أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 28th May,2000العدد:10104الطبعةالاولـيالأحد 24 ,صفر 1421

الثقافية

الجميلات النائمات
ولد الكاتب الروائي الياباني ياسوناري كاواباتا في 11 حزيران 1899م, في إحدى مقاطعات اليابان واسمها أوزاكا لاحقته المآسي منذ طفولته فمات والداه ثم أخته الوحيدة وأخيرا جدته ولم يعد هناك غير جده العجوز الأعمى ليرعاه ومات هو الآخر وكان ياسوناري لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره.
وإزاء هذا الواقع لم يجد الصبي غير الأدب ليكون البديل، وكانت معظم كتبه بعد ذلك تتحدث عن الموت لم يتوقف أبداً عن الكتابة ليعطي لحياته معنى وعله يحصل على بعض السعادة.
نشر بنجاح رواياته الأولى وبدأ يكشف جمالياته الداخلية الخاصة ويتواصل برهافة مع كل ما يحيط به وضاعف نشاطاته فأسس مجلات أدبية وأطلق حركة الأحاسيس الجديدة وابتدع نوعا جديدا هو الرواية المصغرة ثم تتابعت الكتب التي جعلت منه الروائي الأعظم في اليابان والعالم بعد أن حصل على جائزة نوبل عام 1968م.
ارتدى أسلوبه طابعا بسيطا وحياديا وبعيداً عن الزخرفة اللغوية كان يراقب الحياة بسلبية هادئة ولكن هل نتحدث عن حكمة مطلقة أم جحيم فكري؟ عندما انزوى الكاتب الذي كسب ملايين القراء في كل العالم في شقة صغيرة وضيقة ليموت هل كان انتحاراً دقيقاً ومتوحداً؟
كان ذلك عام 1972م قبلها طرح قمة إبداعه الأدبي من خلال روايته الجميلات النائمات والتي تحكي عن العجوز ايغوشي الغني والمرهف الحس والذي يعيش توحد الشيخوخة.
يدخل ايغوشي منزلا غامضا ليقضي الليل متأملاً فتاة مراهقة تستسلم لنوم عميق،واقعة تحت تأثير مخدر قوي,, هناك إلى جانب الدمية الحية ,, يدخل العجائز ربما ليستعيدوا وهم شبابهم الضائع,, دون انزعاج أو شعور بالذنب.
بالنسبة لايغوشي ستكون الليالي الخمس التي أمضاها في المنزل الغامض ممنوعا من الأقتراب ,, متأملا بافتتان وذهول ,, إنها فرصه ليتذكر النساء وللوصول إلى عتب الموت أو الطفولة أيكون مجيئه إلى هنا اكتشافاً لهول الشيخوخة المطلق؟ لا يفكر بانتهاك المحرمات هنا, ولن يخالف التوصيات، ولكن ارتباك الشيخوخة يجتاحه.
فتح الباب بيد مرتجفة،ولج إلى الغرفة المجاورة، أثار عجبه ستارة قرمزية ولوج الغرفة كما العبور إلى عالم خيالي, كانت الفتاة نائمة كتم العجوز أنفاسه أمام الجمال الغير متوقع كما لو أن قلبا جديدا خفق بأجنحته في صدر ايغوشي.
يتذكر إنه عندما توقف للمرة الأولى في هذا المنزل كان مدفوعا بحبه لكل ما هو غريب تساءل هل هناك مسنون أكثر عجزا منه؟ اجتاحه شعور بالوحدة ممزوج بالحزن إنها التعاسة الجليدية للشيخوخة, تسرب إليه فجأة الإدراك الغامض والبارد لذنبه شعر بالحنو على هذه الفتاة ,, وأحس بموسيقى تتصاعد في خياله ورغب بالفرار,, ولكن الستارة المخملية كانت تأسر الفتاة والعجوز كانت تبدو غير مبالية تماما بالكائن البشري الذي قبالتها، كل ذلك بدأ له فجأة أمرا غير محتمل لو أن هزة تكفي لإيقاظ الفتاة لفقد هذا المنزل عاجلا غموضه.
كانت رغبته ملحة في إيقاظها ولكنه يعلم أن غموض هذا المكان وجاذبيته سيتلاشيان, نظر إلى قرصين أبيضين قالت له العجوز حين استقبلته إذا استعصى عليك النوم تناولهما فكر بأنه إذا ابتلع قرصا واحدا سيجد نفسه في ذهول بين الحقيقة والخيال, واذا ابتلع الاثنين غاص في نوم قاتل,, لم يخطر في بال ايغوشي العجوز المجيء مرة ثانية إلى هنا ولكنه جاء بعد ذلك خمس مرات ليتأمل نماذج مختلفة من الجمال النائم,, والذي لا يفيق أبداً قال لنفسه أليس هذا مجرد تعزية للنفس ومحاولة للسعي وراء مباهج الحياة الغاربة,, هذا ما أدركه,, أن إغواء قلب ميت عبر فتاة شابة هو مشروع محزن للغاية.
كان أيغوشي هو الأكثر حساسية بين العجائز المترددين,, يشعر بإغواء الإثم,, وشيء فظيع مصحوب برعب,, يرتعد ويطفو على روحه، دون أن يتخذ شكلا محددا في الحقيقة هو اثم كبير يرتكبه بعض الرجال في حق الانسانية ارتعد تناول قرص المخدر وتساءل: ما الذي سيحدث لو غرق هو أيضا في نوم قاتل ؟
راقت له الفكرة وردد نوم قاتل .
بعد ذلك وجدوا العجوز العالمي كاواباتا غارقا في نوم أبدي احتجاجا على الظلم الإنساني الذي لم يستطع التصدي له وهو الأديب المفكر اكتفى بمتعة الصفاء اللانهائي,, وإمكانية الشيخوخة الوحيدة هي امكانية الحلم فقط.
منى عبد الله الذكير

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved