أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 20th May,2000العدد:10096الطبعةالاولـيالسبت 16 ,صفر 1421

مقـالات

كيف نستعيذ من شر ما لم نعمل؟!
أبوعبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال الإمام مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، وإسحاق بن راهويه واللفظ ليحيى قالا: أخبرنا جرير: عن منصور: عن هلال : عن فروة بن نوفل الأشجعي قال: سألت عائشة (رضي الله عنها) عما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به الله؟,, قالت: كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل (1) ورواه أبوداوود فقال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: حدثنا جرير: عن منصور,,, الحديث إسناداً ومتناً, (2)
وقال ابن ماجة: حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة: حدثنا عبدالله بن إدريس: عن حصين: عن هلال: عن فروة,,, الحديث, (3)
وقال النسائي: أخبرني محمد بن قدامة: عن جرير,, الحديث بمثل رواية مسلم إلا أنه قال: عما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو,, قالت,, ومن يعني شر ما لم أعمل, (4)
وقال: أخبرنا هناد بن السري: عن أبي الأحوص: عن حصين: عن هلال,,, الحديث بمثل رواية ابن ماجة, (5)
وقال : اخبرنا محمد بن عبدالأعلى قال: حدثنا المعتمر: عن أبيه: عن حصين: عن هلال بن يساف: عن فروة بن نوفل قال: سألت عائشة (رضي الله عنها)، فقلت: حدثيني بشياءٍ, (6)
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به؟,, قالت,, الحديث, (7)
وقال: أخبرنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبوداوود قال: حدثنا شعبة: عن حصين: سمعت هلال,, الحديث, (8)
وقال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم: أنبأنا جرير: عن منصور: عن هلال بن يساف: عن فروة بن نوفل قال: قلت لعائشة (رضي الله عنها): حدثيني بشياءٍ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به؟,, فقالت: نعم كان يقول,, الحديث, وفي بعض النسخ: علمت,, وأعلم, (9)
وقال: أخبرنا يونس بن عبدالأعلى: عن ابن وهب قال: أخبرني موسى بن أبي شيبة: عن الأوزاعي: عن عبدة بن أبي لبابة: أن ابن يساف حدثه: أنه سأل عائشة (رضي الله عنها) زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ما كان أكثر ما يدعو به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته؟,, قالت: كان أكثر ما كان يدعو به: اللهم,, الحديث,, إلا أنه قال: ومن سوء ما لم أعمل, (10)
وصحح الألباني رحمه الله كل هذه الروايات السابقة واللاحقة في كتبه: صحيح أبي داوود، وصحيح ابن ماجة، وصحيح النسائي، وظلال الجنة,, ولم يبين الاختلاف في روايات النسائي، ويرجح بينها.
وقال النسائي: أخبرني عمران بن بكار قال: حدثنا أبوالمغيرة قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثنا عبدة قال: حدثني ابن يساف قال: سئلت عائشة (رضي الله عنها): ما كان أكثر ما يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم؟,, فقالت: كان أكثر دعائه أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل بعد, (11)
قال أبوعبدالرحمن: هذا خبر آحاد مداره على هلال بن يساف، ثم على شيخه فروة بن نوفل,, ثم رواه عن هلال كل من منصور بن المعتمر، وحصين بن عبدالرحمن السلمي، وعبدة بن أبي لبابة, والاختلاف المأثِّر (12) الآتي:
1 ما ورد في إحدى النسخ من السنن الكبرى للنسائي، وهو: علمتُ، وأعلم,, وسند النسائي في هذا: عن إسحاق بن راهويه: عن جرير بن عبدالحميد: عن منصور.
2 زيادة (قبل موته) و(من سوء)، (وأن ذلك أكثر دعائه),, وفيها أن السائل هلال,, وكل هذا عند النسائي: عن عبدالله بن وهب بن مسلم الفقيه: عن موسى بن أبي شيبة ولم يرد عنه غير ابن وهب عن الأوزاعي: عن ابن أبي لبابة.
3 أن هذا الدعاء أكثر دعائه، وزيادة كلمة بعد في قوله: ما لم أعمل بعد ,, وهما عند النسائي: عن عمران بن بكار: عن أبي المغيرة هو عبدالقدوس بن الحجاج : عن الأوزاعي.
قال أبوعبدالرحمن: أما رواية: علمت، وأعلم: فهي مخالفة لبقية نسخ النسائي,, كما أنها تقضي بمخالفة ابن راهويه لما رواه كل من يحيى بن يحيى، وعثمان بن أبي شيبة ومحمد بن قدامة: عن جرير بلفظ: عملت، وأعمل,, وإن صح أن هذه هي رواية الحافظ ابن راهويه: فمن دقة نظر مسلم أنه اختار المتن من رواية يحيى.
وأما زيادة قبل موته ، وعبارة من سوءِ فهي مما تفرد به موسى بن أبي شيبة: عن الأوزاعي.
وأما زيادة بعد فقد تفرد بها أبوالمغيرة: عن الأوزاعي,, وروايتا الأوزاعي هاتان: عن أبي لبابة: عن ابن يساف: بخلاف رواية منصور، وحصين.
وأما زيادة أن ذلك أكثر دعائه: فمدارها على الأوزاعي، ثم على شيخه ابن أبي لبابة.
قال أبوعبدالرحمن: هذا ما يتعلق بتحقيق الحديث رواية، وأما تحقيقه فقهاً فذلك ما يتعلق باستشكال التعوذ مما لم نعمل؟,, وأحب أولاً أن ألخص كلام العلماء في ذلك على هذا النحو:
1 المعنى أعوذ بك من شر ما عملته من غير قصد (13) ، فكأنه في حكم ما لم نعمل.
2 المعنى تعليم الأمة الدعاء (14) ؟!.
3 المعنى حمل الحديث على معنى التعوذ من شر المني,, وهذا من إيماء الحافظ أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي رحمه الله تعالى، لأنه أورد الحديث الذي فيه (وشر منيتي)، ثم نقل عن راوي الحديث سعد بن أوس العبسي أنه قال: والمني ماؤه يعني ماء الرجل الذي يكون منه الولد بإذن الله ,,, ثم عقب البغوي بقوله: وقد صح عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل ,, ثم ساق أحاديث توافق بقية معاني حديث سعد بن أوس (15)
4 المعنى ما سيعمله في المستقبل (16) .
5 المعنى الاستعاذة من أن يصير معجباً بنفسه في ترك القبائح (17) ؟!.
6 المعنى الاستعاذة من شر عمل غيره مما تعم عقوبته في الدنيا غير العامل كما في قوله تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)24, (18)
7 المعنى الاستعاذة من كونه محباً للحمد بما لم يعمل.
قال أبوعبدالرحمن: الأقوال الأربعة الأخيرة أوردها الطيبي في شرحه لمشكاة المصابيح، وعلق عليها الملا علي القاري بقوله: وكل منها في غاية من البهاء (19) .
ومن العلماء من لم يفسر هذا الجزء من الحديث كأبي الفتح ابن الإمام (20) ، والحافظ بن حجر,, قال الطيبي عن سكوت الأخير: وأغرب ابن حجر حيث لم يفسر قوله: ومن شر ما لم أعمل ,, وكأنه حمل على أن لا أدري نصف العلم.
قال أبوعبدالرحمن: المعنى الصحيح الظاهر المتعيِّن خارج هذه الأقوال، والاهتداأُ إليه سهل بدهي بحمد الله، وهو أن نحمل معنى النص على معهود الشرع,, وبيان ذلك: أن المكلف يؤجر على فعل المطلوب شرعاً، ويؤجر على ترك المنهي عنه,, كما أنه يأثم بفعل المنهي عنه، ويأثم على ترك المطلوب,, والمسلم لا يتعوذ مما يؤجر عليه، بل يسأل الله الاستقامة عليه، والازدياد منه,, وإنما يستعيذ الله من شر ما يأثم عليه، فصح أن الرسول صلى الله عليه وسلم تعوذ من شر عمل يأثم فاعله، وتعوذ من شر ترك (ما لم يعمل) يأثم تاركه.
أما القول الأول فباطل، لأنه دعوى على الحديث بلا برهان,, ووجه الدعوى أنه وصف ما عمل من غير قصد بأنه مما لم يعمل,, وهذا غير صحيح، بل هو مما عمل، وكونه عن غير قصد صفة للعمل، وليس سلباً له في الواقع,, ودعاء الله برفع الحرج عن ذلك ثابت بنصوص أخرى، وليس مدلولاً لهذا الحديث.
والقول الثاني أشد بطلاناً لأنه دعوى حول غاية الدعاء وحكمته,, وليس هذا محل النزاع، إنما المراد بيان معنى الدعاء، وأما توجيه حكمته ففرع عن ذلك.
والقول الثالث لو صح في ذاته لما كان معنى لهذا الحديث، لأنه إلقاء المني من عمل ابن آدم وأسبابه، فلا يوصف بأنه مما لم يعمل,, وهو بعيد مزاحم لظاهر الحديث، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل (عملت) قسيماً لما (لم يعمل)، ولا يتحقق ذلك إلا في عمل يتعلق به الإثم، وترك يتعلق به الإثم.
وأما كون الرسول صلى الله عليه وسلم معصوماً لم يأت ما يأثم عليه فأمر صحيح، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم تجرد للعبودية بالتحرج من عمل عُوتب عليه وهو مرفوع عنه إثمه كالعتاب في أسرى بدر، والعتاب في سورة عبس,, وتخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أي تقصير في العبادة لا يليق بكونه المصطفى فهذا غاية العبودية لله والبراأة من الاتكال على العمل,, والأمة داخلة في الخطاب، وهذا الدعاأُ بها اولى.
وأما القول الرابع فموافق لرواية بعد إلا أن اتفاق الحفاظ دل على أنها غير محفوظة، وفي معناها بعض نكارة، لأن مآلها: ومن شر ما سأعمل مما لم أعمل بعد، فكان ذلك وعداً بعمل ما يأثم عليه!!,, والدعاء في مثل هذا طلب العصمة من الفعل أساساً، وليس طلب رفع حوبه فقط.
والقول الخامس باطل، لأن الإعجاب من عمل القلوب، فلا يصدق عليه ما لم أعمل ,, والإعجاب يرد أيضا على فعل الطاعات, والقول السادس صحيح بنصوص أخرى في التعاوذ من الفتن، ولا يتناوله عموم الحديث، لأن الحديث كما أسلفت عما ينبغي للمسلم من الترك، وهو القسيم لما ينبغي له من الفعل.
والقول السابع باطل، لأن الحب من عمل القلوب، فلا يصدق عليه ما لم أعمل .
الحواشي
1) صحيح مسلم بشرح النووي 8/41
2) سنن أبي داوود 2/92.
3) سنن ابن ماجة 2/1262م.
4) السنن الكبرى 4/466.
5) المصدر السابق.
6) بنا على المعتاد رجحتُ كتابة رأس الألف على نبرة ثانية غير الياء الأصلية هكذا شيئ ,, وما رسمته الآن هو الأصح الأرجح.
7) السنن الكبرى 4/466.
8) المصدر السابق.
9) السنن الكبرى 1/388 389.
ولهذا قال أبوالفتح محمد بن محمد بن علي بن هُمام ابن الإمام (677755ه) في كتابه سلاح المؤمن الدعاء ص 513: وفي رواية للنسائي: من شر ما علمت، ومن شر ما لم أعلم,, ولم يذكر الألباني هذه الرواية، مما يُأيِّد (21) أنها انفراد نسخة من النسخ، فترد إلى النسخ الاخرى بناء على المحفوظ.
10) السنن الكبرى 4/465
11) المصدر السابق 4/465-466.
12) الأصح الأرجح مراعاة حركة الألف لا حركة ما قبلها.
13) شرح النووي لصحيح مسلم 18/41-42.
14) هذا هو الأصح الأرجح وإن توالت الألفان.
15) شرح السنة 3/387.
16) استبعده الطيبي، لبعده عن ظاهر اللفظ,, وعارضه القاري ببيان نكتة مخالفة الظاهر.
17) كتب الشراح مليأة بمثل هذا الأقوال التي لا يدل عليها لغة النص.
18) رجح الطيبي، وقال: إنه أقرب.
19) المرقاة 5/319.
20) انظر سلاح المؤمن الدعاء ص 513.
21) انظر التعليقة رقم (12).

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved