أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 29th May,2000العدد:10105الطبعةالاولـيالأثنين 25 ,صفر 1421

الاخيــرة

الرئة الثالثة
نفحات من البوح المباح(1)
عبدالرحمن بن محمد السدحان
كلما هَممتُ بالحديث عن المواطَنَة، نازعني ذهني بفكرةِ وآليّة الاتصال التي يمكن أن تربطني بشقيقي وشقيقتي في أقصى الشمال وأقصى الجنوب وأقصى الشرق وأقصى الغرب، وما بين هذا وذاك، وكلما بعُدت الشّقةُ وعزّ الاتصال سادت الغربة بين الجوارح والأنفس، وماتت على الشفاه لغة الكلام.
***
* كيف، إذن أُسائِلُ نفسي يتأتّى لي الشعور الصادقُ بالانتماء خارج رقعتي التي اقطنها، إذا تعذرت آليّةُ الاتصال، وتعطّلت لغة الكلام؟! كيف يتأتّى لي أن اقهرَ الشعورَ بالغربة داخل أضلعي اذا عزّ الوصول حسّياً ومعنوياً الى هذه الرقعة أو تلك من أرجاء الوطن الغالي؟!
***
غير أنني سرعان ما أؤبُ الى نفسي,, فاحمد الله ان سخر لنا العلمَ لنستثمر إنجازاتِه في تذليل المسافات وقهر الحواجز، واقامة جسور الاتصال في كل الاتجاهات، ليس بين المدن والقرى فحسب، من خلال إنجازات التفوّق الصناعي والتقني الذي اتاحه الله لنا، ولكن بين الأفئدة والقلوب المنتثرة عبر الرقعات الفسيحة في هذا الكيان الغالي,, هذا التواصل بشقيه، الحسِّي والإنساني هو واحد من أمضى السُّبل لتنمية التلاحم بين أبناء الوطن الواحد، فإذا الذي في اقصى البلاد شَرقَاً وأدناها غربا وابعدُها شمالا وأقرُبها جنوبا، يلتقي مع شقيقه في الطرف الآخر هاتفياً، عَبر ثوانٍ، او زائرا، عبر ساعات معدودات طائراً او (سائراً)(1).
***
هناك جانب آخر لهذه الخاطرة وهو أن المواطَنَة الحقيقيةَ موقفٌ تنطق به الجوارح سلوكا، لاشعارٌ تهدر به الحناجرُ ألفاظا وترسُمه الأقلام حروفا.
وبعبارة أدق، قل لي كيف تتعامل نبضاً وفكراً وسلوكاً مع وطنك، أقل لك أيُّ مواطن أنت.
* فإن كنت ممّن يُؤثرون أنفسَهم على كل شيء، ولا يضيرهم من أمر دنياهم ايُّ شيء، فأنت غريبٌ في وطنك، غربةً تحتضنها مساحة انانيتِك، ودارُك التي تؤويك!
* وإن كنتَ ممّن يسند الى ال(الآخر) هموم الوطن، ومسؤولياته وتبعاته، وأوامرَه ونواهيَه، مبرِّئا نفسَك من هذا او ذاك بحجة أنه لا يعنيك من كل هذا أو ذاك شيء، فأنتَ غريبٌ في وطنك، غربةً تبدأ وتنتهي داخل قفص شعورك اللّامبالي!
**
* وإن كنتَ ممن يتعاملُ مع المرافق العامة التي أنشأتها الدولةُ لخدمتك تعاملَ طفلٍ مع أدوات لهوه، فأنت غريبٌ في وطنك غربةً لا يشفع لها الترابُ الذي تطأه قدماك، والهواء الذي تستقبله رئتاك!
* وأنت بعد هذا وذاك,, متهمٌ في ولائك,, متهمٌ في انتمائك الى هذا الوطن الذي اعطاك اسمَه، وهُويّتَه، وخيراتِه.
أَفلَا يستحقُ هذا الوطنُ أن تتعاملَ معه تعاملَ المحبّ سهراً وشوقاً وغيرةً!
**
أخيراً ثمّةَ هاجسٌ يؤرقني أبداً في مسألة الانتماء، وهو أن العملية التربوية، بمحصولها التراكمي الراهن، قد لا تساعد الطفل كثيراً على تنمية الشعور بالولاء لوطنه، والانتماء إليه إلا في حدود يسيرة، وقد يتساءل سائل: مادليلك على ذلك، فأقول: إذا كنتُ لا أملك الدليلَ الآن، فليس هذا حكماً على هاجسي بالبطلان، لأن اثباتَ الهاجس سلباً او إيجاباً يتطلب صحائفَ ينوء بها زمانُ وظرف هذه الزاوية وخبرةُ صاحبها، وعسى أن يأتيَ يومٌ يُثبتُ فيه عاقلٌ غيور بطلانَ هاجسي، سأكون عندئذ أولَّ الفرحين بموت هاجسي، وانتصار التربية في بلادي على بوار الظن في خاطري! ولعل مادة (التربية الوطنية) أن تفيَ بشيءٍ يسير في هذا السبيل!
**
(2)
كان من بين الفائزين بجائزة الملك فيصل العالمية قبل عدة أعوام دولة رئيس وزراء ماليزيا، السيد/ مهاتير محمد وقد ألقى كلمة ضافية بهذه المناسبة، كان من أبرز ما جاء فيها أن المسلمين الذين وفدوا إلى بلاده قبل قرون سنّوا أروعَ مثل في التسامح والعمل الدؤوب الصالح، ديناً ودنيا,, فما سعوا في الأرض فساداً,, ولا شقوا بهوى نفس أو فتنة رأي، أو سوء ظن، ولم يغتل أو يشوه أحد منهم أحداً من ذكر أو اثنى في سواد ليل أو في اشراقة نهار، ولو فعلوا ذلك، كما فعل ويفعل اشقّاء لهم في بعض الأمصار، لما اعتنقت ماليزيا الإسلام دولة وأفراداً ولكان لها سيرة أخرى.
وبعد,, ان تجربة ماليزيا الحديثة تطرح لنا ثلاث عبر يجب أن يعيها المسلمون المعاصرون قبل غيرهم وهي:
أولاً: أن الإسلام جاء لينقذ الإنسانَ من وهدة الشقاء، ويمنحه هويةً يهتدي بها في الدارين، الدنيا والآخرة،
ثانيا: أن الإسلام لم يسد ارضاً بالرمح أو القنبلة أو السيارة المفخخة، بل دخل القلوب وسادها محمولاً على هودج الإيمان، وجهاد النفس,, والعمل الصالح،, واستطاع أصحابه أن يكونوا قدوة تحتذى ومثلا يُتَّبع، وقصة ماليزيا قديماً وحديثاً شاهد على ذلك!
ثالثا: أن الإسلام لا يعارض ولا يتعارض مع طموح الإنسان في الارتقاء بشأنه بحثاً عن الأفضل، مستفيدا في هذا الصوب بابداعات العلم الحديث,, وتطبيقاته المشروعة.
(3)
فاجأني الصديق الأستاذ محمد بن عبدالله الشريف، عضو مجلس الشورى فأهداني عينةً مباركةً من بواكير أدبه الجم,, ممثّلَة في ثلاثة كتب وهي:
1 الخزانة في أدب الفكاهة.
2 قطوف الأدب في أخبار ومآثر العرب.
3 المنتقى في شعر الغزل.
وتمثّل جميعُها حصادَ جولةٍ طموحة في أعماق بعض أمّهات كتب التراث مّما ابدعه العرب شعراً ونثراً وحكمة وظرفا، واحسب أن أبا هشام بهذا الجهد الموفق قد وفر للقارىء غير المتفرغ فرصةً قيمةً للاطلاع على نخبة من خير ما قاله السابقون في فنون الكلام, جدِّه وهزله.
وقد قدّرت لسعادته هذا الاهداء، الذي انتقاه وشكّله في صمت ليفاجئنا به، مضيفا بذلك الى رصيده الجميل في نفوس محبيه وعارفيه، وقد تمنّيتُ عليه في رسالة خاصة بأن يفكر في إثراء هذه المسيرةِ التي بدأها بهذه الكتب الثلاثة بانتقاء نماذجَ من حِكَم العرب وامثالهم عبر التاريخ، مع شرح لها ما أمكن، ونماذج أخرى من خير ما قاله فحولُ شعراء النبط في اغراض متفرقة.
(1) عبر السيارة

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved