نسل من شبكة المعلومات والاتصالات والكونية الاعلامية؟ وتحت وابل التساؤلات تظل العولمة كالحقيقة الغيبية كلما اقتربنا منها زادت بعداً.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved