أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 16th May,2000العدد:10092الطبعةالاولـيالثلاثاء 12 ,صفر 1421

مقـالات

شدو
هي الدنيا!
د, فارس الغزي
هل أنت على (وفاق نفسي!) مع ذكريات أيامك الخوالي؟ اذا كان الامر كذلك، هل تتذكر ماذا كانت تعني لك الحارة وكيف كانت تمثل آخر حدود ومعالم وجودك الحقيقي منه والخيالي؟,, ماذا عن ملعب كرة القدم الترابي الذي طالما استنشقت غباره، بل وتذوقته رحيقا مختوما؟,, هل ما زلت تتذكر كل أفراد (الشلة!) ممن كنت تطلق عليهم من كل قلبك اصدقاء: أولئك الذين شاركوك السراء والضراء تربية، وظروفا، وسوء تغذية، ودراسة، (وقرادة!),, و,, و,, و؟,, لكأني بك الآن تتخيل ذكريات تلك الايام التي تقادمت بل لكأني بك تخوض معمعة مقارنتها بحاضرك (السعيد أو الكئيب اختر واحدة فقط!),, مرة أخرى لكأني بك تتوجد (توجُّد) من قال:


رب يوم بكيت منه فلما
صرت في غيره بكيت عليه!

حسنا، أعتقد انك وحتى الان، علىوفاق معي، ولذا دعني أمطرك بالمزيد من وابل خيال كان يوما حقيقة متجسدة في كيانك,, رحلت بك الليالي، وركبت متن التطور بل انك انتقلت من أطوار الى اطوار,, واصلت تعليمك,, حصلت على وظيفة محترمة,, اقتنيت سيارة فارهة,, امتلكت منزلا,, تزوجت ,, سافرت ذات اليمين وذات اليسار,, و,, و,, و,, ولكن رويدك: فمع كل هذا، تحن الى ماضيك، تحس بتمزق، بتشتت، بسأم، بازدواجية، بل انك تحس بأن الحياة تسرقك وتسرقك جهارا نهاراً/ عيانا بيانا,, وحيلتك؟!,, مواصلة ركوب ركب الحياة ولسان حالك يتغنى (مقهورا!) ب :


وما كذب الذي قد قال قبلي
إذا ما مر يوم مر بعضي!

الآن، هلا تكرمت وأعدت قراءة (السطور السبعة الأولى من تلك المقالة!),, ماذا وجدت؟!,, ألم تجد أن مفهوم الصداقة قد تغير في قاموسك الحياتي؟,, ألم تجد ان الصداقة لم تعد (لذيذة) كما كانت في السابق، في الحارة، حول المسجد، (بالخلوة!) بالقايلة,,؟ بل ألم تجد ان في حياتك اناساً تقابلهم معظم ايام الاسبوع في العمل مثلا ومع ذلك فصداقتهم لا تتعدى اروقة مبنى عملك او المناسبات ذات الصلة بعملك؟,, بل ان لديك، في الحقيقة، اناساً تطلق عليهم (مجازا) لقب اصدقاء بينما هم في الحقيقة (جيران) بالكاد يرى بعضكم بعضا!,, بالاضافة، الى ان لك اصدقاء ليسوا من هؤلاء ولا هؤلاء، ألا وهم أولئك الذين تلتقي بهم غالبا (وتطق معهم بلوت!) في الاستراحة، أو في المقهى,,؟ هنا هل باستطاعتك اختيار من هم أخلص أصدقائك من بين كل هؤلاء,,؟!
بل ما الذي يجعلني أسألك سؤالا شخصيا كهذا؟
في الحقيقة؟ ما جعلني أطرح عليك السؤال السابق هو (ما يقولون) علميا من أن تطور المجتمع كفيل بتشتت أفكار افراده ذهنيا، قلقهم، عدم تركيزهم، استدماجهم أدوارا متعددة ومتناقضة في آن واحد، الأمر الذي من خلاله يكون هناك انفصال وانشطار في آليات تفكير الفرد وسلوكياته، فيكون له اصدقاء ليس بينهم اي رابطة: حيث ان مهنته لها أصدقاء وهوايته لهااصدقاء، واموره (السرية) لها أصدقاء، وشؤون القرابة لها أصدقاء,, وهذا سر ما تسمعه أحيانا من تساؤلات تقريرية باعثها العجب من قبيل: غريبة أنت صديق فلان؟,, ما عمري توقعت أنك تعرف فلان؟,, وش بينك وبين فلان؟,, فلان من ربعك؟؟,, وهلم جرا، هنا وبسبب قناعتك الذاتية على عدم القدرة على مواجهة الحياة مباشرة، لجأت الى التعايش معها عن طريق التورية، والمرونة، والازدواجية، والتلون, بمعنى آخر: إنك وبسبب إدراكك ان الحياة اكبر من أن تجابهها مباشرة، لجأت الى التخفيف من شدة وقعها عليك عن طريق الاحتيال واللف والدوران عليها، لا لشيء سوى ان الحياة، في الحقيقة، قد تعقدت، واختلط حابلها بنابلها، وغدت في ناظريك (دوامة) ينطبق عليها قول من قال:


فيوم علينا ويوم لنا
ويوم نُساء ويوم نُسر

,,, انها حالة تعرف ب (العملية الانقسامية) Compartmentalization وتنجم من تطور وتقدم وتعقد الحياة,, إنها، في الحقيقة، الحياة!
للتواصل: 4206 رمز 11491 الرياض.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved