أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 30th May,2000العدد:10106الطبعةالاولـيالثلاثاء 26 ,صفر 1421

الثقافية

مع ابن جبير في رحلته
د, طاهر تونسي
ابن جبير رجل متعدد المواهب فهو ناثر وشاعر ورحالة وهو الى ذلك ضليع في علم القراءات والفقه والتفسير ثم تعززت علومه في الشريعة في اخريات حياته, وقد رحلت أسرته الى بلاد الاندلس وهم من بني كنانة سنة 123 ه وقد تقلبت اسرته في أكثر من مدينة وصقع حتى ألقت الأسرة عصا التسيار في مدينة بلنسية حيث نما وترعرع وأقبل بنهم شديد على طلب العلم ينهل من علماء ذلك الزمان ثم انتقل الى غرناطة واقام بها فترة لا بأس بها جعله من اعلام تلك المدينة وقد ترجم له لسان الدين بن الخطيب في كتاب الإحاطة في اخبار غرناطة وكان قد ولد سنة 540ه.
وقد احدث ابن جبير ذنبا عندما كان في الأربعين من عمره فقرر التوبة وان يحج الى بيت الله الحرام.
فودع الأهل والاصحاب ويمم عن غرناطة صوب الجنوب فوصل من استجة الى اشونة الى ثغر طريف وعبر المضيق وذلك في شوال سنة 578ه ومعه صديق حميم اسمه احمد بن حسان ثم عبرا المضيق وتحرك المركب بهم الى مدينة سبتة.
وقد كانت المواصلات البحرية تنتقل من سبتة فاستقل مركبا وصارت المركب حيال الشاطىء الاندلسي قريباً منه وفي بعض الأحيان حذائه ثم توجهت المركب الى جزيرة سردينية وبعد ذلك الى صقلية وما ان اقتربت السفينة من الجزيرة حتى عصف الموج وتكالب على السفينة وتحطم جزء منها على الساحل ونجا منها الناس باعجوبة ونجا فيمن نجا ابن جبير واحمد بن حسان صديقه وبقية الناس من المركب باعجوبة وحتى يتم إصلاح الأمر وانتقالهم الى مركب آخر نزل ابن جبير وصديقه ابن حسان في صقلية ونظر الى مكان البركان المسمى ببركان أتنه فثم تابعا المسيرة من صقلية حتى وصلت السفينة الى جزيرة كريت ثم توجه منها الى ثغر الاسكندرية ورست المركب بعد مرور شهر كامل على اقلاع السفينة من سبتة وهنا رأى الشرطة والحرس الذين وضعهم صلاح الدين الأيوبي الذي كان حاكما على مصر آنذاك, وكان رجال الشرطة غليظين غاية الغلظة, وكانوا يفتشون كل شيء ويطلبون الزكاة على المؤنة, وعندما حاجهم بعلمه وفقهه ان الحول لم يحل على هذه المؤن رفضوا هذه الحجة وطلبوا الزكاة وكانوا يفتشون حتى النساء وعندما غضب الاندلسيون عليهم لم يرعووا عن ذلك وأقبلوا على عملهم.
وكان ابن جبير رجلا قوي الشخصية وافر الذكاء فما كان منه إلا ان ارسل رقعة بها شكوى الى صلاح الدين الأيوبي نمقها بأبيات من الشعر في مدحه, وترك الاسكندرية بعد ان مكث بمكان يسمى الآن بسيدي جبر جابر نسبة الى ابن جبير, وتوجه الى القاهرة وهناك مكث فيها غير قليل وصف خلال ذلك المساجد الفاطمية والآثار الإسلامية وقبور الصالحين ولم يستطع الذهاب الى السويس والى الأراضي المقدسة من ذلك الطريق حيث ان الصليبيين قد احتلوا تلك الأماكن فقرر الذهاب الى الصعيد فاخذ طريق النهر وهو يحدث اصحابه في رحلته النهرية ويتمنى ان يقوم حكام الموحدين بالهجوم على مصر وضمها الى حكم الموحدين وكان يسرف في الثناء عليهم ويزعم انهم يقمعون البدع ويحيون السنة ويبتعدون عن الخرافات والضلال وكان يبالغ في مدحهم حتى وصل الى قرية قوص في جنوب الصعيد ومن هناك الى ميناء عيذاب على ساحل البحر الأحمر وركب السفينة ورست على مدينة جدة واقام بها فترة قصيرة لا تتعدى أياما ثم توجه مع صحبه الى مكة حرسها الله, ولا تسل عن العواطف الجياشة التي جاشت بها نفسه في مكة وقد اطلعت على كثرة من كتب الرحالة فلم أر أحداً انبهر انبهار ابن جبير بجو مكة الروحاني واستفاضت عاطفته الجياشة وكتب كلاما يذيب الصخر عن مشاعره بين الحطيم وزمزم فهو يصف مكة قبل الف عام وصفا دقيقا معبرا لا يترك مكانا في البيت الحرام ولا في الأزقة والاسواق المحيطة بالمسجد الحرام إلا وصفه وصفا دقيقا, بل اني اذهب الى ان اجمل ما في رحلته المكتوبة وصفه لمكة المكرمة, اقام في مكة فترة لا تتعدى تسعة شهور وهي اطول مدة اقام فيها في أي مدينة وأدى فريضة الحج ثم ودع المسجد الحرام وتوجه الى المدينة حيث نزل بها خمسة أيام للزيارة, وهنا يقرر فجأة ان يذهب الى العراق مخترقا بادية نجد حيث وصل بعد سفر طويل, وينزل في بغداد ولكنه لا ينزل في بغداد الرشيد والمأمون ولكنه ينزل بها بعد ان حال حالها وذهب عزها فجلس في مجالس العلم ينهل مما فاته في بلاد الأندلس, ثم علم ان الركب متوجه الى الموصل وان بين المتوجهين الى الموصل والدة امير الموصل او الخاتون فذهب في ركابها فمر في البداية بسُر من رأى فوصفها ثم تابع التسيار شمالا حتى وصل الى الموصل.
وكانت الموصل تلك الأيام عاصمة زاهرة فوصف الموصل وجمالها وروعتها وقلعتها الحصينة, وتوجه غربا مرورا بمنبج حتى وصل الى حلب وبعد انتهاء زيارته الى حلب توجه الى زهرة مدن الشام وهي مدينة دمشق ففتن بها وقد أقام بها بضعة اشهر حيث ان هواءها وافق صحته وزار خانقاه الصوفية, وبعد ذلك توجه الى الساحل الذي يحتله الصليبيون وليس في رحلته هذه المرة ما يدل على انه ذهب الى بيت المقدس الذي كان تحت سيطرة الصليبيين ولكنه ذهب الى عكا ثم ابحرت به المراكب الجنوبية من عكا, وكان اهل جنوة يحترفون المراكب وينقلون الناس بين أنحاء البحر الأبيض المتوسط, وذهب الى بلاده مرة اخرى, وفي الطريق نزلت المركب في صقلية, وفي هذه المرة اقام بصقلية من ابتداء شهر رمضان حتى يوم التاسع من ذي الحجة من نفس ذلك العام, فأقام بصقلية التي غرب عنها ذلك الوقت نور الإسلام بعد ان فتحوها وصار يقوم بملك البلاد ملك عظيم اسمه الملك غليام ولعله تحريف لكلمة دليم فزار مسينا وزار مدينة بلوم وهو ما يسمى الآن مدينة بالرمو عاصمة صقلية فأقام بها فترة وزار مدنا أخرى,, يقيم بها المسلمون تحت رحمة النصارى, وزار وزراء غليام وفتيانه النشطين في خدمته ووصف ذكاء غليام وحنكته ثم بكى على زوال حكم المسلمين عن صقلية وان المسلمين لا يستطيعون ان يقيموا الجمعات لمنعهم عن ذلك ووصف أمير الجماعة الإسلامية ابن حمود الذي كانوا يسمونه بأبي الحجر ثم ترك صقلية ومشت المركب بحذاء الساحل الأندلسي حتى وصلت ميناء المرسية التي ينسب إليها ابو العباس المرسي, ونزل هناك ابن جبير وسار من قرية الى قرية حتى وصل الى مسقط رأسه غرناطة هذه هي رحلته الأولى وقد قام بعدة رحلات بعد ذلك الى الشرق ولكن هذه الرحلة هي أهمها, ذلك ان ما يسمى بين يدي قراء الأدب برحلة ابن جبير ما هي إلا الرحلة الأولى حيث انه لم يدون الرحلات الأخرى حيث زار مرة الشرق مبتهجا بسقوط بيت المقدس في يد المسلمين وزار مرة اخيرة عندما ماتت زوجته وحزن عليها فذهب الى مكة ينشد السلوان والنسيان وقرر في المرة الأخيرة أن يسكن الاسكندرية ومكث بها يحدث الناس وينشر علومه في الفقه والقراءات والأدب حتى مات بها عن عمر يناهز السبعين عاما.
أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved