أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 2nd June,2000العدد:10109الطبعةالاولـيالجمعة 29 ,صفر 1421

أفاق اسلامية

فاعتبروا يا أولي الأبصار
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
الشيخ عبدالرحمن بن سعد الزير *
لعلماء الإسلام الربانيين العاملين مكانة مرموقة في نفوس المسلمين تتمثل في حبهم والتلقي عنهم بالقبول ومعرفة فضلهم فهم مصابيح الدجى وورثة الأنبياء,, يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله العلماء هم ورثة الأنبياء الذين جعلهم الله بمنزل النجوم يهتدى بهم في ظلمات البر والبحر، وقد اجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، إذ كل امة قبيل مبعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم علماؤها شرارها إلا المسلمين فإن علماءها خيارهم, لانهم خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته والمحيون لما مات من سنته بهم قام الكتاب وبه قاموا وبهم ينطق الكتاب وبه نطقوا (انتهى كلامه رحمه الله قال تعالى: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون).
ولذا فإن من الواجب علينا تجاه العلماء الالتصاق بهم والأخذ عنهم وعدم قطع الأمر دونهم فهم أولو الأمر والإفادة من علومهم وآدابهم وتجاربهم في العلم والدعوة، كما تجب محبتهم والدفاع عنهم والذود عن أعراضهم في حياتهم وبعد مماتهم.
أقول ذلك وانا اتذكر بين الحين والحين علامة الجزيرة الشيخ عبالله بن زيد آل محمود رئيس المحاكم الشرعية في قطر (سابقا) رحمه الله وأسكنه فسيح جناته, لقد عرفت الشيخ منذ عرفت نفسي حيث كان يتردد على زيارة مسقط رأسه (الحوطة) كل صيف وينزل في مزرعته المعروفة بالبرقة يتبعه في ذلك جميع ابنائه وازواجه وخدمه وحاشيته، ويستمتع أيما استمتاع بقضاء تلك الايام الحارة في تلك الربوع لانه كان يصل بذلك أرحامه وأقاربه وجيرانه ويطرب للجلوس معهم وتفقّد احوالهم، ويعلم أبناءه ذلك تعليما عمليا حتى لا تأخذهم الغربة والنسيان فينسوا اهلهم وديارهم لأنهم ولدوا ونشأوا في دولة قطر.
واستمر الحال على ذلك كل عام حتى كبرت سنه وضعف بصره وجسمه فاشفق عليه أبناؤه من وعثاء السفر ومشقة الطريق حيث كان ملحا عليهم راغبا في زيارة تلك الديار دون جدوى وليتهم فعلوا والله المستعان.
كانت تلك البلدة الصغيرة تنقلب الى حاضرة كبيرة بدخول الشيخ العالم الفاضل اليها، إذ يقوى سوقها وتكثر فيها الصدقات وتقام فيها الولائم ويزورها عامة الناس وخاصتهم من المناطق المحيطة بها للسلام على الشيخ والتشرف بدعوته لزيارتهم، وما كان يتردد في إجابة احد حسب الإمكان لانه وهو الكريم المتواضع بحبهم جميعا ويواسيهم جميعا.
يتردد في نفسي شعور خاص تجاه الشيخ ينم عن حب وإعجاب كبيرين واطيل التفكير مليا فيما حباه الله وخصه من الخصال والأفضال التي قلما وجدت لغيره, فقد اجتمع في حقه الجاه والشرف والعلم والكرم وصلة الرحم والإحسان الى الفقراء والمساكين وكثرة الاولاد والأموال وحسن الصوت والجرأة في قول الحق والاجتهاد وطول العمر وحسن العمل، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله احداً، فقد كان خطيبا مفوها فصيحا توصف خطبته بالسهل الممتع وتتميز فتاواه بالتيسير والتدليل، فهو يردد دائما: الفقيه من يحل وليس من يحرم، وكان حريصا على تربية اولاده ناصحا لولاة الأمر وعامة الناس، وله حافظة قوية ومعرفة بالانساب ويحفظ الكثير من الاشعار وأقوال سلف هذه الامة، وكان شديد المحبة والتأثر بشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله فقد اثر عنه قوله شيخ: الاسلام حبيبنا وليس ربنا ولا نبينا.
ويكفيني في هذه العجالة ان اشير الى امرين عظيمين لاحظتهما وعايشتهما معه - رحمه الله -، أولهما: أنه قام بعد صلاة الجمعة في المسجد الكبير في حوطة بني تميم وذكر فضل العلم ووجوب التعلم للأبناء والبنات وان هذا من الدين بالضرورة لانه قد علم أن بعضا من الجهلة عن حسن الظن منعوا تعليم بناتهم وفتح المدارس لتعليم البنات في تلك المنطقة فسفه عقولهم وبذل النصح لهم لتعليم البنات أسوة بالبنين وانهم ربما كانوا في الأهمية والنفع على السواء.
وهذا مصداق لما قلته آنفا انه كان جريئا شجاعا في قوله الحق لا يخاف في الله لومة لائم ومع أنه قوطع رحمه الله اثناء تلك الكلمة وحصل كلام هنا وهناك من قبل بعض المعارضين داخل المسجد إلا ان الموضوع قد حسم لاحقا واصبح الذين ينهون عنه بالامس يتمنونه ويطالبون به وقد شهدت ذلك الموقف حينما كنت غلاما صغيرا وعلمت شدة وقعه على نفسه رحمه الله .
والثاني أننا كنا نرغب في زيارة الشيخ في قطر مع بعض الزملاء حين تتاح الفرصة، فقد كان يفرح بمن يقصده ويزوره وقد اعد للضيوف منزلا مهما طالت إقامتهم يشاركهم الشيخ في وجباتهم وقد تصل إليهم في غرفاتهم داخل قصره ويختار لهم المرافقين من ابر وارفق اولاده ويوصيهم بالضيوف خيراً.
وعند انصراف الضيوف لابد ان يقدم لهم الهدايا والمساعدات المالية المعتادة ويقول وهو يقدم ذلك كلمته المشهورة (نرزقكم مما رزقنا الله).
أما تربيته لاولاده فشيء لا يصدق ولا يمكن وصفه اذ لابد من خروجهم جميعا معه الى المسجد حيث يسكنون في مجمع كبير يتقدمهم بنفسه ويتأخرون عنه بخطوات ثم يتقدمهم للصلاة ويلقي نظرات التفقد لهم ويسأل عمن تأخر منهم، ثم بعد السلام والانصراف من الصلاة يبقى الشيخ في المسجد قليلا للتسبيح والذكر والتنقل والابناء والخدم ينتظرون عند باب المسجد، فإذا خرج الشيخ اصطفوا صفين بلا تكلف وسلموا على الشيخ وأفسحوا له الطريق لينزل ثم يتأخرون عنه خطوات ليمشوا خلفه.
رحم الله الشيخ المجتهد وجمعنا به في عليين وعوض المسلمين فيه خيرا وللحديث تتمة.
* كوالالمبور ماليزيا
mustashar@makloob.com

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved