أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 31th May,2000العدد:10107الطبعةالاولـيالاربعاء 27 ,صفر 1421

منوعـات

يارا
أحلام الضبعة
عبدالله بن بخيت
لا اعرف هل القارئ مثلي ام لا, ولكن من عرفته وناقشته هو مثلي إن لم يكن أسوأ حالا مني, نسمع من يقول عندما نذهب للنوم: أحلام سعيدة, والحق يقال فنحن في المملكة لا نقول أحلام سعيدة, فعادة نقول: تصبح على خير ولكن في التلفزيون والتمثيليات وفي اللغة الانجليزية دائما نسمع كلمة (أحلام سعيدة).
بصراحة لا أتذكر أنني حلمت أحلاما سعيدة, فكل الأحلام التي أمر بها إما أني طايح في بير, أو أن هناك ضبعة تلاحقني وتطقني أم الركب (حسب التعبير الشعبي) أو أني مغلوي من فوق جبل,, بينما نشاهد في التلفزيون ان هناك من يحلم بالورود او تحيط به فتيات جميلات من كل جانب.
على كل حال يقولون أن الأحلام السيئة تنشأ من الأكل الثقيل في الليل, ولكني اكتشفت ان الذي (ينوم) على جوع اسوأ من الشبعان حيث تأتيه أحلام مرتبطة دائما بقضية الأكل فمرة يكون معزوم على ذبيحة ويمنعونه ما يأكل معهم, ومرة يقلطون له صحن تمر ومعه لبن ثم يكبون عليه تراب,, والمشكلة رغم أن الأحلام لا يمكن أن تكون غير خزعبلات وفوضى في العقل الباطن، إلا أنها ما زالت تؤرق كل الشعوب,, وكل شعب له طريقته في تفسيرها والتعاطي معها, وهي أقرب لقراءة الكف والطالع والفنجان,, فإذا شاهدت ضبعا يطاردك يسألك الدجال؟ هل كان الضبع كبيرا أم صغيرا؟ وش كنت تمسك في يدك؟ هل معك أحد أم لا؟ اسئلة يحاول ان يوحي لك بأن حلمك هذا له أنواع كسؤال الطبيب عند زيارتك له, حتى يحدد بالضبط الوضع الخاص بحلمك لكي يعطيك تفسيرا مقنعا,, وبعضهم يتمادى في الاسئلة فيسألك عن أهلك وحالتك الصحية ووضعك المالي وآخر مشكلة مررت بها وآخر بلد سافرت له وكل الدعوى (ضبع يلاحقك في حلم) واخيرا بعد ان يجمع كل المعلومات التي تجعل تخمينه قريبا من الصحة يقول بكل ثقة: (لا تخاف هذه الضبعة هي زوجتك لازم تروح لها تعتذر منها وتحب رأسها,, أو هذا مديرك يتربص بك فانتبه لنفسك, او هذا دَين عليك ما سددته) والى هنا والأمر يمكن أن يكون سهل التعامل معه,, ولكني اتذكر أنه سرق من احدهم فلوس في منزله,, لم يكن المبلغ كبيرا لذا لم يكن إعادة الفلوس كل همه,, كان همه هو ان يعرف من الذي سرقها, لأنه كان يضع الفلوس في مكان قريب من مجلس الشلة التي تجتمع عنده كل يوم, وكل واحد من هؤلاء الاصدقاء موضع ثقة كاملة, خصوصا ان المبلغ لم يكن كبيرا حتى يغري بتعريض الإنسان الشريف نفسه للخطر,, على كل حال كان من الصعب بل من المستحيل ان يشك في أي منهم وفي نفس الوقت لا يمكن ان يتخيل ان يكون السارق من خارج الشلة بسبب من الظروف الموضوعية,, ومن حيرته وجنونه بدأ يلجأ لأهل الخرافات, وفي الوقت الذي بدأ فيه ييأس من تحديد هوية الحرامي داهمه واحد من تلك الاحلام الغامضة الموحية, حلم انه كان يجري في احد الشوارع خلف رجل يلبس شماغا وكنادر صفر وفي يده ريش نعام, فأخذ يصرخ في الحلم بأعلى صوته: (ها ذا هو ها ذا هو) ويبدو أن الناس لم تفهم ما يتفوه به ولا تعرف ما الذي يقصده بقوله (ها ذا هو)وقبل ان يلحق بالرجل في الحلم سمع أمه تتدخل وهي تقول له (حرام عليك هذا فقير اتركه في حاله حرام عليك) وبعد ان التفت الى مصدر الصوت لم يجد أمه فقد تلاشت وظهر بدل منها (قط أسود) استيقط من نومه وتعوذ من الشيطان وقام وغسل وجهه ولكنه لم يستطع ان يتخلص من سطوة الحلم, فقد استحوذ عليه ورأى ان هذا الحلم له علاقة وثيقة بالسرقة، خصوصا ان خلفية الرجل الهارب تشبه خلفية احد اصدقائه الذي يختلفون على بيته, ولانه لا يستطيع ان يتهم بالحلم، بدأ يبحث عن مفسر لهذا الحلم, فذهب لواحد من هؤلاء المفسرين, فهذا الحلم وضعه امام مجموعة من الاسئلة المحيرة واهمها لماذا تدخلت امه في القضية, ولماذا تحولت عندما التفت عليها الى قطو أسود؟ وهكذا بدأت الاسئلة العظيمة والمربكة تنتابه, شرح للمفسر حلمه ومشكلته, وكالعادة طرح عليه المفسر عشرات الاسئلة ثم عشرات الاسئلة،, وأخيرا قال له المفسر: هل فقدت مؤخرا شيئا؟ صعق صاحبنا وقال نعم فقدت مبلغ عشرة آلاف ريال فقال له المفسر: ان حلمك يدل على ذلك, فالحرامي رجل أوصافه كذا وكذا وكذا حتى كاد ان يحدد شخصا بالاسم, صعق صاحبنا لأنه يتفق مع المفسر ان هذا هو أقرب واحد يمكن ان يطاله الاتهام, وبعد أن اعطاه المفسر دليلا قويا على قدرته سأل المفسر: وماذا عن أمي في الحلم؟ لماذا كانت تناديني لكي أترك الرجل؟ ولماذا تحولت الى قط اسود عندما التفت عليها؟ رفض المفسر ان يعطيه تفسيرا لذلك رغم إلحاحه, وفي الوقت نفسه حاول المفسر ان يوحي للرجل بأنه يعرف ولكنه لا يريد أن يبوح بذلك.
لم يستطع أن يصارح صديقه بالأمر, فلو اتهم صديقه بما جاء في الحلم لكان عليه ان يعود مرة اخرى وينتزع التفسير الأهم وهو لماذا تتحول امي الى قط أسود وتحاول ان تمنعني من اللحاق بالحرامي,, فالكذب مثل الصدق لا يتجزأ, فطالما أنك تؤمن بجزء من الخرافة فعليك ان تؤمن ببقية الخرافة وبقية الخرافة في تفسير هذا المشعوذ تقوده الى التشكيك في أعز إنسان لديه وبذلك امتنع عن توجيه التهمة لصديقه.
كان المشعوذ في غاية الذكاء حيث ربط السرقة وتفسيره لها بأم الرجل, لم يعطه أي تفسير عن وضع امه في الحلم,, تركه يضرب في الصحراء من الوساوس المريضة,, فالمفسر يعرف أن بحث قضية السرقة على المكشوف وتحولها الى الشرطة مثلا قد تؤدي الى نسف نبوءته, يكفيه أنه أقنع الرجل بصدق تفسيره وبذلك استولى عليه وجعله واحدا من زبائنه والمروجين له وهذا حسبه.
لمراسلة الكاتب
Yara 4me @yahoo.com

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved