أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 14th June,2000العدد:10121الطبعةالاولـيالاربعاء 12 ,ربيع الاول 1421

محليــات

لما هو آت
عند طبيب الأسنان
د,خيرية إبراهيم السقاف
هذا المقعد المستطيل، وحوله كافة معاونيه,,!!
ويعتلي مقدمته كشاف ضوئي يبهر,.
وهو مرن حد الارتفاع، والانخفاض في ليونة تجعله يتسيد موقعه!
نهض منه أحدهم وانتحى جانباً يتحدث بصوت خفيض مع الطبيب,.
فيما أشارت إليَّ بهدوء امرأة شرقية تغطي رأسها بقطعة بيضاء تسعى جاهدة كي تزينها، وتُجمِّلها أخذت مكاني فوق المقعد,, فيما جاء الطبيب وكنت أبتسم لفكرة طرأت لي في اللحظة تلك,.
سألني: أحسبك تتصيدين لما تكتبين ,,,!!
قلت: يبدو أن حرفتك امتدت عن طريق الأسنان إلى المواقع المجاورة لها,, وتسللت بذلك إلى الفكر لتقف على ما يدور فيه؟!
قال: ربما,, نحاول أن نتواءم مع الذين نتعامل معهم,.
وتذكرت أنني في المرة التي سبقت عند زيارتي له، كنت أتحدث معه عما قرأت من أهمية وغلاء كرسي طبيب الأسنان الخاص بمعالجة المريض، وليس ذلك المتحرك الصغير الذي يرتقيه الطبيب نفسه,,، ثم تطرق الحديث إلى الأدوات التي يستعملها، وأنها وسيلة سريعة لنقل عدوى الأمراض الخطيرة إلى الإنسان إن تعرض لاستعمال خاطئ بها دون تعقيمها بشكل جيد، وبأن وسائل التعقيم والتطهير الحديثة ليست أجدى من الطرق التقليدية القديمة التي تعتمد الغلي تحت درجة حرارة محددة يمكنها القضاء على أي مكروبات أو بكتيريا تنتقل إليها بالاستعمال.
ذلك اليوم قال لي الأستاذ الطبيب إنه سعيد أن يتابع الناس أخبار الطب بمثل ما يتابعون أخبار تخصصاتهم العلمية.
هو اليوم يحاول أن يقتحم حدود تفكيري كي يشاطرني الاهتمام بمثل ما فعلت معه من قبل.
أكدت له بأنني أفكر في هذا المقعد اليوم من زاوية تختلف عن تلك الأولى.
تخيلت أن المقعد يتحدث إلى كل مريض يتمدد فوقه بما انطبع لديه عنه خلال النصف أو الربع من الساعة أو حتى الساعة,.
تخيلت المقعد يقول:
هناك اللامبالون، الذين بمجرد أن يُسَلِّموا رؤوسهم للطبيب يذهبون في إغفاءة أو شبه إغفاءة,, غير أن المقعد يشك في أمر استسلامهم لإغفاءة كاملة، ذلك لأن كل حركة يصدرها الطبيب بأدواته داخل الفم لها دوي وصوت تعمل كالمرجل فكيف يقوى على النوم من يعيش في داخل المرجل؟!
وهناك اليقظون حد القلق، فبمجرد أن يشير إليهم الطبيب بالتمدد فوق المقعد يبدأون في إصدار حركات تنم عن قلقهم، هم يحركون كتوفهم، وأقدامهم، وأيديهم، ولا يطيعون الطبيب في حالات فيوقف أدواته، ويطلب إليهم أن يشيروا عند اللزوم له بأصابعهم,,، ومع كل هذه الحركات تعلو أصواتهم المكتومة، إعلاناً بأن ألماً يوخزهم، أو موقعاً يزعجهم!!,.
وهو يرى أن اللوحة التي تحتاج إلى رصد ملون في لوحة لمثل هؤلاء هو ما بينهم وبين وجه الطبيب,.
وهناك الفئة الوسط التي تتحمل، وتطيع، وتتفاعل مع توجيهات الطبيب,.
غير أن المقعد يتساءل:
هناك أيضاً أحجام للمرضى,, هناك أصحاب الوزن الثقيل، وغيرهم أصحاب الوزن الخفيف، هناك ذو الطول الذي يتخطاه، وهناك من يظل لطرفه رونقه وبريقه دون أن يصلوا إليه، وهناك من يناسب طوله أطوالهم فلا زيادة ولا نقصان!!ثمة ما صمت عنه المقعد وهو يتحدث:
ترى ما الذي يدور في صدور وعقول هؤلاء؟! هل هناك السعداء، والأشقياء، الذين تخالط سعادتهم بإنجاز سلامة أسنانهم ابتساماتهم بما هم فيه من السعادة والفرح، أم هناك من تخالط دموعهم بألم يشق التعبير عنه مكاناً بين أسنانه، ما هم فيه من الآلام والشقاء؟!,.
هذا المقعد يعرف ويتعرف على كل الواردين إليه,.
ترى,, ما تقول أدوات الطبيب التي تقتحم جوفاً في الإنسان؟هل تستطيع أن تقرأ شيئاً عما يأكل؟
وعما يقول؟,, وعما يشرب؟!,.
والناس تضم في أفواهها ألسنتها التي تكبها في النار، أو تقودها إلى النعيم!
ذهبت أفكر في كل ذلك,, ولسان حالي يقول: لو خضعت لتحليل المقعد الذي أتمدد فوقه، أو الأدوات التي يعج بها فمي ترى إلى أي الفئات يمكن أن أصنف؟!
اللهم ارحمنا مما نعلم، ومما لا نعلم.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved