أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 14th June,2000العدد:10121الطبعةالاولـيالاربعاء 12 ,ربيع الاول 1421

عزيزتـي الجزيرة

أخونا بدر البابطين
تمر طفولتنا راكضة لا يبقى منها إلا صندوق الذكرى الذي يحمله كل منا في مكان سري عن نفسه أو عن الآخرين, قد ننسى أحيانا مفتاح الصندوق في زحمة حياتنا ونحن فتيان صغار وكأننا نريد أن نبرهن أننا كبرنا, ليأذن لنا الكبار بأن نستعير مقاعدهم أو نتخذ مقاعد جديدة الى جوارهم في عربة الحياة الراكضة بنا جميعا صغارا وكبارا في المسارات المختلفة لمصيرنا الواحد, ولكن! عندما يحدث حدث فاجع لأحد رفاق مرحلة حبورنا الطفولي تندلع فجأة محتويات ذلك الصندوق دفعة واحدة في ارواحنا وتشب في عيوننا جمر الدمع.
هذا ما حدث لي عندما علمت بأن الله قد اختار,, بدر البابطين الى جواره الكريم, لم يكن بدر من أصدقاء طفولتي ولكنه كان أحد أطفال الملاعب التي طالما بنى أطفال سكن الحي الجامعي عليها قصور أحلامهم, كان بدر أحد أطفال طفولتي الذين نعرفهم دون أن نحتاج الى تبادل الكلام.
نعرفهم لأننا نتنفس هواءً مشتركاً,, نستقبل شمس اجازة الصيف بنفس الفرحة,, ننتظر هلال العيد بنفس التماعات العيون,, نتشعلق على نفس المراجيح,, ونذهب الى الروضة أولا والى المدرسة ثانيا على نفس الطريق وبنفس اللحظة الساعة السابعة إلا ربع فننتظر وقت الصرفة بنفس فارغ الصبر.
في حوالي الصف الرابع أو الخامس ودّعت والفتيات من عمري ملاعب طفولتي,, ملاعب 6 وملاعب 24 ولم أعد أرى بدراً أو غير بدر من أولاد الحارة,, وللحق، فقد زاد عيار الواجبات الدراسية والاجتماعية حتى خلتُ أنني نسيت أمر صندوق الذاكرة الطفولي وأخيلة أولئك الأطفال الذين تقاسمت معهم وأخي مرح الطفولة وشقاواتها دون أن يدري أحدنا ربما باسم الآخر أو عنوانه أو ما إذا كان عادة يجري حافيا أو منتعلا حذاءً رياضياً.
غير أنني كغيري من الصغيرات اعتبرت أن ذلك الفراق هو نوع من الفراق الذي نلوح به وداعا لعالم الطفولة لنستقبل مرحلة جديدة من مراحل العمر.
ولكن! عندما علمت بموت بدر وأحسست بتوقف غناء العصافير على شجر الكينا بالسكن، عندما رأيت توقف المراجيح عن الارتفاع,, عندما سمعت بكاء رمل الملاعب واختناق العبرات في صوت أخي وانطفاء النجوم في عيون أخته.
عرفت طعما حارقا للفراق، حرقة فراق الضحكة التي لن نسمعها مرة أخرى لولا نعمة التذكر,, حرقة فراق أناس لهم موقع الإخوة في نفوسنا دون أن نعلم أو يعلموا حرقة فراق مفارقة أخيلة الطفولة مرتين.
أهرع الى صندوق الذاكرة يطل أطفال طفولتي بوجوههم المرحة فأعلم أن بدر لن يموت بذكراه العطرة، بسمعته التي ينتشر أريجها من حي الاسكان الجامعي وتمر إلى جميع أحياء الرياض وخارجها ما دمنا نحن إخوته وأخواته نواصل درب جده واجتهاده واستقامته.
أشكر الله على كل حال أن جاء بدر الى هذه الحياة مستنشقاً طيب هوائها وأن رحل مبكرا, وأدعو الله أن يمتعه بحياة خالدة في جنة النعيم.
طفول العقبي

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved