أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 21st May,2000العدد:10097الطبعةالاولـيالأحد 17 ,صفر 1421

الثقافية

ومازالت الشكاوى عبقاً
د, سلطان سعد القحطاني
كانت صدمة المثقف العربي بصفة عامة والسعودي بصفة خاصة اكبر من التعبير، لذلك جاءت الكلمات قليلة نابضة بالحزن والاسى وكأن الاقلام تقطر دما والكاتب يدفعها دفعا وهي تحرن ولا تود المسيرة والسبب انها تضامنت مع قلم عبدالعزيز مشري الذي توقف يوم السبت وكان متوقفا قبل ذلك بأيام بعد ان ترجل فارسه عن صهوته وترك عنانه لغيره ذلك القلم الاسود السيال الذي لم يعرف لليأس طريقا وليس للاستسلام مكان في قاموس صاحبه منذ ان ترك قطع الفحم التي كان يرسم بها على حيطان قرية (محضرة) التي عرفت كما عرفت كبريات المدن السعودية, وما كانت لتعرف لولا عبدالعزيز مشري، ابن الارض البار، وكثير هم الذين انستهم المدن رائحة القرية الطينية الجميلة وما نسيها عبدالعزيز مشري، كما قال الزميل، محمد علوان, وعبدالعزيز مشري ذلك الفنان الذي لم يهجر الريشة الا الى القلم، قال لي انه لم يعد يميز الالوان عندما ضعف بصره ولكن احتفظ بنشاطه الذهني في الوقت الذي فقد فيه كل شيء، اتقد ذهنه بنضوج التجربة الفنية وكأن المرض متعدد الموارد مصدر إلهامه، كلما نهش عضوا من اعضائه احل عبدالعزيز مكانه رواية او مجموعة قصصية, كان مثال الرجل الصبور، وارجو الله ان يحشره مع الصابرين, كانت رسائلنا متبادلة, يختمها بقوله يا صاحبي قرأته اول مرة سنة 1979 في مجموعته الرائعة موت على الماء التي احدثت فتحا كبيرا في مسار القصة القصيرة وهي المجموعة الوحيدة التي اذكر انني اعدتها مرتين وفي كل مرة اكتشف شيئا جديدا فيما يتعلق بالتكنيك الحديث وإنها لدليل الموهبة المتقدمة من رجل لم يدرس المذاهب الاكاديمية, فأرسلت اليه رسالة تعارف وكنت اقرأ له بالمربد، ذلك الملحق المزدهر بجهوده وجهود زملائه العاملين معه، ورد برسالة جميلة يتمنى فيها ان نلتقي ونناقش بعض قضايا الابداع ، رسالة كلها امل وحب للحياة والناس، وما انقطعنا عن المراسلة ولا المهاتفة الا قبل دخوله المستشفى بأيام قليلة، شعرت بصوته يعتريه الالم وعرفت فيما بعد ان الكلية التي زرعت له فشلت، فتمنيت له الراحة, ان عبدالعزيز مشري جامعة لن تغلق ابوابها، كان مثال الصبور ومثال الفنان المطبوع، ومثال الانسان الذي لم تغيره الظروف، وان رحل عن دار الفناء الى دار البقاء، فانه سيبقى في قلوب محبيه من المبدعين وعشاق الادب وقد ترك لنا ثروة لا تقدر بثمن، كانت عصارة روحه الزكية، كلما اعتصرها الالم ازدادت وهجا، وهذا سر الابداع واثبات الرجولة، لم يجلس مكتوف الايدي ينتظر الموت، بل كان لا يهابه ويؤمن بانه اليوم الموعود ومصير كل حي، ألم يكن هذا الرجل مثالا يحتذى به في زمن كثرت فيه الوساس والاوهام؟! ألم يكن مثالا للشباب الطموح في زمن كثر فيه التكاسل والاهمال؟!
كتب ست روايات في وقت الشدة واربع مجموعات قصصية، لا يرتاح الا عندما يفقد السيطرة على اعصابه بخدور اطرافه, هل نستطيع الحفاظ على ما ترك؟ والا سنكون مسامحين في حق الرواد, ناقشني مرة في احدى مقالاته عن الريادة، ردا على مقال لي عن الرواد، وكان مثال المطلع على المذاهب الادبية، وقد كان قمة في الاخلاق والحفاظ على الاصدقاء مهما كانت وجهات النظر، لم يتعصب لفئة، وهذا سر النجاح, وان رحل فانه باق معنا وغيره الكثير اموات وهم احياء.
كان يكتب من اعماقه، لا يتعامل مع الخيال الساذج، فكل عبارة تدل على معنى، وكل عنوان يقود الى داخل النص وداخل كاتب النص، (موت على الماء) وهل هناك من هو اشفق على الماء من مريض الفشل الكلوي الذي لا يستطيع شرب الماء بكمية كافية؟ لانه لا يصرف صور معاناة القرية بمعاناته في (اسفار السروي) الذي ذهب يضرب في مناكبه بحثا عن العيش، وصوره فلاحا يسقي بماء المطر والقلق فينتابه في (الوسمية) كل كلمة كانت تنقل معاناة الفنان الصادق, انني ادعو الاخوة، الذين يقولون ليس عندنا رواية، لقراءة اعمال عبدالعزيز مشري لعلهم يصححون الافكار القديمة ثم يقرؤن الروائيين الاخرين، فاذا قرأوا هؤلاء سيجدون انفسهم (ان شاء الله) في اوائل القرن الحادي والعشرين بدلا من (نظرية) اوائل القرن التاسع عشر، وسبحان الذي حول الرعاة الى مبدعين!! ان المثقف الحق الذي قرأ روائع الادب العالمي، سيجدها في اعمال عبدالعزيز مشري الذي اخرج (وزملاؤه) الرواية من طور الرومانسية السخيفة الى روعة الابداع الحقيقي والفكر النير رحم الله فقيد الابداع رحمة واسعة.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved