أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 3rd June,2000العدد:10110الطبعةالاولـيالسبت 1 ,ربيع الأول 1421

الاخيــرة

التحويلة
أنور عبدالمجيد الجبرتي
* الذين أبحروا مع مدننا، خلال نهضة التسعينات الهجرية من القرن الماضي، والعشرة الأولى من القرن الحالي,, سيذكرون,, بلاشك عشرات التحويلات التي طوحت بهم يمينا وشمالا، وأخذتهم رغم أنوفهم الى أنحاء لم يقصدوها، ومنعطفات لم يفكروا في ارتيادها.
* والذين عاصروا بداية تحويلات عقود التنمية الأخيرة تابعوا التطور الكبير الذي مرت به التحويلة منذ أن حَبَت حييّة,, مترددة,, في عهدها الأول.
* كانت التحويلة في طفولتها,, عفوية,, متخلفة,, غير واضحة المعالم,, والأبعاد.
* وكان السائقون,, يصنعون تحويلاتهم بأنفسهم,, ويتفننون في اختصارها,, والدوران بها حول العقبة التي تواجههم.
* لم يكن من المستغرب أو النادر حينذاك أن تشاهد عددا كبيرا من الطرق التحويلية تتفرع حول العقبة في تنافر,, وتقاطع سيريالي عجيب.
* وما أكثر التحويلات التي كان يتبعها المرء عن حسن نية ليجد نفسه أمام طريق مسدود.
* وما أكثر التحويلات التي كانت تلف حول نفسها,, لتعود بك الى نقطة البداية.
* وكم من تحويلة صنعتها شاحنات كبيرة، فأضاعت كثيرا من السيارات الصغيرة التي حاولت تقليد الكبار قبل أن تشب عن الطوق، وأوقعتها في مآزق ومهاو,, وتغريزات لا قِبَل لها بها.
* لكن التحويلة المعاصرة رغم أنها ما زالت تحتاج الى التهذيب والتشذيب غدت أكثر تنظيما وانضباطا.
* فتسبقها عادة اشارات تنبهك الى اقترابها، وتحذرك من منعطفاتها، وكثيرا ما تضيء هذه التحويلات ليلا,, فتحيل العتمة الى مهرجان ملون,, تتراقص أضواؤه المنشورة على ضفافها المتناثرة في أنحاء المدينة.
* بل وبلغ التعظيم والتكريم لآداب واتيكيت التحويلة المعاصرة,, أن خُصص لها في بعض الأحيان رجال لهم خوذات,, يتصرفون بانهماك وانضباط تفيض به ملامحهم الآسيوية,, كما لو كانوا يحرسون قبر الجندي المجهول.
* لقد أنهت التحويلة الحديثة,, عصر العفوية القديم,, فلم تعد الحرية متروكة للسائقين,, كي يهيموا على وجوههم في الأزقة والحواري حتى يجدوا لهم طريقا,,ومنفذا.
* وتم ترشيد التحويلات وهدايتها على نحو أكمل لها الى درجة كبيرة عناصرها المؤسسية والاجرائية، ونستطيع القول إنه على الرغم من الضجيج، والتزاحم الكبير في شوارعنا فإن التحويلة بحق تعتبر أكثر عناصر الشارع المعاصر,, انضباطا وترشيدا.
* علمتنا التحويلة المعاصرة أشياء كثيرة.
* تعلمنا منها أن الخط المستقيم ليس بالضرورة أقرب المسافات بين نقطتين,, إذ أن ما نظنه خطوطا مستقيمة,, تورطنا عادة في تحويلات طويلة ,, تلف بنا,, وتهيم بمركباتنا ، وتستهلك من وقتنا وجهدنا قدرا كبيرا,, كنا سنوفره لو قررنا عن قصد وتصميم سلوك الطرق الأخرى الطويلة.
* وتعلمنا من التحويلة المعاصرة,, ألا نركن الى النمطية والرتابة في مشاويرنا اليومية، فهناك شوارع، ومنعطفات تغلق، وتفتح بين يوم وليلة، وهناك شوارع جانبية ناعسة، تتحول في ساعات قليلة وأمام أنظار ساكنيها الى شوارع رئيسة,, صاخبة,, متدفقة بطوفان من السيارات والبشر.
* ولذلك فلم يعد في مقدورنا أن نعتمد على الطرق المألوفة، والمسالك المعتادة، وأصبح الوصول الى جوانب المدينة الأخرى,, اختبارا,, مستمرا ومنهكا في مهارات التجاوز، والتخطي، وتمرينا مكثفا على الصبر، وسعة الصدر، وتخيل الجانب المنبسط,, المستقيم من الأمور والأشياء الملتوية,, والمتعثرة.
* غدت التحويلة بكل دلالاتها التنظيمية والحضارية وانعكاساتها النفسية والاجتماعية مؤسسة ,, معاصرة,, مألوفة.
* ولعل الجيل الجديد الذي يستمتع بكثير من الخدمات والمرافق التي تم تأسيسها لن ينسى أن أسلافه,, أمضوا ساعات طويلة,, وأميالا أطول,, مع مخلوق غامض,, مثير,, اسمه:
التحويلة .

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved