أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 25th May,2000العدد:10101الطبعةالاولـيالخميس 21 ,صفر 1421

الثقافية

ماهية ازدواجية الصراع المسرحي من كل طرف
محمد العثيم
استكمالا للحديث السابق عن الصراع في المسرح من جوانبه الجوهرية وما هيته في تفتيق وتوليد الفكر الداعمة للفكرة الام للعمل المسرحي,, من هذا المنطلق اعود الىارسطو في كتاب الشعر الذي يعرف الصراع بانه المجاهدة (الفعل المؤكد) وخفي عنا زمنا طويلا ما في المعنى من سعة ولكننا عرفنا المجاهدة فيما بعد وسميناها الصراع ثم بدأ نقاد محدثون يقسمونها بطرق مدرسية ومن منطلق وجودها في الذات,, واحيانا من باب عقلانية او عضلية الحوار (يشير له الدكتور ابو الحسن سلام باسم الحوار الحركي وسوف نعرضه فيما بعد بأمثلة لغير المختصين).
ومن جانبنا في هذا الحديث فان المجاهدة تبدو اكثر بعدا من شرح الملحميين لمعناها بانه تناطح القوى التي يأخذ بها (ابراهيم حمادة) وكثيرون من أهل المسرح الملحمي من زاوية التغريب لان عناصره الاربعة عشر او بعضها تدعم هذا التعريف بصفته نفيا للنفي (اثبات واقعي) ,, وابرز امثلته في المسرحية الشهيرة (دائرة الطباشير القوقازية) وفكرتها تدور بين الحق البيولوجي والعدل بأحقية الام المربية,, كما يمكن اخذ مسرحية (الام شجاعة) بين الحرب والمنفعة والمسرحيتان لبرخت مثالان للتفعيل الايديلوجي السياسي بين الحق والعدل,, على انك تستطيع تلمس صراع الذات في مسرحيات مثل (المستأجر الجديد) ليوجين يونسكو وغيرها من مسرح عكس المسرح (اللامعقول) وابرز الامثلة المسرحية الشهيرة (انتظار جودو) للكاتب صمويل بيكت,, وهو غالبا الفرق الكبير بين المسرح اليساري الواقعي الاشتراكي سياسي وعظي مبتذل التوجه والمسرح الاوروبي الانساني التوجه اذا استثنيا سارتر وعددا قليلا من كتاب الواقعية.
بعض الكتابات تفرق بين تقابل القوى ومفهوم تقابل القيم الواقعي والمسألة جوهرية للواقعيين من كتاب الايدلوجيا ذات الفكر الواحد.
والصراع لا يلقى في كتب النقد تنظيرا يخصه دون غيره الا ما ندر لان الكلام عنه يذهب في الحوار كما سنتحدث لاحقا اذا ما استثنينا الكتب المدرسية المولعة بتقسيم التعاريف مثل القول (ان هناك صراعا صاعدا وصراعا هابطا وصراعا قويا وصراعا ساخنا الى آخر مسميات لا معنى لها,, وعندما تقرأ الامثلة على هذه الانواع النظرية تجدها غير معممة ولا تخص غير الحالات التي تتحدث عنها.
وكما سبق القول فان قلة الدراسات على موضوعات الصراع وتناولها بشكل مقتضب يأتي لتداخلها مع رأسي المثلث المسرحي وهما الفكرة والشخصية وهذا بدوره يجعل الحديث عنهما اقرب لذهنية المتلقي من كلام في معنى الصراع وتعريفه لا ماهيته وفعله.
من جانب آخر وجد العلماء الانسانيون في بعض المجالات مثل علم النفس وعلم الاجتماع وبعض ابواب التاريخ التحليلي مداخل لتحديد الصرع (من الشخصية اما بصفتها انعكاس افعال او استيعاب الانا في عيون الاخرين) ولم يفت هذا على الفلاسفة والعلماء في هذه المجالات عند الحديث عن صراع مصالح وتقاليد وقيم وما شابهها مما يحتمل وجود ثنائيات الابيض والاسود في مثل هذا المنهج مما يبعده عن ما هية الفن وجوهر المسرح.
وللمدرسين هواة الخطوط المفصلة في التفكير الواقعي مما يسهل قراءة الصراع في جسده المادي ,, ومن هنا يبدو ان مدرسة علم النفس تقدم مسألة الصراع الداخلي والخارجي بوضوح ويكون مقرونا بالميل اصلا وقد يكون مقرونا بالدافع قبل الميل مثل صراع الحيوان,, والهمجي,, وقد يكون عقليا تحكمه ثلاثية ابدية تتمثل في المال والسلطة والجنس.
هنا لا نخرج من الدائرة الثلاثية لكننا نقدم انفسنا بالعرض في صراع عاطفي واقعي عقليا او عضليا,, لكننا في الفن نحتاج الى مسألتين لاكمال الموضوع وهما تأكيد الفعل والحلم الفني (شيء قريب من الشعر).
وفي ظني ان التمثيل للقضية الان سيكون مفيدا ففي الحديث الاول اشرت الى الصراع في مسرحية المستأجر الجديد (ليونسكو) على انه صراع ذاتي لكنه ممتد خارج الذات وخارج الاشياء وهي حالة خاصة جعلت بطل المسرحية في صراع مع واقع المكان في فكرة بسيطة عندما قرر نقل موجودات مسكنه بالكامل من منزل مجهول الى شقته الجديدة فكان العمال ينقلون والمكان يضيق والدرج يضيق ونهر السين يضيق بعد ان ضاقت كل الطرق.
الحالة الخانقة التي يضعنا بها يونسكو تجعلنا نسأل عن حالنا في عالم يختنق,, وطرح صراع مع العفن الذي يكبر بمسرحية الجثة التي تكبر وتكبر الى ان يختنق بحجمها المكان العام وهي تعني في رؤيته عالما يتفسخ نفس الفكرة التي كان يدور عليها في مسرحية الخراتيت.
ولان الصراع يعتمد اصلا على معطيات فنية اخرى اهمها الحوار فان الحوار اللفظي وغير اللفظي الذي اسميناه قبلا الحوار العضلي يلعب دور تطوير (الثيمات) الفكرة التي تصب في نهر الفكرة الكبرى وتنميها الى ان يصل الموضوع الى غايته ومن الكتّاب الذين يحفلون بالفكرة بعيدا عن كل المعطيات المسرحية الاصلية الكاتب المسرحي (اجري) وهو مجري امريكي.
ويطرح الكتاب من الورش الدرامية (الاعمال التجارية) مثل (روف) تصورا للطريقة التي يطور بها الصراع الفكرة من خلال التمايز بين الحوارين الداخلي والخارجي في قضية محددة تحول المعنى الى شبه محاكمة ذاتية في الباطن تؤدي انعكاساتها الخارجية الى تغيرات في تكتيك الشخصيات الحواري (جسدي ولفظي) الى مفاجآت تدعم تطور الفكر.
من ملابسات الموضوع التي لم اتعرض لها ان كثيرين يعتبرون الحوار جدلا او غيره هو مقوم معرفة الصراع لكن قليلين من غير المختصين قد يعرفون طرفا من اهمية الحوار المادي الجسدي الفعلي في تجسيد الصراع والرقي بالثيمات عن طريق اشارات التمايز في المحاور الاربعة التي اشير لها في الحلقة الماضية وهي (ازدواج صراع الذات الباطني وصراع الخارج لكلا قطبي الصراع والتقابل) ومن القوسين نستطيع القول ان الواحد من المتقابلين يصارع في جبهتين في نفس الوقت احدهما باطن والاخر ظاهر الى ان يحدث التمايز في احدهما فيبدأ تطور الثيمة بنقله للصراع الآخر.
في مقال قادم سنعرض باذن الله التفاصيل من الصراع المادي البدني وصراع من خلال تجارب (جروتو فسكي) و(ستنسلافسكي) و(وبيتر بروك) ومنظريهما في التجارب العملية المتاحة.
** شارة:
أثنّي عن نفسي بكل ما قيل في محاسن الاستاذ عبدالعزيز مشري فهو كاتب ثر ومثقف كافح المرض بالقلم غفر الله له ورحمه رحمة واسعة.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved