أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 15th June,2000العدد:10122الطبعةالاولـيالخميس 13 ,ربيع الاول 1421

الثقافية

عمّة هيلاري
لـ سيريل هير (19001958)
حصة ابراهيم العمار
ينتمي (هيلاري) سميث) إلى عائلة عريقة ولم يكن والده ليكف أبداً عن ترداد تلك الحقيقة ورغم أن الشكوك كانت تحوم حول التاريخ الفعلي لعائلتهم المجيدة إلا ان السيد (سميث) كان يتصرّف دوماً بوحي من أخلاقيات الماضي الضاربة في أعماق العصر الفيكتوري المثالي.
ويشاء الله أن يتعثر هيلاري مع أحد المصارف في قضية عدد من الشيكات وهو امر لم يخرج في نظر الشاب عن طور العادية علىأن الأمر كان في نظر الأب اعظم وقعاً وأشد هولاً بعد إذ أساء إلى سمعة العائلة التليدة برمتها ولذا فقد سارع أبوه درءاً للفضيحة إلى ارساله إلى (استراليا) وهي في حقيقة الأمر بلد ما راقت له أو راق لها,, كان الشعور بذاك النفور متبادلاً وهذا ما حدا بالمسكين إلى انتهاز أقرب فرصة ممكنة للعودة إلى انجلترا ولما لم يكن لديه من المال ما يكفي لشراء تذكرة العودة فقد اضطر إلى الانتظار الى حين وفاة والده وأخيه,, ساعفه الحظ بانتقالهما إلى الدار الآخرة سوّيا فانتقلت ثروة العائلة برمتها إليه تبعاً,, ولم تكن ثروة كبيرة في واقع الأمر كما انه سارع في تبديدها مما أوقعه بين خيارين لا ثالث لهما,, العمل أو الموت وكان مجرد تفكيره في كليهما مدعاة للبؤس والقنوط,, على أنه تذكر أنه لم يكن وحيداً في هذا العالم بقيت له عمته لم يكن يعرف عنها الكثير وكان أبوه السبب وراء جهله العميق ذاك إذ أنه كان يتحاشى الحديث بل مجرد ذكر اسم المسكينة كان كفيلاً بتجميع سحب الكآبة على محياه,, ما كان ليطيق سماع اسمها!
لم تجلب عمتك (ماري) اي شرف لاسم العائلة كثيراً ما كان الأب يردد وإن كان الابن يجهل في الحقيقة ما اقترفته يداها من جرح استحقّت معه النفي من ربوع العائلة العريقة! على انه وبعد شيء من التحري الدقيق توصل إلى حقيقه مؤداها انها أجرمت بزواجها من صاحب متجر وهو عار يوصم به من اقترفته,, آنذاك!
كان عليها أن تتزوج نبيلاً فتشرف اسم العائلة بدلاً من زواجها من تاجر,, إنها لم تعد على قيد الحياة في نظري, كان هذا هو رأي أخيها الذي فارق هذه الدنيا غير راض عنها.
بعد فترة من الزمن توفي زوجها مخلفاً لها ثروة طائلة على ان ذلك لم يعدها في نظر أخيها قبل وفاته إلى الحياة.
واستدل (هيلاري) على عنوان عمته تلك عبر محامي العائلة ولم تتنكر له لحسن حظه فعلت اسهمه ثانياً وابتسم له الحظ مجدداً بعد إذ راق لها ولقي هوى في نفسها,, وكان عذب الحديث,, حلو المعشر فأحبته أكثر وطلبت منه ان ينتقل فيسكن معا ودانت له السعادة,, فعبّ من معينها حتى ارتوى,, احس كما لو كان بحاراً خاض عباب بحار هادرة مزمجرة ثم إذا به يرى المرفأ فجأة بعد اذ تقطعت به الأسباب عند ما عرضت عمته عليه الانتقال للسكنى معها ما كان في جيبه اكثر من ست بنسات, على انه بدا واضحاً ان عمته كانت جدّ عليلة,, كانت تتصرف بشجاعة في الوقت الذي كانت تموت ببطء,, وتحدث إلى طبيبها فما زاد على أن حذره من خطورة وضعها الصحي!
قال له إنه لا علاج لها قد تعيش حيناً يسيرا من الدهر على ان نهايتها بإذن الله محتومة,, ستصل إلى سن تتمنى فيها كما سيتمنى كل ذي قلب رحيم ان تستريح ذاك هو ديدن الحياة وأظلمت الدنيا في عيني (هيلاري) بعد إذ ادرك ان الشقاء قد شيد له بين أرجائه منزلاً قوي الأركان,, لقد سعد بالنعيم برهةً وهاهي الأقدار تقصيه عن ذاك المرفأ الذي وجد فيه السكينة والطمأنينة.
وارتأى انه لم يكن لديه غير خيار واحد,, اختار ساعة كانت عمته فيها أحسن حالاً من ذي قبل ثم تجرّأ فسألها عن تفاصيل وصيتها فماكان منها فور سماعها لفظ وصية إلا أن اطلقت ضحكة مجلجلة شقت أجواء السكون
تسألني ان كنت قد كتبت وصيتي؟ قالت بالطبع فعلت! لقد تركت كل ثروتي ل,, دعنا نرى لمن تركتها اوصيت بدفع كل ما أملك إلى إحدى الطوائف الدينية في الصين حسبما أظن,, أو في (بولينيزيا) لا أذكر ذلك على وجه الدقة لكن المحامي لا شك سيكون أقدر مني على ذكر التفاصيل إذ ان الوصية بحوزته لقد كانت ميولي ذات نزعة دينية منذ كنت فتاةً يا هيلاري.
وهل كتبت وصيتك هذه عندماكنت فتاةً صغيرة؟ سألها هيلاري.
أجل كنت يومها في الحادية والعشرين من عمري بعد أن طلب جدك مني ذلك كان على يقين أن على الجميع القيام بذلك,, يومها لم أكن أملك مالاً ولذا فإن وصيتي لم تكن ذات قيمة,.
عندما صافحت مسامع (هيلاري) التفاصيل الأولى لذلك كان مترعاً أسى وحسرة اما وقد أصغى لبقية حديث عمته فقد لمعت بالسعادة عيناه.
ألم تكتبي بعد زواجك وصية اخرى عمتي؟ سألها مجدداً.
وهزت العمة رأسها نفياً
كلا لم تكن ثمة حاجة لذلك لم أكن أملك شروى نقير فيما كان (جبون) زوجي أقصد يمتلك كل شيء ثم توفي (جون) فاجتمعت لدي ثروة ولا أقارب ما عساي أفعل بذلك المبلغ؟
وسلّطت فجأة على (هيلاري) عينين ثابتتين لا تتحركان عنه قيد أنملة قبل أن تقول:
ربما كان علي أن أتحدث إلى المحامي في ذلك ثانيةً!
وأكّد (هيلاري) لها أن لا داعي للاستعجال ثم غيّر الوضع برمّته.
اتجه في اليوم التالي إلى إحدى المكتبات العامة ثم عاين كتاباً بعينه فتأكد من صحة معلوماته,, عندما تتزوج المرأة فإن وصيتها السابقة تصبح لاغية ويحتم عليها عندها أن تكتب وصية اخرى فإن لم تفعل اصبحت تركتها من حق أقرب عائلتها,, وكان (هيلاري) يدرك أنه قريبها ووريثها الوحيد تبعاً لذلك فخالجته طمأنينة بعد اذ استشعر ضمان مستقبله.
بعد عدة اشهر تأزمت احواله المادية,, وتأكد من صحة ما أخبره الطبيب بخصوص تدهور حالة عمته,, كانت تلوذ بسريرها فلا تفارقه وبدا واضحاً جلياً انها قد لا تنهض منه أبداً إن اراد الله في الوقت الذي ازدادت حاجته إلى المال,, كانت أذواقه تتطلب الكثير وإلى كثير من أصحاب الحوانيت كان مديناً كذلك بالكثير ,, كانوا يثقون به لأن عمته كانت ثرية على أن فواتيره كانت,, باهظة.
وساءت لسوء حظه صحة عمته كثيرا حتى ماعاد باستطاعته ان يتحدث بسهولة إليها,, واخبرته بعدم رغبتها على الاطلاق في الخوض في المسائل المالية كانت تعاني بشدة حتى جافاها لذيذ الكرى ولذا فقد كانت تستشيط غضباً إذ ما جرى للمال ذِكر وجرت أخيراً بينهما خناقة على مبلغ زهيد لم يتعد العشرة جنيهات اتهمته خلالها بمحاولة الاستيلاء على ثروتها!
ولم يغضب (هيلاري) كان يعرف أنها,, مريضة مسنة وذاك كان سبب تصرفها بغرابة,, وشرع يستعيد ما قاله الطبيب فسأل نفسه: أمن الشفقة أن ندعها تتعذب هكذا؟ أليس من الأفضل لها أن تخلد إلى راحة طويلة,, طويلة وفكّر في ذلك ثم قرّر وعندما استلقى على سريره,, كان لا يزال في ذلك يفكر!
في صبيحة اليوم التالي فاجأته عمته بخبر غير عادي,, ستستدعي المحامي السيد (بلنكنسب)!,, لسوف تكتب وصية جديدة,, وشرع الشك يقرض أطرافه ثانية,, قد لا تكون الوصية الجديدة في صالحه فتؤول الثروة برمتها إلى غيره,, فماذا عساه يفعل؟ وتوصل إلى قرار واضح حازم مؤداه ضرورة إخلاد العمة المسكينة إلى راحة طويلة.
كانت تأخذ كل ليله دواء منوّماً فقرر (هيلاري),, مضاعفة الجرعة,, ولم يخبرها بذلك,, قرر فقط ان تنام قريرة العين إلى ماشاء الله، ولم يجد في مهمته تلك أدنى صعوبة بل ان عمته قد ساعدته في تنفيذ ذلك بعد أن طلبت من الممرضة المكلفه بإعداد الدواء المنوم ان تضعه وتذهب لاداء ما تبقى عليها من واجبات ليقوم (هيلاري) بتقديم الدواء لعمته في الوقت المحدد,, ما أسهل الأمر كذا قال في نفسه عليّ أن اضاعف الكمية فقط فإن حدث ما ليس في الحسبان فهناك عذر مناسب سأدعي أني لم أعلم بوجود جرعة مسبّقة أصلاً وعمد إلى تنفيذ ذلك,, كانت جرعة زائدة طبعاً على أن أحداً لم يكن ليشكّ في العزيز (هيلاري).
وتناولت العمة الكأس منه ونظرات الامتنان تلمع في عينيها:
شكراً (هيلاري) قالت اريد أن أنام نوماً عميقاً هانئاً لا اصحو منه تلك هي أقصى أمانيّ, ونظرت إليه فلم تحد ببصرها عنه اهذا ما تتمناه أنت أيضاً (هيلاري) لقد منحتك الفرصة سامحني إن أنا أسأت بك الظنّ,, المرض يولد أكثر من هذه الظنون والأفكار كما تعلم, إن بقيت على قيد الحياة إلى يوم غد فسيكون ذلك في صالحك إذ أني قد طلبت من المحامي موافاتي كي أكتب وصيةً,
أترك لك فيها التمتع بكل ما أملك أما إن وافتني المنية بمشيئة الله هذه الليلة فلن تحصل على شيء وستذهب ثروتي بكاملها إلى تلك الطائفة الصينية,, إذ أن زواجي من جون (بروثيرو) لم يحصل وهذا ما أغضب اباك الأحمق,, حين التقيت ب(جون) كان رجلاً متزوجاً ولذا استحال زواجنا,, كلّا (هيلاري) دع الكأس إن فعلت فسوف اكتشف الحقيقة,, حقيقة صدقك من عدمها وانا في الواقع لا أريد أن أعرف!
قالت العمة ذلك ثم تناولت الكأس في هدوء الناسك ووضعتها على شفتيها وشرعت تشرب شيئاً فشيئاً!

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved