أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 24th May,2000العدد:10100الطبعةالاولـيالاربعاء 20 ,صفر 1421

الاقتصادية

معضلة التنمية في القارة الإفريقية
لقد اقترن اسم القارة الافريقية بكثير من المعضلات التي حدت من القدوم والاخذ بأسباب التنمية الاقتصادية والاجتماعية فالمعضلات التنموية تكاد تكون غاية في الصعوبة والتعامل سواء في التخطيط او الانجاز خصوصا الجزء الجنوبي والغربي من القارة فيها نجد المعضلات مقفلة لا مخرج فيها في الوقت الحاضر، معضلات عندها يقف صانعو القرارات ومستشاروهم حائرين نحو كيفية علاجها والنهوض بمواقعهم فيها يملكون قدرات محدودة الحول راجين وآملين ايجاد حلول او انصاف حلول لتحقيق طموحات مستعجلة لمواطنيهم وصلت الى حد الازمات المتراكمة.
قرارات عندها يقفون مكتوفي الايدي ضعاف الحيلة والتفكير بغية تلبية متطلبات اقتصادية واجتماعية ملحة اساسية, فلا يزال الانسان فيها يعاني من الجوع والخوف والمرض ولا يزال يمشي عدة اميال بأقدام حافية ليتمكن من التزود بالماء الملوث, ولا يزال التكاثر السكاني يزداد يوميا بلغ فيها اكثر من 2,1 مليار نسمة في آخر احصائية سكانية للقارة, معضلات تضع صانعي القرارات في اسئلة محيرة بداية من ماذا ينبغي ان تفعله اداراتهم المسؤولة لحلها واحداث تغير تنموي الى طرح على انفسهم اسئلة مهمة مثل كيف سيتم تغير ملموس يشمل التقنية وتحديث الآليات والمصانع وامكانية تغير جذري في البنية الاساسية العاجزة عن سد حاجات سكانها والى معرفة وتقدير التغير اللازم الثقافي الذي يؤهل القوى العاملة الى استيعاب وادارة كل جديد في العلوم والتقنيات المستوردة الضرورية خصوصا في بداية طريق التحديث، بل كيف سوف يتم اختيار عمليات البدائل المتوفرة المتواضعة لديهم التي سوف بواسطتها يتم تقديم ضرورة اولية تنموية على ضرورة اخرى الى التساؤل حول مدى قدرة الاجهزة الرسمية هناك بامكاناتها المتوفرة على القيام وتنفيذ الخطط الجبارة اللازمة لمقابلة الطلب العام التصاعدي لكل الخدمات الاجتماعية مرتبطة بقيود وموارد مالية عزيزة تتصف بالشح يصعب من خلالها تمويل تلك الطموحات وتحقيقها في ارض الواقع لديهم, ولا تقف الصعوبات والعقد التطويرية عند هذا الحد وكفى بل انها تواجه اوضاعا يمكن وصفها بأنها هشة غير مستقرة فالمشاكل العرقية والعنصرية لها خلفيات تاريخية قديمة متأصلة في النفوس لم تنته بعد فيها تصفية الحسابات العرقية الدفينة حتى الآن بالرغم مما لحق بهم من اذى عاملة الحقود بذلك على عدم نسيان الماضي المؤلم والتحول الى حاضر مشرق يحمل معه الاستقرار والامن والرقي, فيها مجتمعات متناحرة متورطة في صراعات جانبية اخذت كل وقتها وطاقاتها بعدت فيها عن الاخذ بالاسباب، اسباب التغير والتحول الايجابي الشارع في تنفيذ وتطبيق القرارات التنموية والتأكد من نجاحها.
ولقد قامت بعض منها بالاستعانة بالبنك الدولي والاعتماد جزئيا على الارتباطات التمويلية الخارجية مجبرة مسيرة في الدخول في بحر الديون ذات الفوائد الربوية المتضاعفة راضية بما يشترطه البنك ويقرره لمعاييره الداخلية، استعانة كانت عبارة عن مسكنات علاجية مؤقتة لكل المعضلات السابقة الا انها لم تكن علاجات كافية مستديمة تحدث بها تغيرات وتطورات جذرية مرجوة, لقد كان التغير الحاصل بمسكنات الديون الخارجية تغيرا نسبيا على غير ما كان متوقعا ولا يكاد يكون ملموسا على حياة الفرد الاقتصادية, ظهرت من خلاله الطبقية الاجتماعية آخذة تلك المجتمعات الى العديد من التنافر والبعد بين شرائحها والى المزيد من حالات عدم الاستقرار في بعض منها, هذا بالاضافة الى ان العديد من تلك الاقتصاديات الصعبة تمر حاليا بمرحلة انتقال تتحول فيها الى نظام الاقتصاد الحر الرأسمالي تاركة خلفها انظمة التخطيط المركزي الاقتصادية وهذه المرحلة تتطلب بطبيعة الحال تخفيض التضخم في الاسعار الى مستويات مقبولة رحمة بمستويات الفرد العادي ذي الدخل المالي المتواضع فكان لابد من الدعم المالي المكثف للمواد الغذائية والطبية اللازمة, وهذا الدعم الضروري اخذ بدوره نصيبا جيدا من القروض الخارجية لم يبق للمشروعات التنموية الا اليسير, كما لجأت جاهدة الى تصحيح التضخم والاسعار بتحسين مستويات الاجور راغبة بذلك في دفع القوة الشرائية لدى الافراد وحثهم على الاستهلاك حتى يتم تضييق الفوارق الاجتماعية وحتى تخلق فرصا استثمارية جديدة تحرك بها عجلة القطاعات الاقتصادية الاخرى, ومع ذلك يبقى التباين ظاهرا قائما في العلاقة بين صانعي القرارات وبين القدرة على تنفيذها, فليس كل المشروعات يقدر لها النجاح المضمون وليس كل المشروعات تتوافق مع تطلعات مواطني تلك المناطق، فبعض المشروعات يصاب بالفساد الاداري والبعض منها لم يكتب له النجاح والاستمرار لهبوطه النوعي والكمي المنافس والمماثل له في الخارج.
وهذا سبب في اعاقة فرص الاستثمار الاجنبي والتجارة الدولية والاصلاحات الشاملة وقد أبدى بعض منها اهتماما بمشكلة الفساد الاداري وحاول التصدي له الا ان المشكلة تبدو اكبر من هذا وذاك فقد تسبب الفساد الاداري من جانبه في خراب معظم الهياكل الادارية وتشعب حتى نال معظم نظم العدالة والحقوق والملكية والعمل المصرفي والقروض مؤديا بدوره الى تردد او قدوم الشركات العالمية مناطق عدم الاستقرار تاركة تلك المواقع معزولة تعاني من المزيد من المعضلات التنموية حتى اشعار آخر.
اما العالم المتقدم فانه ينظر الى حالهم نظرة مختلفة تماما ففي السابق نجده استعمرهم واستنزف خيراتهم واليوم ينظر اليهم بمنظور آخر، منظور يريد ان يبقيه كما هو محتضرا بين الحياة والموت فهو من جانب يريده بدون تغير حضاري كبير رغبة منه في استمراره مزودا له ومصدرا معتمدا للمواد الخام الاولية اللازمة لصناعاته المتقدمة وكسوق مستهلك لما تنتجه مصانعه العملاقة وهو من جانب اخر يريده بدون تغير حضاري ملموس حتى يبقيه بعيدا عن النهوض والتصنيع والانتاج ليضمن بدوره تحيد المنافسة القادمة من المناطق الجغرافية المتصفة بالايدي العاملة الرخيصة المنافسة لمنتجاتها العالمية, وكانت المحصلة النهائية للقارة ان بقيت في حالها كما هي بل تحولت الى سلسلة من التراجعات والازمات الاقتصادية والاجتماعية.
وقد بحثت أخيرا الدول الصناعية في اكثر من مؤتمر كيفية نقل الدول الفقيرة في القارة الى التنمية نزولا للنداءات العالمية, فقد ناقشوا كيفية تخفيف العبء المالي الثقيل على كاهلهم وناقشوا سبل مد يد العون التقني اليهم الا انهم اصطدموا بعدة حواجز محلية جعلتهم امام معضلات قاسية يصعب التعامل معها, فأولا عمدت الى تشجيع صانعي القرارات فيها بحذف جزء من الديون الخارجية خصوصا للدول التي استطاعت ان تحقق تغيرا تنمويا في السنوات الماضية والى عدم النظر في شكوى الدول التي لم تحقق اي تغير تنموي لمواطنيها وقدمت ثانيا هبات ومعونات عينية ومساعدات مالية لعلها تكون دفعة قوية تنقلها الى سلالم الرقي, ولكن يبدو ان المساعدات والمعونات اقل مما كانت تصبو اليه القارة الافريقية بل اعتبرتها كعطايا وهبات ليست بالقدر الكافي المقبول ذي المردود الاقتصادي الذي قد يحدث تغيراً تنمويا حضاريا في القارة.
د, سامي بن صلاح عبدالله الغمري

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved