أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 28th May,2000العدد:10104الطبعةالاولـيالأحد 24 ,صفر 1421

مقـالات

وقفة مع صديق القوافي,.
عبدالرحمن صالح العشماوي
هاتفني أحدُ طلَّاب العلم يسألني عن الشاعر المربي احمد فرح عقيلان/ مَن هو؟ فقلت: هو سنواتٌ من العطاء العلمي والتربوي بدأَت من فلسطين، بلدة الفالوجة مسقط رأس الاستاذ أحمد ، وانتهت برحلة تربوية علمية في الرياض حيث تتلمذ عليه عدد كبير من الطلاب في معهد العاصمة النموذجي على مدى سنواتٍ غنيَّة بالعطاء اللغوي والأدبي والتربوي المتألِّق، وقد رأيت من حبِّ تلاميذ الأستاذ، ووفائهم وتقديرهم له، وحرصهم على خدمته والسؤال الدائب عنه مايدلُّ على أثره الكبير في نفوسهم، وقد حدثني الأستاذ أحمد أكثر من مرَّة عن وفاء تلميذه فيصل بن فهد يرحمه الله ، الذي كان دائم السؤال عن أحوال استاذة، حريصاً على راحته، وذكر لي من مواقف المودة والوفاء بينهما ما يثلج الصدر، وكان الاستاذ يروي ذلك بكل شكر وعرفان وامتنان.
وكان يقول ملاطفاً : عندما يشعر المعلِّم بشيء من الاسى هو يرى الناس من أقرانه وزملائه الذين انطلقوا في غمار الحياة الأخرى، قد سبقوه إلى المناصب والجاه والغنى، عندما يشعر المعلم بذلك الأسى لما ضاع من أعوامه بين أمواج دفاتر الطلاب وأوراقهم، ودفاتر التحضير وهي لحظة ضعف بشري تمر بالإنسان أحياناً يزول عنه ذلك الأسى بما يراه من وفاء تلاميذه وعنايتهم به وسؤالهم عنه.
قال لي ذات يوم: كنت خارجاً من إحدى الوزارات وقد حملتُ همَّ بضعة آلاف من الريالات جمَّعتُها وفي نيتي أن ابتاع بها أرضاً أبني عليها داراً صغيرة تريحني من المنازل المستأجرة، وكنت في حالة صراع دائم مع تلك الآلاف وكأنها تنشد على مسامعي كلَّ يومٍ قول الشاعر العربي القديم:


لا يألف الدرهمُ المضروبٌ صرَّتَنا
لكن يمرُّ عليها وهو منطلقُ

وما كنت أعلم أن للمال هذا التمرُّد الا بعد ما قيدت تلك الريالات بقيود الحبل البلاستيكي المطَّاط وألقيتُ بها في ذلك الصندوق, في تلك اللحظة واجهني شابّّ وسلَّم عليَّ بحرارة وقبَّل رأسي وقال: أنا تلميذك فلان، وبالرغم من أنه كان تلميذاً مشاغباً إلا أنني فرحت برؤيته، وعزمت عليه أن يصحبني إلى الدار، فاستجاب لدعوتي، وفي الدار عرض عليَّ المساهمة في مخطط سكني في حيِّ النسيم بالرياض، وقال: إذا لم يكن لديك شيء فسأقرضك مبلغاً من المال لأنني حريص على أن أقدِّم لك شيئاً يعبر عن شعوري نحو ابوّتك الحانية حينما كنت تعلِّمنا اللغة العربية.
يقول الاستاذ أحمد: فأعطيتُه تلك الآلاف، فكان من ورائها خير كثير والحمد لله وأقول: إنَّ ثروة العلم أعظم ثروة يملكها الإنسان، وإنَّ الاستاذ أحمد فرح عقيلان: نفسٌ صافية، وعقل راجح، وتواضعٌ جَمٌّ واصالة عربية، وروح إسلامية، وحرص على مصالح الناس، ورعاية للأهل والأقارب والجيران.
ولعلَّ من الأمور التي تخفى على كثير من الناس في حياة الأستاذ أحمد ما كان يقوم به من دور كبير في إصلاح ذات البين، والسعي في حاجات الناس، وقد رأيت عنده مرات متعددة بعض الأقارب والأسر يرجعون إليه للإصلاح بينهم فيما يختلفون فيه، ويرضون بحكمه وينزلون عند رأيه، وكان يسعد بذلك كلَّ السعادة.
وكان الأستاذ رجلاً اجتماعياً محباً للناس مضيافاً كريماً صاحب مبادرات، وقد صاحبته في اكثر من ندوة وأمسية، وسافرت معه أسفاراً كثيرة فرأيت من حسن صحبته ورعايته، ودعابته مايسرُّ النفس، وما يدلٌ على سلامة الصدر وطيب المحتد.
أحمد فرح عقيلان: أديب مقتدر وشاعر مُجيد، له في عالم الأدب والشعر صولات وجولات، وله في النقد الأدبي دراسات جادة واعية، وهو ذو اطلاع واسع على الأدب المكتوب باللغة الانجليزية وله فيه قراءات متعددة، ويحسن نقد الشعر الانجليزي ويعرف قواعده واتجاهاته ومنطلقاته الثقافية والعقدية والفكرية ومازلت أذكر ذلك اللقاء الذي أقيم في نادي الرياض الأدبي في العام الذي صدر فيه كتاب الاستاذ احمد فرح عقيلان جناية الشعر الحر ، وهو أوَّل كتاب صدر في المملكة يكشف عن خطورة الحركة الحداثية على ثقافة الأجيال المسلمة، حيث دعا الاستاذ ابوعبدالرحمن بن عقيل رئيس نادي الرياض الأدبي آنذاك إلى اجتماع لبعض شعراء الحداثة أو جماعة الشعر الحر مع الأستاذ أحمد لمناقشة ما ورد في كتابه جناية الشعر الحر .
وقد حضر اللقاء على ما أذكر د,منصور الحازمي، ود, عزت خطاب، وعبدالله بخيت، وعبدالله الصيخان وغيرهم، ودار النقاش، وكان الاستاذ أحمد استاذاً مربياً فعلاً، وقد أعطى الحاضرين درساً نقدياً جاداً أوضح فيه معنى, كلمة جناية الشعر الحر بمضامينه الحداثية التي أصبحت صفة بارزة فيه تجعل معظم نماذجه التي تنشر ويروَّج لها خطيرةً بما فيها من تمرُّد على ثوابت الأمة وثورة على قيمها ومبادئها باسم التجديد الذي لا يتجاوز عند فئة الحداثيين العرب التقليد لكل ما هو غربي .
وبيَّن لهم الأستاذ أحمد انه لايرفض التجديد الأدبي الواعي، بل إن هذا التجديد أمرٌ ضروري ولا مناص منه لان لكل عصرٍ أساليبه ومفرداته الملائمة له، ولكن هذا التجديد الواعي ينطلق من الثوابت والسياق التاريخي لثقافة الأمة، وفي كل عصرٍ من عصور الأدب حدث تجديد فني، وضرب الأستاذ أحمد أمثلة بنصوص شعرية تفعيلية وقال: إنها مقبولة ما لم تصبح وعاءً لافكار منحرفة وصور خارجة عن إطار القيم والأخلاق.
وأسمعهم في تلك الليلة مقاطع من شعر اليوت وغيره واوضح لهم الطريق السليم للتجديد الواعي النافع للامة، ولكن بعض الشباب في تلك الليلة كابروا ولم يستمعوا إلى كلام الاستاذ استماع الباحث عن الحقيقة الذي يستفيد من تجارب الاساتذة الكبار، ويخرج من دائرة التعصُّب الضيقة التي تقولب فكر صاحبها، وتحشره في زاوية ضيقه من الرؤية الثقافية,,ماذا أقول عن أبي محمد؟؟ المواقف كثيرة والقلم أضعف من استيعاب ما أريد البوح به نحوه يرحمه الله .
وقفة شعرية:


صديق القوافي والمشاعر، إنني
رأيتُ جواد الصَّبر بعدَك حَمحمَاَ
رحلتَ؟ نعم، هذي الحقيقةُ إنني
أراها على قلبي أشدَّ واعظما
عرفتك في الأسفار أكرم صاحبٍ
إذا قيل: مَن يرعى الصديقَ، تقدَّما
عرفتُك مجبولَ الفؤادِ على الرِّضا
فلم تدخر وُدَّاً، ولم تُؤذِ مسلما


أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved