أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 14th June,2000العدد:10121الطبعةالاولـيالاربعاء 12 ,ربيع الاول 1421

مقـالات

صراعات العمل وسلبية الأداء
د, فهد بن صالح السلطان
مهما وصل إليه العالم من تقدم في مجال الآلة وفي ميدان التقنية والأتمتة (automation) ، يظل الإنسان بما حباه الخالق من علم وقدرة ومهارات وسلوك هوالمحور الرئيس للأداء والإنتاجية , لقد وقع الكثير من الباحثين والممارسين في خطأ مفاهيمي عندما أفرطوا في التفاؤل بفاعلية الآلة، والنظر إلى الأتمتة والميكنة على أنهما العصا السحرية التي ستقضي علىكافة الأمراض الإدارية والفنية المستعصية في العالم النامي والمتقدم على حد سواء ، وكان من نتائج هذا الاعتقاد الخاطئ أن سارع كثير من القائمين على المؤسسات الإنتاجية في المجتمعات النامية على وجه الخصوص بشراء واستيراد التقنية دون التركيز على تهيئة البيئة الاجتماعية داخل المنشأة بشكل مسبق، وقد أصيب هؤلاء بخيبة أمل كبيرة عندما استمرت معضلات الأداء ومعوقاته كما هي عليه قبل إدخال التقنية إن لم تتفاقم، وأدرك البعض خطأ اعتقادهم عندما اتضح للجميع أن ميكنة العمل أو تطويره آليا - كما أشار إليه مايكل هامر وجمس شامبي 1995 - قد لا تعدو سوى إحلال تقنية عالية مكان تقنية متخلفة لأداء نفس الأعمال القديمة أو توفير أساليب متقدمة لأداء نفس الأ طار السابقة ، وهو أمر أشبه ما يكون بتفريغ مشروب عديم الصلاحية في كأس جديد.
لقد حذرت من هذا المفهوم الخطير في كتب ومقالات سابقة لما ينطوي عليه من مخاطر كبيرة في مقدمتها احتقار فاعلية الإنسان ودوره في مقابل الآلة.
تحت عنوان الإبداع والأفكار تتبع من البشر وليس من الأجهزة ناقشت دورية (Quality Express) في عددها الأخير ملخصاً لكتاب عن عقل الإنسان اللامحدود وضرورة التركيز عليه باعتباره مصدر التنمية والإبداع والابتكار، ليس الآلة.
أولئك الذين مازال يخالجهم الشك في ريادة دور الإنسان، ما عليهم إلا مراجعة أداء المؤسسات التي تمتلك التقنية في الدول النامية مقارنة بزميلاتها في الدول المتقدمة، حيثما تتشابه المؤسسات في امتلاك التقنية ويبقى الفرق في اختلاف المجتمع البشري الذي يتعامل معها ويسخرها للإنتاج.
الذي أردت أن أقوله أنه مهما بلغت درجة استعانة المؤسسات الإنتاجية بوسائل التقنية والميكنة ووسائل تدفق وتحليل ومعالجة المعلومة فإن أداءها وإنتاجها يظل محدوداً بالمفاهيم الاجتماعية والسلوكيات الإدارية السائدة في بيئة العمل أو ما يعرف ب (Administrative Ecoioqy) .
ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر الصراعات الاجتماعية داخل الجهاز التنظيمي كأحد مظاهر البيئة الإدارية في المجتمعات النامية وأثرها في الحد من الأداء المؤسسي.
رغم أنه لا يتوفر لدي دراسة علمية عن بيئة العمل الإداري التنفيذي في الدول النامية إلا أنه يبدو لي من خلال الملاحظة أن صراعات العمل والعلاقات غير الجيدة داخل المؤسسات التنفيذية تؤثر بشكل سلبي يحد من فاعلية الجهاز بشكل ملحوظ, ومع العلم بأن هذه الظاهرة (إذا صح تسميتها بذلك) تختلف من جهاز لآخر تبعاً لعدة أسباب في مقدمتها شخصية رئيس الجهاز وثقته بنفسه وقدرته الإدارية ، إلا أنها ومن وجهة نظري الشخصية عامل رئيس وراء تدني الأداء في كثير من المؤسسات الإنتاجية في مجتمعنا.
في كتابه الذي صدر تحت عنوان The Bad Attitude Survival Guide 1998 ذكر هاري تشامبرز بعضاً من مظاهر السلبية التي تنتج عن صراعات العمل في البيئة الإدارية ، لعل من أهمها:
انخفاض الروح المعنوية لدى الأفراد وغياب روح الفريق وسيطرة مشاعر الصراع والمنافسة.
غياب الحماس لدى الأفراد والعمل بشكل رتيب دون هدف او رغبة حقيقية.
سيطرة السلبية وعدم المبالاة على البيئة العملية للمنظمة.
في بيئتنا الإدارية التنفيذية ، قلما أن يتحدث إليك شخص عن المؤسسة التي ينتمي إليها دون أن يتحدث عن صراعات العمل، وكأن تلك المؤسسات ميادين للصراعات والمنافسات السلبية وليس للعمل والإنتاج.
وطالما أننا اعتمدنا في هذا الطرح المتواضع على الملاحظة لا على الدراسة العلمية المنهجية فإنه يبدو لي ومن خلال الملاحظة أيضاً بأن هذه المعضلة تعود لعدة أسباب ، قد يكون من أهمها:
قلة الثقة بالنفس (هناك دراسات تشير إلى أن واحداً فقط من بين ثلاثة أشخاص يتمتع بالثقة بالنفس).
عدم الوضوح فيما بين الرئيس ومرؤسيه.
شيوع طابع المجاملة في اجتماعات العمل بين الرئيس والمرؤوسين وعدم الرغبة في (أو الخوف من ) المصارحة والمكاشفة.
عدم التسليم بوجود صراعات سلبية ومحاولة إيهام النفس والآخرين بعكس ذلك.
اعتقاد بعض المديرين التقليديين والضعفاء بأن صراعات المرؤوسين تعزز قدرتهم القيادية وبقاءهم في المقدمة.
اعتقاد بعض التنفيذيين بأن القمة لا تتسع لأكثر من شخص واحد.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو : هل الصراعات العملية تمثل بالفعل ظاهرة إدارية داخل مؤسساتنا الإنتاجية العامة والخاصة؟ موضوع من وجهة نظر الكاتب يستحق الدراسة والتحقق، فإذا ما تبين أنها تمثل ظاهرة ملموسة كما افترضته هذه المقالة فإن الأمر يتطلب مراجعة متأناة وعلاجا فوريا ، فنحن مقبلون علىفترة حرجة في ضوء عولمة الإدارة والاقتصاد، حيث تعتمد الميز النسبية والتنافسية فيها على كفاءة الأداء وجودة الانتاج، وتمثل الصراعات داخل البيئة الإدارية عائقاً من معوقات التنمية والإبداع، ونحن أحوج ما نكون إلى بيئة تتوارى فيها صراعات العمل وسلبية الأفراد العاملين ، فالوقت والإمكانات والطاقات المحدودة أهم بكثير من تشتيتها في صراعات تستنزف أكثر مما تضيف.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved