أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 25th May,2000العدد:10101الطبعةالاولـيالخميس 21 ,صفر 1421

الثقافية

المشري وعبدالله عبدالجبار,, شوق للقاء لم يتحقق
محمد عبدالرزاق القشعمي
حاولت أن أجد فرصة لايقاف حديث مشاعر المحبة وتدفقها بين الأستاذين عبدالله عبدالجبار وعبدالكريم الجهيمان عند زيارة الأخير لزميله في مدرسة تحضير البعثات بجبل هندي بمكة المكرمة قبل ما يزيد على ستين عاما، وكان يرافق الشيخ الجهيمان في زيارة صديقه بمنزله بجدة خلال اقامة معرض الكتاب الدولي بجدة بعض الأصدقاء ومن الصدف انهم من كتاب هذه الجريدة الجزيرة بدءا من رئيس تحريرها سابقا الاستاذ عبدالرحمن المعمر وأحمد العرفج وعبدالله محمد حسين وعبدالعزيز الصقعبي ومحمد الشنقيطي، وكان كل واحد منهم يصيخ السمع لما يدور بين الصديقين من حوار تتخلله السخرية من كل شيء ويتذاكران أطرافا او نتفا من قصصهم بمكة آنذاك، كان الجهيمان يسأل ويشجع صديقه العبدالجبار على الخروج من المنزل لتغيير الجو ولقبول دعوات بعض الاصدقاء لحضور مناسبة أدبية أو لقاء اسبوعي آخر او على الأقل حضور حفل التكريم الذي كان يعد له بمعرض الكتاب فرد عليه العبدالجبار بأنه كثير الأصحاب وانه لا يرغب في إرضاء هذا وإغضاب ذاك فكلهم يأتون اليه بدلا من ان يذهب لهم, وهكذا لم نغادر منزله العامر إلا بعد تناول طعام العشاء رغم ان الزيارة كانت مفاجأة، وبدأ قبل ذلك توافد أصدقائه الذين اكتظ بهم مجلسه.
حاولت ان اجد فرصة لايقاف سيل الحديث والذكريات الساخرة التي استأثر بها الشيخان دون الآخرين، فانتهزت توقف أحدهما عن اجابة صاحبه فذكرت لعبدالجبار وعده قبل سنتين أو أكثر ان يزور الأديب عبدالعزيز مشري لحالته المرضية الدائمة وكان وقتها قد عاد من أمريكا للعلاج فذهب بقدم واحد وعاد بدونها اذ ان الأولى قد اخذت منه بالرياض قبل سنتين بسبب الغرغرينا المتوغلة في جسمه والتي لا تصدق ان يصاب بجرح صغير الا وتسري معه, قال الشيخ العبدالجبار بعد ان اعتدل في جلسته على كرسيه المحدد والمعين والمجلل بغطاء من القماش الأبيض وسط المجلس وترك جاره الجهيمان واتجه لي بجسمه ووجه وكلامه وقال انني على وعدي لك فهو أحق بالزيارة، وقد سعدت بمكالمة هاتفية منه قبل اسبوعين ويسرني حديثه الشيق وسؤاله عن الصحة، فقاطعته قد يكون هذا الاتصال قبل اكثر من أسبوعين اذ انه نزيل غرفة العناية الفائقة المركزة بالمستشفى منذ ثلاثة اسابيع تقريبا فتألم العبدالجبار ودعا له ثم قال ايش آخر أخباره يا بوي ؟ قلت كان من اجمل ما نطمح اليه في هذه الزيارة لجدة هي زيارتكما مع الفنان غازي علي, وقد تحققت اثنتان اما الثالثة فقد حاولنا ولم نوفق اتصلنا بشقيقه وحبيبه احمد والذي يوزع وقته بين زيارته القصيرة بالمستشفى أو العودة لمنزله وقفل بابه عليه وقطع أي اتصال به والتفرغ لسرعة انجاز طباعة رواية أخيه المغزول عبدالعزيز الأخيرة والتي تدور حول سفره لأمريكا وآخر همومه واهتماماته وكأنه يسابق نهايته ، اتصلت ببعض أقاربه ولم أوفق وكان بالصدفة يسكن معنا بنفس الفندق الأخوان سعد الدوسري وعلي الغامدي وهما يعملان بالمستشفى التخصصي وجاءا لتشغيل مستشفى جديد بجدة فالأول صديق مزمن لعبدالعزيز والآخر ابن خالته فكنا نراهما يوميا وأحاول بإلحاح من والدنا عبدالكريم الجهيمان ان نزوره بالمستشفى حتى لو لم يشعر بنا لعله يفتح عينيه صدفة فيكون ذلك رفعا لمعنوياته.
قال الأستاذ سعد الدوسري انني قد تسللت الى جناح العناية الفائقة مع مدير المستشفى د, أحمد عاشور وطبيبه المتابع لحالته، وقد وجدته يختلف عن عبدالعزيز الذي كنت أزوره في مثل هذه الحالة فأجد الأمل كبيرا وانه سيعود لنا كما يحصل في مثل هذه الحالات الكثيرة ولكن هذه المرة وجدت الكآبة تجلل الاجهزة المربوطة به، كان في الزيارات الماضية يحس بوجود من يرقبه او يطمئن عليه فيبتسم وهو لا يرى من حوله ولكنها ارادة التحدي للضعف وطمأنة لمن أتى بأنني معكم ولكم ولكن هذه المرة تختلف وخرجت وانا ابعد عن نفسي شعور الزائر الأخير له فأدعو له.
في اليوم التالي وجدت ابن خالته علي وسألته ماهي أخباره قال ان والدته تقول انه ميئوس منه أو هكذا، فقلت انه قد طلب مني في معرض الكتاب بالقاهرة البحث له عن كتاب سبق صدوره منذ سنوات من الهيئة العامة للكتاب ونفد وانه لا يوجد منه نسخة واحدة لديه فحرصت على ان استنجد بمن اعرف للبحث عن هذا الكتاب، الهيئة تقول انه قد نفد ولا يوجد منه شيء ومعرض الكتاب والقسم الذي تباع به مطبوعات الهيئة لم يعرض لديهم منه شيء وزعت اسم الكتاب الغيوم ومنابت الشجر مختارات فصول رقم 61 نشر في فبراير 1989م عبدالعزيز مشري , وكما يقول المثل: لا يضيع حق وراءه مطالب، فقد عثرت الأخت عزيزة فتح الله ممن قرأ له واعجب به فله معجبون في مختلف الدول العربية وهي تبحث في قسم للمطبوعات القديمة او الممزقة من مطبوعات الهيئة والتي تباع كل 25 كتاب بخمسة جنيهات, بعد عودتي من القاهرة بأيام واثناء مهرجان الجنادرية واذا بالأستاذ الدكتور عبدالمحسن القحطاني عميد كلية الآداب بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة وعضو النادي الأدبي هناك وكان قادما من القاهرة لحضور جانب من مهرجان الجنادرية واذا به يهاتفني بأن لديه هدية مرسلة لي,زرته على عجل واذا به يناولني ربطة كتب تحتوي على 20 نسخة من كتاب المشري المفقود فسريعا ما هاتفت المشري بجدة مبشرا بوجودها قال خوفا عليها لا ترسلها مع أحد ابقها معك فآخذها في اول لقاء, وكان هذا اللقاء مددت يدي لابن خالته بالرزمة وأنا أرتجف خوفا من عبدالعزيز الذي نبهني بعدم تسليمها لاحد غيره وطلبت منه تسليمها لأخيه أحمد، لعله عند عودته التي لم تتم يجدها في انتظاره.
ذكرت للأستاذ العبدالجبار بأنني قد نقلت للمشري رغبتك بزيارته وانه رفض وقال انا الذي أزوره فهو أستاذنا ووالدنا فهو أحق بالزيارة فدعها لفرصة أفضل عندما اجد الوقت المناسب فاتصلت بالصديق الدكتور ابوبكر باقادر صاحب المهام الثقافية والاجتماعية المتعددة فرجوته بحكم سكنه بالقرب من المشري ان يصحبه في احدى زياراته للعبدالجبار وكذا استعنت بالحبيب حسين بافقيه ان يفعل ذلك عند عودته من الرياض وهكذا رحل عنا عبدالعزيز دون ان تتحقق هذه الزيارة رغم شوقهما لبعض ورغم اقامتهما في مدينة جدة, هذا اللقاء الجميل مع العبدالجبار وأبي سهيل واللذين سريعا ما استعادا روح المرح والسخرية من هذه الحياة الفانية وحتى يبعدا شعور الكآبة عن الحضور قال أبو سهيل للعبدالجبار هذا ابني محمد كثير الكلام فدعوني أحكي لكم عن قصة حصلت لي مع بعض الاخوان، كنا نجلس ومعنا واحد كثير الكلام فأوقفته وقلت نحن أربعة اشخاص وسنبقى ساعتين كل واحد له نصف ساعة يتحدث بها، وأنا لي نصف ساعة سوف اسكت بها وهي نصيبي فقد اخذت نصيبك ونصيب الأخوين فدع لي الباقي فنسكت به ياخي خلق للانسان لسان واحد وأذنان ليسمع اكثر مما يتكلم.
اتصلت بمنزل عبدالعزيز فجاوبتني ممرضته والمسؤولة عن شؤونه خلال هذه السنة الأخت المغربية فوزية فتح الله فقد كانت له كأخته تهتم بشؤونه الصحية والغذائية وحتى الكتابية فهي التي تقرأ عليه وتكتب له مقالاته ومسودات كتبه الاخيرة، لقد احتاج لها بعد ان ضعف بصره او كاد يذهب وبعد ان قطعت رجله اليسرى من الركبة قبل اربع سنوات بالتخصصي بالرياض وقبلها بسنتين قطع اصبع كفه الايسر البنصر فكان يضحك عندما يسال عن سبب قطعها فيقول انني كنت مغرما بالعزف على العود وان هذا الاصبع له دور كبير في تحريك الأوتار فقد اخذه الله انتقاما مني كما أدخل قبل ثلاث سنوات للتخصي لعلاج جرح صغير في قدمه اليمنى وقد قرر الأطباء بترها من اسفل الساق واقتنع بذلك وتقرر الموعد صباح يوم السبت، زرته مساء الجمعة فوجدته قد غادر قبل دقائق الى المطار فسألته هاتفيا صباح السبت مبتدئا الكلام معه بالممازحة من انك انهزمت وساورك الخوف يا جبان؟ فرد علي: ياخوي الموت شين، بعد اشهر وصل الى أمريكا وانقطعت اخباره أشهرا عدة منها أو أكثرها في الانعاش وعاد بعد ان بترت رجله من الفخذ وقالوا له انت تأخرت وكان المفروض ان تقبل ما قرره الأطباء بالرياض وهكذا هي ارادة الله.
قالت فوزية انهم يبشروني بأنهم قد ألغوا بعض الأجهزة الطبية التي لا يحتاج لها فهذه ان شاء الله بشرى خير وانه لا يسمح لغير أخيه أحمد بالدخول عليه وهو يدخل ويخرج ولا يشعر به.
وهكذا جاء خبر وفاته فاجعا لجميع محبيه وعارفيه عن قرب اكثر فجيعة، صحيح ان الموت حق وطريق لابد ان نسلكه مهما طال الزمن أو قصر ولكن عبدالعزيز في تشبثه بالحياة واصراره على مقاومة المرض دون ان يضعف او يحني قامته وعلى عمل الخير للوطن والمواطن وبقائه يعمل في المستشفى الذي أدمن التردد عليه لغسيل الكلى منذ استقراره بجدة من أكثر من عشر سنوات وصداقته المميزة للأطباء وزملائه المرضى وحله لمشكلاتهم ومعاناتهم مع الحياة فهو يأتي للمستشفى للغسيل ومع ذلك يقوم بأعمال اجتماعية لا حصر لها, هو الذي يحل لهم مشكلاتهم ومراجعاتهم مع المستشفى هو الذي يوفر لهم ما لا يستطيع المستشفى توفيره من بعض الأدوية أو المواد الأخرى الاضافية للغسيل ويعرف ان فلانا أو فلانة لها مشاكل مالية او لديها أو لديه اطفال وهو عائلهم تجده يقتصد من دخله المتواضع ليعطي هذا او ذاك دون ان يشعر به احد، لقد عرفت الكثير عند زيارتي له بمستشفى الملك فهد بجدة قبل سبع سنوات بعد ان زرعت له كلية ونجحت بفضل الله ثم الدور الكبير الذي قام به الدكتور فيصل شاهين والذي اصبح صديقه رغم مشاغله الكثيرة وتردده بين الرياض وجدة مقسما الاسبوع بينهما لادارة المركز السعودي لزراعة الاعضاء.
عرفت كم يتسع قلبه لمحبة الناس أجمعين، عندما أهم بمغادرته بمنزله او بالمستشفى ارجوه ان يكلفني بأي خدمة فيرد اوصيك بنفسك وبصحتك خيرا, كنت أتحاشى عند زيارته سؤاله عن صحته فهو الذي يبادر بذلك وكأنك انت المريض وهو الزائر لك.
أذكر ان آخر مكالمة هاتفية مع المشري يرحمه الله كانت في بداية الشهر الماضي وقبل دخوله المستشفى ببضعة أيام وقلت له انني رأيت مقالا في ملحق جريدة الاتحاد الظبيانية للكاتب الكويتي والروائي اسماعيل فهد السماعيل بعنوان قراءة قصدية ريح الكادي,, المشروع المحتمل فطلب مني ارسالها بالفاكس، واتصلت به بعدها فشكرني وكان مسرورا كطفل اعطي لعبة او قطعة حلوى، وعند اختتام حديثه المعتاد عندما يكون متضايقا يريد اشعارك بأنه لا يود الاستمرار نشكركم بارك الله فيك اوصيك ونفسي بتقوى الله واهتمامكم بصحتكم والسلام ختام قال انه يشعر بألم من آثار آخر عملية اجراها في المستشفى التخصصي بالرياض بالمسالك البولية في شعبان الماضي وسوف يأتي لاستشارة الطبيب وكان ان غلبه المرض هذه المرة فأخذ بالاسعاف ليقضي به أيامه الأخيرة حيث غادرنا ظهر السبت 3/2/1421ه فعزائي لوالديه ولاخوانه ولجميع أصدقائه ومحبيه غفر الله لنا وله.
إنا لله وإنا إليه راجعون .

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved