أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 9th June,2000العدد:10114الطبعةالاولـيالجمعة 7 ,ربيع الاول 1421

تحقيقات

الرحلة إلى حقل الطيور السوداء كوسوفا بولي -الجزء الثاني
*حلقات يكتبها: حماد بن حامد السالمي
مبعوث الجزيرة إلى كوسوفا
* الساعة الاولى في برشتينا.
* كان هذا ما توقفت عنده في ختام الجزء الاول من هذه الرحلة الى اقليم كوسوفا,, وفي ظني ان رحلة كهذه لمثلي ,, ولآخرين,, لم تكن لتكون يوما ما لو لم تقع الفاجعة,, أقصد اننا في عالمنا الاسلامي لا نتذكر بعضنا الا في اللحظات الأخيرة الماحقة,, لا نتحرك حتى تقع الفأس في الرأس.
* هذا خاطر خامرني وأنا داخل المصعد في طريقي من الدور السابع الى الدور الأرضي لفندق جراند ذي الخمس نجوم اسماً,.
* لو امتد التواصل والدعم لمسلمي كوسوفا من اخوانهم المسلمين في العالم الاسلامي قبل هذا الوقت بوقت كاف هل كان حدث ما حدث بهذه الصورة الفاجعة؟
* قلت مرة أخرى: أين تركيا المسلمة من أبنائها الألبان؟ هل نسي الأتراك تاريخهم ومجد عظمائهم من السلاطين أيام الدولة العثمانية الذين فتحوا هذه البقاع قبل سبعمائة سنة؟ ونشروا الاسلام ودافعوا عن ابناء جلدتهم في جمهوريات البلقان وجنوب روسيا.
* لماذا لا نرى علم تركيا الدولة المسلمة هنا في هذه السهول الخضر التي ما كانت الا عثمانية اسلامية حتى العام 1919م!
* لماذا لا نرى وجودا وحضورا الا لدول مثل المملكة العربية السعودية والكويت والامارات وسلطنة عمان وقطر الى جانب الهيئات الدولية التي تنتمي الى دول أوروبية وشرقية,,؟ أين أولئك الذين يرفعون شعار الاسلام عند اللزوم ,, ويرجعون أنسابهم الى المصطفى صلى الله عليه وسلم عند اللزوم .
* لماذا وقف بعض الحكومات العربية والاسلامية الى جانب الصرب المسيحيين المعتدين ضد ألبان كوسوفا المسلمين,,!
* إنها مفارقة وأي مفارقة,,؟
تحذير,,؟
* منذ الساعة الاولى التي قضيناها في تبديل ملابسنا في الفندق والاستعداد للانطلاق الى مقر اللجنة المشتركة والتحذيرات تترى من مجهول,,؟
* مجهول بالنسبة لزائر مثلي يطأ البلاد لأول مرة.
لكنه معلوم عند أبناء برشتينا ومن ساكنهم هنا.
* لا تخرج وحدك, قد تقتل.
* الخروج ليلا فيه مجازفة كبيرة, لا يوجد أمن البتة.
* اللصوص في كل مكان,, فاحذر.
* لا تتكلم بلغة صربية أبدا,, مع انها لغة الكوسوفيين,,!
كيف أتكلم بلغة لا أعرف أبجدياتها!!
* بين كل قرية وقرية ألبانية,, يوجد قرية صربية ومن يدخل هذه القرية يقتل ان اشتبه بأنه مسلم أو من دخل قرية ألبانية مسلمة يقتل ان اشتبه بأنه صربي.
* كيف ينجو مثلي من تهمة أنه مسلم,,؟
* أما صاعقة هذه التحذيرات فجاءت على لسان أحد منسوبي المكتب الاقليمي السعودي للجنة المشتركة في برشتينا, قال لنا بالحرف: قبل اسبوع فقط كنا قريبا من بوابة هذا الفندق فكان أحد قادة جيش كوسوفا يقف على البوابة أمامنا فضرب أمامنا برصاصة من جهة مجهولة وسقط ميتا أمامنا، لا ندري من قتله,,! يا للهول,, كثير منا تحسس رأسه وبلع ريقه بصعوبة بالغة,,!
* زميل آخر له قال: بأنه خرج ذات ليلة يتسوق فهاجمه فرد من قوات K FOR ورماه أرضا وسحبه ولم يتركه حتى تأكد من كل بياناته!
* قلت لنفسي هذه المرة: ما هذه المقدمة التي تواجهنا في هذا البلد.
* لكن,, ماذا ننتظر في بلد خارج لتوه من حرب شرسة استهدفت حتى شرفه وكرامته,؟
* يقول فريدريك شيللر 1799م : تترك الحرب البلاد وفيها ثلاثة جيوش: جيش العاجزين وذوي العاهات وجيش الباكيات وجيش اللصوص!
* وحيث لا يوجد قوانين ولا حكومة ترعى هذه القوانين، فان كل شيء يقفز الى درجة المحتمل والممكن.
* ألم يقل شيشرون في السنة 52 قبل الميلاد، بأن القوانين تصمت وسط الأسلحة,,؟
* من السهل التحقق من مثل هذا من حركة الشارع ونبض الحياة,, فالعجزة ومشوهو الحرب والمنتفعون من اللصوص جميعهم في مكان واحد لأنه لا يوجد رادع.
* اذا أردت ان تعرف فضل بلدك ونعمته عليك انظر حولك, وأزيد في القول: اذا أردت ان تعرف نفسك أكثر فاذهب الى بلد مثل كوسوفا.
في مقر اللجنة المشتركة
* قبل الغروب,, وفي برشتينا لا تحل صلاة المغرب قبل الساعة الثامنة والربع مساء، الساعة التاسعة والربع بتوقيت المملكة, قبل الغروب صعدنا حافلتين في طريقنا الى المكتب الاقليمي حيث مقر اللجنة المشتركة السعودية لاغاثة شعبي كوسوفا والشيشان ومع ان مقر اللجنة لا يبعد عن الفندق أكثر من كيلين اثنين على شارع رئيس، الا ان طبيعة هذا الشارع والازدحام وفوضى المرور عرقل الوصول فلم نصل الا بعد حوالي ربع ساعة وبمساعدة من قوات K FOR الدولية.
ان مقر اللجنة في موقع جميل وبناء جيد كبير، وبدا في غاية التنظيم والنظافة، ورأيته يعمل بطاقة بشرية كاملة وميكنة حديثة وفي المعرض الملحق به يستطيع الزائر معرفة كل صغيرة وكبيرة في شأن نشاط المكتب وانجازاته التي تتصدى حدود برشتينا العاصمة الى مدن بعيدة مثل جيلان وجاكوفا وقرى وأودية كثيرة ومن خلال هذا المعرض أخذنا المامة سريعة عن مأساة كوسوفا من بدايتها وجهود المملكة الاغاثية وما لحقها من جهود داعمة تدخل السرور والبهجة على النفس.
SJRC
* والعمل السعودي الخيري الانساني في كوسوفا والشيشان يتحرك ويدار من خلال لجنة تضم خمس مؤسسات خيرية تنطلق من المملكة بدعم سخي من حكومة بلادنا وشعبها وهي:
1 جمعية الهلال الاحمر السعودي.
2 هيئة الاغاثة الاسلامية العالمية.
3 الندوة العالمية للشباب الاسلامي.
4 مؤسسة الحرمين الخيرية.
5 مؤسسة الوقف الاسلامي.
* أما شعار هذه اللجنة فجاء على شكل هلال أحمر مفتوح الى اليمين وبداخله تنتظم خمس حلقات متداخلة تشير الى المؤسسات الخمس المذكورة وتعرف اللجنة بين كافة الهيئات الدولية العاملة هناك بأربعة حروف لاتينية هي: SJRC ,, التي تشير الى الحروف الاولى من اسمها بالانجليزية.
SAUDI JOINT RELIEF COMMITTEE
* وكان سهلا علينا مشاهدة شعار اللجنة ورمزها المختصر لاسمها في كافة المواقع التي تعمل بها في كافة انحاء البلاد الى جانب شعار كل مؤسسة من المؤسسات الخمس المنضوية تحت مسمى هذه اللجنة في مواقع مشاريعها المختلفة.
* والحقيقة ان هذه الصيغة التي خرجت بها هذه المؤسسات السعودية تعبر عن وعي وفهم متقدم، وقد عبرت عن هذا في لقاء مع معالي وزير العمل والشؤون الاجتماعية رئيس الوفد السعودي الدكتور علي بن ابراهيم النملة, لأنه فعلا انجاز مهم يوحد جهود حكومة وشعب وأمة امام العالم وزاد من نجاح هذا الانجاز القيادة المتزنة من معالي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السويلم رئيس جمعية الهلال الاحمر السعودي ورئيس هذه اللجنة المشتركة، ومع اني التقيه وجها لوجه في هذه الرحلة، الا اني كنت منذ فترة طويلة متابعا لنشاطه وجهده وخاصة في الميادين الانسانية والاغاثية.
حفل المركز
* في زيارتنا هذه التي تمت الى مركز اللجنة في المكتب الاقليمي بعد وصولنا الى برشتينا بحوالي ساعة، حرص رئيس المركز الدكتور فارس الهادي وزملاؤه على تقديم عرض شامل لأوجه أنشطتهم المختلفة من خلال العرض الضوئي وما ألقي من كلمات شارك فيها رئيس المركز ومعالي رئيس اللجنة المشتركة ورؤساء وممثلي المؤسسات الخمس وغيرهم وختمها معالي رئيس الوفد بكلمة في الاتجاه نفسه وكان مثلي يتوق الى سماع أصوات من كوسوفا ومن الهيئات الدولية ولكن مثل هذا الحفل الخطابي كان ضروريا من الناحية المعرفية على كل حال.
* بعد هذا الحفل الذي استهل به برنامج الزيارة، استطعت الوقوف اكثر من ذي قبل على جوانب مهمة تتعلق بأبعاد هذا العمل الانساني في كوسوفا والشيشان فالأمير الفيصل وزير الخارجية الذي قام بزيارة الى موسكو في العام الفارط كان يؤكد على بعد سياسي للتحرك السعودي الداعم لمسلمي كوسوفا والشيشان.
ومشاريع المملكة هنا في كوسوفا تحمل مضامين وأبعادا مهمة اجتماعية وثقافية ودينية وانسانية سيكون لها آثار ايجابية في المستقبل وهي بلا أدنى شك سوف تساعد على تعزيز الصمود الشعبي لألبان كوسوفا من اجل تثبيت أقدامهم في أرضهم ومواجهة مفاجآت المستقبل.
* ان الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت، خاصة في اقليم تتنازعه عرقيات شرقية وغربية ويشكل نقطة تقاطع لمصالح روسية وأمريكية وأوروبية.
* ان دعم شعب كوسوفا ينبغي ألا يتوقف عند حد الاعانات المادية والعينية، ولكن ينتقل الى مرحلة اثبات الذات والوجود أمام أطماع الصرب والنوايا الدولية التي لا يعرف حتى اليوم ماذا تريد لهذا الشعب؟
* هل يستقل بذاته؟ هل يلحق بدولة أخرى.
* هل ينشب الصراع من جديد؟
* مستقبل كوسوفا غير معروف ,, ولن يحسم قبل وقت قد يستمر عدة سنوات.
الدش,, والموز
* بعد انقضاء حفل المكتب الاقليمي، عدنا الى الفندق، وعندما كنت استعد للالتحاق ببقية أعضاء الوفد في المطعم لتناول طعام العشاء، وكنا قد أدينا صلاتي المغرب والعشاء بالمركز، طاف بخاطري ذلك المشهد المدهش حقا في بلد دمرته الحرب، فمنذ خروجنا من المطار ومشاهد الدشات الستالايت وثمر الموز لا تغيب عن الانظار، الدور جميعها صغيرة أو كبيرة تنتظمها الدشات بيضاء اللون,, كل شقة وكل أسرة لها دش خاص بها أحيانا يبرز من بلكونة الشقة, أما الموز فهو الفاكهة الغالية في كل مكان في بلد لا تزرع الموز,, وحتى لا تعرفه ربما قبل الحرب الا لماماً.
* قلت: هذا ترف ونعمة ظاهرة بعد نقمة طاحنة ان صرف الناس على متابعة القنوات هو سببه بكل تأكيد حرصهم على معرفة ما يدور حولهم في شأنهم هم بعد ان تم تدويل قضيتهم هذا أمر, والأمر الآخر هو دلالة على شيوع الوعي وعلى مستوى ثقافة المجتمع.
اما الموز فهو من تجارة القوات الدولية، لأنه مجلوب لهذه القوات مثل غيره من البضائع والمستلزمات من الصومال ومن دول أخرى، وفي كوسوفا الكل يتاجر بكل شيء، فالنهازون للفرص كثر, وجوه من شتى أنحاء العالم تراها فتميزها في الأسواق وعلى الأرصفة وحتى في الغرف البعيدة, عرب وخليجيون بالذات وهنود وأفارقة ومن أبناء العراق وسوريا ولبنان وأوروبيون.
* ماذا يفعل هؤلاء,,؟
* ألم يقل الشاعر:
كلنا يطلب صيدا
غير ان الشباك مختلفات
كانت هذه السطور خاتمة لما دونته قبل منامي في الليلة الأولى.

في مركز الأمير سلطان
* برنامج اليوم الثاني، الأربعاء 13 من صفر 1421ه كان مزدحما للغاية فقد بدأ عند الساعة الثامنة والنصف بافتتاح مركز سلطان بن عبدالعزيز لجراحة المناظير في مستشفى برشتينا العام وهذا المركز يعد أحد المنشآت الصحية الكبرى التي تقيمها المملكة في برشتينا فهو الاول من حيث التخصص في منطقة البلقان بكاملها اذ يخدم مقاطعة كوسوفا كلها ويضم أكثر من 22 سريرا وبلغت تكلفته 68000 مارك ألماني, وتم هنا في الصباح، تسليم عدد من سيارات الاسعاف.
* والدعم الصحي السعودي شمل أيضا هنا المعهد الصحي ببرشتينا الذي يقوم بدور رائد مع منظمة الصحة العالمية في مجال مكافحة القمل والجرب وتنظيم حملات التطعيم حيث تم تطعيم أكثر من 000,24 طالب وطالبة وقدمت اللجنة السعودية الأمصال وسيارات الاسعاف.
* وشمل هذا الدعم مدرسة الصحة النفسية التي تعنى بتأهيل المدرسين والمدربين فقامت المدرسة بتدريب 150 دارسا في اقليم كوسوفا فقدمت اللجنة لهذه المدرسة الايجار والتأثيث المناسب.
* جاء هذا الدعم السعودي تحت شعار : الانسان أولا، وهو مدخل طيب في كوسوفا.
دعم التعليم
التفت الجانب السعودي الداعم انسانيا في كوسوفا الى التعليم بعد ان سعى الصرب الى محو آثاره وتدمير بناه التحتية, فكان هناك دعم لكلية الهندسة وطلابها بانشاء مركز للحاسب الآلي وتأهيل بيت الطالب واعادة اعمار وتأهيل مدرسة سلمان رضا ومدرسة بومز الين .
* في كلية الهندسة وجدنا المعلمين والمعلمات وكذلك الطلاب يتعاملون مع الأجهزة الجديدة في المركز وفي مدرسة سلمان رضا اصطف الطلبة والطالبات والمعلمون والمعلمات لاستقبالنا من بوابة فناء المدرسة حتى المسرح الذي أقاموه في آخر الفناء وتم فيه تقديم حفل ترحيبي مختصر ومسرحية تمثل صمود هذا الشعب وتعلقه بترابه ووطنه، وكانت الأعلام السعودية في أيدي الجميع وطغى الترحيب بالوفد السعودي على ما سواه وراح الكل يصافح أعضاء الوفد في حرارة وود, وكشف لي هذا الاستقبال مدى التقدير الذي يحمله أبناء وبنات هذا البلد لاخوانهم في المملكة فهم حرصوا على حفظ وترديد عبارة ترحيبية ظللنا نسمعها أينما ذهبنا السلام عليكم ,, سعوديا,, الله أكبر .

شعب من النساء,,!
* أفرزت الحرب العرقية التي شنها الصرب ضد سكان اقليم كوسوفا من الألبان، وخصوصاً المسلمين منهم، مشاكل نفسية واجتماعية وأخلاقية بدأت آثارها تظهر تباعا.
* لقد سمعت من أكثر من مصدر بأن الصرب تعمدوا في حربهم الابادية قتل الرجال صغارا وكبارا، فشرارة الحرب بدأت في يناير عام 1998م عندما تدخل الجيش الصربي بأسلحته الثقيلة ودك العديد من المدن بعد حصارها وقتل ما يقارب خمسة آلاف ألباني، ودمر أكثر من مائتي قرية تدميرا كاملا.
* وفي مارس عام 1999م استباحت القوات الصربية اقليم كوسوفا وبدأت سياسة ما يسمى بالتطهير العرقي والقتل والتشريد والاغتصاب في حرب عقيدية عرقية محمومة لم تتوقف الا بعد تدخل الضربات العسكرية الجوية لدول حلف الناتو ضد حكومة صربيا وقواتها في كوسوفا وذلك في شهر ابريل من العام نفسه حتى أجبرت صربيا على سحب قواتها من كوسوفا حيث بدأت عودة عشرات الآلاف من اللاجئين.
* بعد الحرب ظهرت الصورة أكثر مأساوية,, برك من الدماء، وأشلاء جثث مشوهة، ومقابر جماعية، ومنازل خربة، ومستشفيات مدمرة، ومساجد محروقة، ومدارس مهدمة.
* من نتائج هذه الحرب، مليون لاجىء، عشرات الآلاف من الأيتام,, وأشد هذه الصور قساوة ان يموت الرجال، معظم رجال كوسوفا.
* ويردد الكوسوفيون بأن شعب كوسوفا اليوم معظمه من النساء.
* 70% من السكان نساء.
* و70% من هؤلاء النساء هن في سن تحت الثلاثين عاما,,!
* ومن المؤرق هنا ما ينتظر هذا المجتمع نتيجة هذا الخلل في التركيبة السكانية والأسرية,, يقول بعض أبناء كوسوفا، بأن مشاهد التفسخ والعري لم تظهر الا بعد الحرب، وهناك خوف من القادم من التفسخ الخلقي.
* هذا ما فعله الصرب في الألبان المسلمين، وقد يتكرر هذا مستقبلا.
ما أقبح الحرب
* للهروب من التفكير في مأساة كهذه أخذت أستعين بالشعر العربي الذي يمتاز بحكمته الناصعة البليغة في مثل هذه المواقف فالشاعر علي الجارم قال:
انما الحرب لعنة الله في الأرض
وشر بمن عليها أريدا
ويقول الشاعر ايليا أبو ماضي وكأنه شهد حرب الجار لجاره كما حدث بين الصرب والألبان:
بئس الوغى يجني الجنود حتوفهم
في ساحها والفخر للتيجان
ما أقبح الانسان يقتل جاره
ويقول هذي سنة العمران
* أما حال هذه المقابر التي نراها هنا في كل بقعة في اقليم كوسوفا مكللة بالزهور فهو ينطق بما تكلم به منشيوسي في القرن الرابع قبل الميلاد حيث قال: الحرب هي ان تلتهم الأرض لحوم البشر.
* ولو ان هؤلاء الباكيات النائحات اللاتي نراهن يتحلقن حول قبور الأهل والأحبة في أطراف قرى ومزارع كوسوفا، لو كن يقرأن بالعربية لقلن مع شاعرها:
كتب القتل والقتال علينا
وعلى المحصنات جر الذيول
أيتام وأسر مكلومة
ان الضرر الذي لحق باقليم كوسوفا تركز في القرى الزراعية والصناعية المحيطة ببرشتينا وبعض المدن الأخرى خارج العاصمة، فالعاصمة لا تبدو وكأنها متضررة وهذا يفسر مقاصد الصرب التي تستهدف المسلمين الألبان وعصب حياتهم وأسباب بقائهم, فهم يحبون أرضهم ويتفانون كثيرا في الدفاع عنها ويربطهم بها أكثر المزارع وتربية الماشية والصناعة، ولهذا ضربت قراهم وطرقهم، وحرقت مزارعهم ومصانعهم، وما يثير الاعجاب حقا ان تجد أسرة بكاملها تعمل في جد ودأب لاعادة بناء منزلها بنفسها، واعادة المزارع، وتظل عشرات الأسر حتى اليوم تفترش الأرض وتلتحف السماء فبيوت كثير من الأسر جدران متطامنة بدون سقوف ولا ماء ولا كهرباء.
* هذا الجانب راعته اللجنة السعودية جيدا، ومن دعمها فيه قرية الأمير نايف الخيرية في قرية ريمان شت التي تبعد عن العاصمة بحوالي 30 كم وهو مشروع يقوم على ترميم أكثر من 50 منزلاً ويضم مسجداً ومركزاً صحياً وآخر ثقافيا ومدرسة وتبلغ تكلفته الاجمالية 000,16 مارك ألماني.
* ومن مشاريع دعم الأسرة ملجأ درداينا حيث أشرفت عليه اللجنة وأعادت ترميمه وعملت له الأبواب والنوافذ فأنفقت عليه وعلى الأسر بداخله 059,204 ماركا ألمانيا اضافة الى توزيع 1300 سلة غذائية.
* وفي هذا الاتجاه فان برنامج اليوم الثاني شهد زيارة الوفد لمنازل الشهداء وكان اللقاء بين أعضاء الوفد والأسر مؤثرا للغاية، فقد اختلطت الدموع وجفت الحناجر نتيجة الفرحة بهذا اللقاء بين الاخوة ونتيجة المأساة الظاهرة على هذه الأسر بفعل الحرب الصربية.
* خرجنا من دائرة المنازل هذه وأنا أردد مع نفسي قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه:


ليس البلية في أيامنا عجبا
بل السلامة فيها أعجب العجب

* لقد بدأ برنامج اليوم الثاني عند الساعة الثامنة والنصف صباحا ولم يختم الا عند الساعة الحادية عشرة ليلا.
كان يوما مفعما بالنشاط والعمل واللقاءات والفعاليات المختلفة.
* في الجزء القادم، نتوقف عند الصراع بين الصليب والهلال في شبه جزيرة البلقان منذ آماد بعيدة وقضايا أخرى.
أعلـىالصفحةرجوع











[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved