أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 1st June,2000العدد:10108الطبعةالاولـيالخميس 28 ,صفر 1421

محليــات

لما هو آت
لكِ وحدكِ 26
د,خيرية إبراهيم السقاف
يا سيدتي,,.
لأنني لم أركِ منذ زمنٍ,,.
وما كنتُ أقدر، ولا أزال لا أقدر أن يمرَّ أيُّ زمنٍ لا أراك فيه، فقد جلستُ إليكِ أحدِّثُكِ,,, وأنتِ,,, تعلمين أنني أحدثُكِ دوماً، في كلّ ثانية تعبرُ بي,,.
أناقشُكِ,,, أجادلُكِ,,, أتَّفقُ معكِ,,, أختلفُ معكِ,,, أضحكُ إليكِ,,, أبكي,,,، أقفزُ إلى حِجركِ,,, أتعلَّقُ بأطرافكِ,,, أهذي بين يديكِ,,, أهربُ منكِ,,, أعودُ إليكِ,,, أنسى أنني عاتبة عليكِ هَجرك لي,,,، وأتحدثُ,,,، أتحدث,,,، أُخبرُكِ عن الأوراقِ التي زخرَفتُها وأنا أكتبُ لكِ وعنكِ,,,، عن العصافير التي لملَمتُ المتناثرَ من ريشها بين كفيَّ، عندما كنتُ أُلقِمُها البذورَ في الفجرِ,,,، وأضعُ لها أقداحَ الماءِ ترشُفُه بمناقيرها، الدّاكنة الصغيرة,,,، عن خيوطِ الشمسِ وهي تأتي في إنسيابية، تُلقي إليَّ بتحايا الفجر، تحملُ معها منكِ كلاماً، أعرفُ أنكِ دوماً لا تهملينه كلَّ صباح,,,، عن الشَّفَقِ الذي أنَّ في عُجالتهِ في ضَنَكِ الغروب، يؤكدُ ليَ أنّ دَمَوية البشر تمحوها كميّةُ الصَّفاءِ الذي يملأُ قلبكِ,,,، وأنَّ الوجه الآخر للشفق، يطوي معه خفايا إبتهالات اللاجئين للرب في سماه، وهو سبحانه قريبٌ مجيبٌ,,,، وأنَّ ليس في الكون أصدقُ من لحظاتِ خروج هذه اللحظةِ إلى الإلتحام بصمتِ المساء,,,، وأنين المشتاقين لهَجدَةِ اللّيل، بين يديه تعالى يُعَمِّرُ اللحظات بالعبق الدافىء، والسكينةِ المطمئنَّةِ,,,، ,,, وأحدِّثُكِ ,,, أحدِّثُكِ,,, عن,,, وعن,,.
وعن هذا الشوق لكِ,,.
سأُفضي:
كنتُ كلَّما عاجلَتني دموعي هرَعتُ إليكِ,,.
وكنتُ كلّما باغتتني فَرحَتي هرَعتُ إليكِ,,.
وكنتُ كلّما حوَّم أمرٌ من حولي,,,، لا أجد سواكِ كي أُفضي إليه عنه,,, وبه,,.
وظللتُ هكذا,,.
وبقيتِ لي هكذا,,.
كنتِ بكِ كلُّكِ,,,، أو كنتِ بكِ دونكِ: أنتِ مَن أهرعُ إليها بفرحتي، وبدمعتي، وبكلِّ أمري,,.
ولكن,,,،
من أكون لكِ، وقد تركتِني في حضوري، وتركتِني في غيابي، تركتِني في حديثي، وتركتِني في صمتي، تركتِني بضحكي، وتركتِني بدمعي,,.
وهذا ليس من شيمَكِ، ولا عهدتُ ذلك منكِ,,, ولم تكُني في لحظةٍ تلكَ التي لا تكونُ حيثُ يكونُ إليها من يكونُ,,,,، فما الذي أغراكِ كي تتجشمي دروباً تنأى بكِ عن دَربِكِ؟,,.
هل ازدحَمَت درُوبكِ بكلّ ما أُرسِلُه إليكِ من الحديثِ,,,، والأحلامِ,,,، والضحكِ,,, والدموعِ,,, فهربتِ تبحثين عن سَعَةٍ لا من ينغصُها؟!,,.
تشاركنا معاً المعاناة,,.
وتعلَّمنا أبجديات الصَّبر,,.
وتحاورنا كثيراً حول الشمعةِ في جوفينا، تعزف لنا ألحان المُداراة، والرضا، ومحاولاتِ الإجتيازِ، وأحلامِ النجاح عند مأزق المرور في دروب الحياةِ الشَّاسعةِ، وأماني البَرَدِ يَنزلُ على أتونِ البشر فيطُفىء أتَّقادَ الشَّرِّ فيها ويُبَلسمها كي تنبضَ بوهجةٍ كانت تُدفئُنا في البرد، وتُبردُنا في الهجير,,,، وعندما سقطت دموعُنا، حملنا أكفَّنا إليها، استقبلناها، ولم ندعها تُهدرُ، او تتبخَّر، أعدناها برفقٍ إلى محاجرنا، كي تظلَّ نديّةً لا تجفُّ,,,، واتفقنا على أن الجفاف لن يَلحَقنا,,,، وأننا لن نَعبُرَ كهولة الأَلم، ولا نمُرّ بشيخوخة القلقِ,,,، ونظلُّ ننعمُ بنا كي تكونَ حياتُنا نحن,,,، أنتِ، وأنا,,,، حتى ظننتُكِ في بُعدي لا تكونين، كما أنني كذلك في بعدكِ,,.
ولكن؟ أجدُكِ تمنحين كلَّ إصغائكِ,,,، وكثيراً من ضَحِككِ، وأغلبَ زَمنُكِ، والآن كلّكِ,,, لما هو غيري,,, بعيداً,,, في منأي,,, حيثُ لا أكون,,.
تذكرين أنَّنا اتفقنا أن نلقي ألف الإثنين، ويائهما في ذلك البحر الكبير، حين كان يُلقي بمدِّهِ قربَ أقدامنا، وهو في هيجانِهِ,,,، فطفنا حولَ الأَلِف والياءِ بنونيهما، ثمَّ وضعناها بجوارِ لسانِهِ الذي افترشَ المساحةَ، فما لبثَ أن التَهمها، وعادَ في جَزرِهِ إلى جَوفِهِ، فامتزَجَت بذرَّاته، وغابتّ عنّا,,,، ومُذ ذاك أنتِ وأنا: إنَّا، ونحنُ، فكيف تَفصلين؟ وعن أيِّ الأمواجِ ستبحثينَ كي تعيدَ إليكِ,,, ما أخذه البحرُ؟!,,.
جلستُ إلى كوبِِِ من عصير البرتقال,,.
وحين كنتُ أرشفُ بعض قطراتِه، تذكرتُكِ,,.
لم أضَعهُ جانباً، ولم أدع دموعيَ يستقبلُها كفِّي,,,، مزجتُ العصيرَ بدموعي، وحملتُ فرشاتي، وأخذتُ أرسِمُ فوق حائطي خطوطاً، تنبَّهتُ في لحظةٍ أنَ وَضَعتُ الفُرشاة، إلى أنها شيءٌ قريبٌ من تقاطيعكِ,,,، وأنتِ تعلمين أنّني أُحسِنُ رسمَ الوجوه,,,، ولا يُعجزني وجَهُكِ الذي يَخرُجُ منِّي، إليَّ,,,، وداهَمَتني نغمةُ الدَّانوب، وحفيفُ الشَّجر، ومَوجُ البحرِ، ونداءُ النّورَسِ,,,
ذهبتُ أفتِّشُ عن صندوقِكِ الذي أَودَعتِهِ عندي,,,، وجلستُ إليهِ كي يُرسلَ لي شيئاً منكِ،,,, وكفى,,.
جادلتُكِ، عاتَبتُكِ، نادَيتُكِ,,.
ثم,,, هزَزتُ رأسي وأنا أُلقي إليَّ بلومي,,.
كيف أبحثُ عنكِ,,, وأنتِ هنا,,, لم تغادري,,,، ولن تَفعلي,,,، وعدتُ أسامِرُكِ قصصي، وأهازيجي، وشيئاً من شوقي,,,، ودموعي,,, و,,, كفى

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved