أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 2nd June,2000العدد:10109الطبعةالاولـيالجمعة 29 ,صفر 1421

أفاق اسلامية

من هدي القرآن
تشريع القصاص
د, نبيل بن محمد آل إسماعيل *
جبل الآدميون على الاختلاف والتنازع بعد أن حادوا عن الفطرة وتنكبوا الطريق المستقيم, وقد ذكر القرآن هذه الظاهرة بقوله :(ولا يزالون مختلفين* إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم,,).
وقد يصل بهم النزاع إلى التعدي على الجوارح أو النفوس جميعاً، ولو تركوا وشأنهم على هذا النحو لأضحت الحياة جحيما لا يطاق!!! كما أن الواقع المر في كثير من البقاع أثبت فشل القوانين الوضعية في معالجة هذه الأمور بصفة خاصة، وفي بقية الأمور بصفة عامة.
ولا عجب في ذلك، فالواضع للقانون البشري علمه محدود، ولا تخلو نفوسهم من العلل والآفات التي تجعل علاجهم للأ داث قاصراً، بل يزيدها تفاقماً وتعقيداً !!
أما تشريع الباري عز جاره ولا إله غيره فهو العلاج الناجع والدواء الشافي لأن علمه بكل شيء محيط، وإرادته نافذة,, قال تعالى (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) ، وقال سبحانه (فعال لما يريد).
وقد بلغ أهل الجاهلية مبلغاً كبيراً في الجهل والتعدي والتعالي على الآخرين,, فعن قتادة: أن أهل الجاهلية كان فيهم بغي وطاعة للشيطان، وكان الحي منهم: إذا كان فيهم عدة ومنعة، فقتل عبدهم عبد آخرين، قالوا: لن نقتل به إلا حرا، تعززاً لفضلهم على غيرهم, وإذا قتلت امرأة منهم امرأة من آخرين، قالوا: لن نقتل بها إلا رجلاً، فأنزل الله:(ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى,,).
وروي عن سعيد بن جبير: أن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل فكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء، فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا , فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال، فحلفوا ألا يرضوا حتى يقتل بالعبد منا الحر منهم، وبالمرأة منا الرجل منهم ,, فنزل فيهم: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى ,,,).
لذا فقد تداركت رحمة الله العالمين فشرع لهم الحدود والقصاص ,, فعلى المؤمنين أن يقتصوا للقتيل من قاتله، ولا يبغي بعضهم على بعض، فإذا قتل الحر الحر قتلوه به،وإذا قتل العبد العبد قتلوه به، وإذا قتلت الأنثى الأنثى قتلوها بها، تشريعا قائما على العدل والمساواة,, فلا يقتل بالحر أحرار، ولا بالعبد حر، ولا بالأنثى رجل، فإن ذلك ظلم وعدوان.
فإذا علم القاتل أنه سيقتل بالمقتول: كف وانزجر، فتحققت الحياة للخلق جميعا,, (ولكم في القصاص حياة,,,,).
وما يزعمه من لا خلاق لهم من رجال القانون : أن القصاص فيه غلظة ووحشية، وأن من الرحمة : الاكتفاء بالحبس أو الغرم المادي، فهذا كلام من سلب عقله، وزالت رحمته، فقد تناسوا القتيل، وأن من الرحمة الإبقاء عليه، وهكذا اختلطت عليهم الأمور، فعالجوا خطأً بخطيئة، حتى عم الفساد وتنوعت المصائب والفتن، واختل الأمن من جراء بعدهم عن تشريع الحكيم الخبير.
ومن منهم يجرؤ فيزعم أنه أرحم من أرحم الراحمين؟!!! ألا لعنة الله على الظالمين.
ولم يقف القرآن عند هذا الحد، بل رغب في العفو ووعد عليه الثواب الجزيل (,,, والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)، (وجزاء سيئة سيئة مثلها، فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين).
وعلى هذا، فمن عفي له من أخيه شيء,, فانتقل الأمر من القصاص إلى الدية، فليحسن ولي أمر الدم في الطلب بلا امتنان ولا تعنيف، وليحسن الدافع من غيرمماطلة ولا تسويف.
ومنهم من سما بإيمانه عن هذا وذاك فعفا بالكلية: بلا قصاص ولا دية، وفي مقدمتهم : أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم إذ لما نزل عليه قوله تعالى في أعقاب أحد,, (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) قال : بل أصبر.
ولما مكنه الله تعالى من رقاب المشركين يوم الفتح قال لهم : ماتظنون أني فاعل بكم؟! قالوا :خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء .
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من القائمين على حدود الله، المؤتمرين بأمره، المنتهين بنهيه، الراضين بشرعه، المسلِّمين لحكمه, (آمين).
وصلى الله وسلم وبارك على خير قدوة وأسوة وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقهم إلى يوم الفصل بين الخلائق.
*وكيل قسم القرآن بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved