أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 4th June,2000العدد:10111الطبعةالاولـيالأحد 2 ,ربيع الاول 1421

مقـالات

شدو
الدكتور : فارس الغزي
مدينة الرياض ونظرة على المنظور القادم
نشرت مجلة تايم الأمريكية في عددها الأخير ما يقارب من 24 مقالة تدور حول ما يجابه كوكب الأرض من أخطار (إنسانية) قاتلة وما هي أفضل السبل لتقليل تلك المخاطر, ومع أهمية وحيوية كافة تلك المقالات، فقد لفت نظري على وجه الخصوص مقالة معنونة: كيف نوقف سكان الضواحي الحضارية من التهام المزيد من الأراضي التي يحتاجها الفلاحون والحيوانات البرية ,, وسكان الضواحي أو ما يطلق عليهم Suburbia ، هم طبقة الأغنياء الذين يفضلون الاستقرار في الضواحي المحيطة بالمدن الكبرى هربا من الازدحام والجرائم والاختلاط بالطبقات الاجتماعية الأخرى من الفقراء والملونين ومن في حكمهم,, هذا وقد استعرض كاتب تلك المقالة صورا وظواهر بيئية سلبية لا تبشر، في الحقيقة، بالخير، مدعما قوله بأمثلة مما أطلق عليه مسمى (غابات الأسفلت) من مراكز سكنية وتجارية تنتشر انتشار النار في الهشيم في المدن الغربية والشرقية، على حد سواء.
ومما لا ريب فيه أن مشكلة كهذه عالمية الطابع، بدليل أنها تشهد استفحالا منقطع النظير في دول العالم النامي وذلك بسبب ما يعرف علميا بالتوسع غير المقيد للعمران والذي نرى أبعاده واضحة كل الوضوح في مدينة الرياض كنتيجة تلقائية لتزايد أعداد السكان سواء عن طريق الزيادة الطبيعية أو غيرها من هجرات وخلافه، وهي عوامل تعتبر من الأسباب الرئيسة وراء ظاهرة المبادرة (بسفلتة وإنارة) الأودية والهضاب والمناطق الطبيعية المحيطة بمدننا ومن ثم استثمارها تحت مسمى (مخططات سكنية) غير عابئة بما تحمل من محاذير مستقبلية للبيئة: الطبيعية والبشرية، على حد سواء.
لن أوغل ولضيق الحيز في شرح تفاصيل حيثيات تلك الظاهرة التي أطلق عليها كاتب المقالة مشكلة تشويه الجمال ، ومع ذلك أجد أنه من الاهمية بمكان تلخيص ما رآه هذا الكاتب من حلول يرى أن من شأنها تطويق المشكلة والتخفيف منها فقط وذلك مرده، وحسب ما ذكر الكاتب، استحالة القضاء عليها نهائيا, هنا أرجو مراعاة كون تلك الحلول تدور حول التجربة الغربية والتي رغم خصوصيتها فهي ذات أبعاد عالمية تتضح يوما بعد يوم في العالم النامي.
الحل الاول يكمن في ضرورة وضع حدود للنمو والتوسع العمراني، السكني منه والتجاري, ويضرب لنا المؤلف مثالاً على نجاح التجربة المتمثلة في القانون الذي أصدرته ولاية أوريجن في أمريكا عام 1979 والذي نجح في وضع حد للتوسع العمراني لمسافات معينةخارج مدينة بورتلاند الأمريكية, هذا وعلى الرغم مما تسبب به هذا النظام من استفحال في أسعار العقار داخل مدينة بورتلاند، فهو يظل كما يقول الكاتب (أخف الضررين),, الحل الثاني يكمن في قيام الحكومة بشراء الأراضي المحيطة بالمدن أو نزع ملكيتها وإبقائها على ما هي عليه،وذلك كما فعلت حكومة ولاية نيوجرسي في أمريكا وبعض المنظمات الخيرية التي تعنى بالبيئة في دولتي اليابان وتشيلي,, الحل الثالث وهو بالمناسبة حل سوف تتضح أهميته لنا في المنظور البعيد فيرى المؤلف أنه يتعين في التوسع في إنشاء وسائل النقل من قطارات وحافلات ومن ثم تركيز محطات تلك الوسائل سواء الناقلة للمواد أو للبشر حول المدينة مما سوف يضرب حزاما (اقتصاديا) من شأنه الحد من التوسع العمراني / التنموي, بصيغة أخرى: يرى كاتب هذا المقال ولأسباب اقتصادية / نفسية أن التنمية والمشاريع المتعلقة بها سوف تتمحور حول تلك المحطات مما سوف يحد من توسع الشركات في الضواحي والمناطق المحيطة في المدن، وذلك لأسباب تتعلق بالتوفير مادة ووقتا,, آخر تلك الحلول يتمثل في إنعاش أوساط المدن وتهيئةما اندثر منها، ليس للتجارة فقط بل وللسكن كذلك، مشيرا إلى إيجابيات قانون إتخذته إدارة الرئيس الأمريكي (بل كلينتون) عام 1996 الميلادية بخصوص إجبار كل المكاتب الفيدرالية الحكومية (الجديدة الإنشاء) على التمركز في أوساط المدن بل والحرص على اتخاذ المواقع التاريخية كمقرات لها، وهذا الأمر فيه تشجيع وإغراء على إحياء (أوساط المدن) اقتصاديا وتاريخيا واجتماعيا مما يعني (الحد) من الاسراف في الانتشار على أطرافها وضواحيها.
وتبقى همسة أخيرة في أسماع المعنيين على تخطيط مدننا العزيزة فحواها الرجاء بمراعاة الارتباط الوثيق جدا بين ما يستجد من مظاهر اجتماعية وما سوف تكون عليه مدننا مستقبلا،أقول قولي هذا لكوني من المؤمنين بأن المدن، ذاتها، ليست سوى (ظواهر اجتماعية) تعكس الواقع وتتفاعل معه وتنبثق منه وتتشكل حسب طبيعته، وهو امر تتضح أبعاده بمجرد ملاحظة ما قادت إليه مثلا ظاهرة استجدت في السنوات الأخيرة ألا وهي ظاهرة الاستقلال السكني لدى المتزوجين والعزاب على حد سواء وما تبلور عمرانيا واجتماعيا من لدن ظاهرة كهذه آملا في الوقت نفسه ، بذل كل ما في الوسع من أجل تفعيل طرائق المشورة وتبادل الخبرات بين مخططي مدننا ومراكزنا الحضارية والقروية توفيرا للمال والوقت والجهد.
ختاما، أصدقكم القول إنني كلما أحسست (بخلجة) تشاؤم من عواقب ظواهر حضارية وحضرية كتلك المذكورة آنفا، فسرعان ما تتبدد وتعتريني الطمأنينة على مستقبل رياضنا العزيزة وذلك في أعقاب كل مرة أقرأ فيها خبرا يخص انعقاد الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض برئاسة إنسان لا يفتأ ينذر نفسه وجهده الجهيد وحكمته تطويراً وحفاظا على هوية محبوبته الرائعة ، ذلك الرجل هو صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز رعاه الله وحفظه الله للرياض وحفظ الرياض له.
*للتواصل: ص, ب 4206 رمز 11491 الرياض .

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved