أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 7th June,2000العدد:10114الطبعةالاولـيالاربعاء 5 ,ربيع الاول 1421

مقـالات

منعطفات
نحن وقلق الانفصال (الأخير)
د, فهد سعود اليحيا
عندما قدم بولبي دراساته حول قلق الانفصال (نعني انفصال الطفل عن أمه، لمن فاته الجزآن السابقان) توالت الأبحاث وكان جلها يدور حول الآثار النفسية الناتجة عن انفصال قصير الأمد, ثم تطور هذا المبحث في اتجاهين هما: انفصال الطفل عن الأب أيضاً، وكذلك في دراسة الآثار بعيدة الأمد, أي ما قد يلم بهؤلاء الأطفال وهم راشدون من جراء قلق الانفصال في الطفولة، وقد ذكرنا في الجزء السابق ان الاكتئاب، والسلوك المضاد للمجتمع، وتأخر النمو الذهني والجسدي، من ضمن تلك الآثار, فكيف تنشأ تلك الآثار وكيف يستمر أثر قلق الانفصال؟.
إحدى أهم مشاكل الأطفال هي نحن الراشدون! فنحن لا نكترث بمعاناتهم، ولا نراعي مشاعرهم، ولا نثمن خبراتهم النفسية، رغم أننا نحبهم ونسبغ عليهم الرعاية والحنان كما نزعم, فعندما يعبر طفل عن مشاعر سلبية: خوف، غضب، غيرة,,, الخ, فإن أفضل ما يفعله البالغ هو مصمصة شفتيه والقول بحنان الحمد لله! وهذا شيء يخوف؟ أو الحمد لله! وهذا شيء يزعل؟ ! وكثيراً ما يقدم الوالدان شكلاً متناقضاً يولد الارتباك والانزعاج والقلق لدى ذلك الطفل غض العود, فمن ناحية يعامله والداه على أنه طفل، ويشيران إليه بذلك، ويؤكدان أنه كذلك، ويصران على أنهما يعرفان ما لا يعرف، وأنه إذا كبر سيعرف و,, و,, ولكنهما في مواقف أخرى يطلبان منه التصرف كأنه راشد بالغ عاقل ،يريدان منه أن يحكم العقل والمنطق في تصرفاته ومشاعره! باختصار يريدانه أن يصل في أيام، إلى ما وصلا إليه خلال رحلة نموهما.
لذلك فعندما يفتقد الطفل من يرعاه ولا يجده فإنه في البداية يقلق ويبحث ويعبر عن انزعاجه بوسائل شتى, ثم عندما يتيقن أن الفراق أمر واقع فإنه وبحكم منطقه الذاتي يصل إلى نتائج مرعبة تنحصر في انه ليس طفلا طيبا، جيداً، جديراً بالحب والحنان، وببقائها معه ولذلك هجرته, أو أنها إنسان قاسٍ، شرير، جديرة بالكره والغضب إذ تهجر من تحب ويحبها بسهولة, وكل المشاعر التي تنجم عن الانفصال لا تعدو كونها تنويعات على هذين الخطين.
وفي غياب مراعاة مشاعر الطفل، وغياب الراعي الجيد البديل، يلعق الطفل جراحه ولكن هاجساً، بل هواجس، تعتمل داخله, أي موقف غير طيب يمر به سيؤكد منطلقاته: انه غير جدير بالحب، وأنه ليس قمين بالتقدير، وانه دوماً محل السخط، أو أن من حوله يتعمدون الاساءة إليه,,, الخ, وفي نفس الوقت يتعلق بمن ينشىء معهم روابط وعلاقات ممن هم حوله, ولكنه عندما يستشعر أن أحدهم ينوي السفر أو الغياب فإن المخاوف المكتومة تتفجر صارخة في أعماقه مذكرة بذلك الانفصال العنيف، ويحدث تكريس لاثاره ما لم يكن هناك طمأنة وتأكيد لا لبس فيه بالحب والتقدير.
قد يكون من السهل تخيل الانفصال المكاني، ولكن الانفصال المعنوي له آثار سالبة ربما تكون أشد وطأة, فوجود أحد الوالدين بجسده وغيابه بمشاعره وإحساسه (ليس هذا فحسب، بل ان تقديم مشاعر الحب والحنان والحماية يجب ان تقدم في جو صحي مفتوح) أن يزيد من معاناة الطفل ويؤكد له أحد أمرين جوهريين الأول أنه ليس جديراً بالاهتمام او ان الآخرين قساة شرسون لا يجدي معهم إلا السلوك العنيف (المضاد للمجتمع).
وسأدع الكلام للدراسة التالية فهي ابلغ من ملايين الخطب: قام بيك وهافيجرست بدراسة منهجية مقننة وتتبعية وعلى مدى سبع سنوات لمجموعة من الاطفال في مدينة صغيرة في الغرب الأمريكي, حيث أخذوا عينة عددها 120 طفلا في العاشرة من العمر تمثل كل الأطفال المولودين في سنة معينة, ثم قاموا وبالاستعانة بوسائل بحثية معروفة بغربلة هذه العينة ليخرجوا بعينة أخيرة تتكون من 17 ولداً و17 بنتاً (34 طفلاً) وتم تطبيق عدد من المقاييس والاختبارات عليهم وأعيدت بعد سبع سنوات اي عندما بلغ الاطفال سن السابعة عشرة من العمر وتم تقسيم الاطفال حسب النتائج إلى ثماني فئات, وبالصدفة المحضة أجريت دراسة على عائلات هذه المدينة، وذلك عندما كان الأطفال 13 و14 عاماً من العمر, وكان مزج نتائج الدراستين مبعثاً لنتائج غاية في الإثارة, وكانت النتائج كالتالي:
أنواع الأطفال وما يتميزون به
1) اللاأخلاقي: عدم الادراك الدقيق للمواقف الاجتماعية وعدم القدرة على التحكم بالذات والسلبية والعدوانية.
2) الوسيط (بين اللاأخلاقي والنفعي).
3) النفعي : انتهازيون ويأخذون الطرق السهلة حيث يتلاعبون بمن وبما حولهم للوصول إلى مصالح شخصية ويتجنبون الواجبات الاجتماعية وغير قادرين على التعرف على الدفء والعون الإنساني.
4) الاندفاعي: ضمير بدائي جاف وعدم اهتمام بالآخرين, يشعرون بسوئهم إلى حد ما ولكنهم يقدمون أنفسهم في مظاهر تبدو ملائمة وإن كانت غير واقعية، يسعون بقوة ولكنهم لا يجدون سعادة حقيقية.
5) الممتثل: عدوانية مكبوتة بحكم الضمير الرادع, وبعض الاكتئاب وهم نسبياً في طمأنينة نفسية ولكن ينقصهم التوجه الذاتي ويمتثلون لمطالب من حولهم.
6) الضميري غير العقلاني: متزمتون وعدوانيون إلى حد كبير, قطعيون في أحكامهم الذهنية ويحصلون على بعض من الإشباع البارد بالتزامهم الشديد بحرفية القوانين ويحترمهم أندادهم ولكن لا يحبونهم.
7) المتكامل جيداً ولكن دون النوع الثامن: درجة عالية من المعقولية والصداقة والدوافع الغيرية والاستقلال الذاتي والتلقائية.
8) الغيري المتعقل: متكاملون جداً وناضجون وجدانيا ويمتلكون قواعد اخلاقية داخلية متماسكة ودودون ولا يبحثون عن السعادة بالانفعال العالي.
الأسر وسماتها
وجد الباحثون أن أهم بعدين في العلاقات الأسرية هما، أولاً، الثقة والعون المتبادل بين الطفل والوالدين: حيث يقبل الوالدان الطفل كما هو ويمنحانه حباً وإطراء كبيرين ويمنحانه درجة كبيرة من الثقة فلا يراقبانه بدرجة لصيقة ويشعر الطفل بالحرية في المناقشة مع والديه ويشجعه والداه على عمل صداقات ويرحبان بأصدقائه, كما أن العلاقات بين الوالدين متوافقة ومتجانسة, وثانياً تماسك الحياة العائلية: انتظام الروتين اليومي والمشاركة المتكررة من قبل افراد العائلة في النشاطات المشتركة.
وتقدم الدراسة وصفاً للعائلات المميزة للأطفال في المجموعات الخمس الأكثر تميزاً:
عائلات الأطفال غير الأخلاقيين: غير متماسكة، وتتميز بالارتياب في أطفالها، وبعدم التجاوب معهم إلى حد كبير.
عائلات الأطفال النفعيين: الوالدان رقيقان في التربية، ولكنهما غير متسقين, ويُمنح الطفل حرية عشوائية للقيام بما يريد، ويوافقانه على ذلك.
عائلات الأطفال الممتثلين: عائلات شديدة التحكم، وقوية الردع، وتتميز بعدم الثقة, وإذا كان الأبوان غير منسجمين فإن الطفل ينزع لأن يكون من النوع اللاأخلاقي.
عائلات الأطفال من النوع الضميري غير العقلاني: متشددة، ولا توجد ثقة متبادلة بين الأطفال والوالدين.
عائلات الأطفال الغيريين المتعلقين: الوالدان متجاوبان مع الطفل ونشاطاته وأصدقائه.
كما ان الأبوين متماسكان فيما يطلبانه من الطفل، ولا يتم تعديل السلوك بقسوة جافة، بل جو مفتوح للمناقشة.
لا تعليق!!.
fahads@suhuf.net.s

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved