أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 21st June,2000العدد:10128الطبعةالاولـيالاربعاء 19 ,ربيع الاول 1421

ملحق الطائف

لنجعل للسياحة مفهوماً آخر
لقد جاء في محكم التنزيل :وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم
فالقريتان هما مكة المكرمة والطائف كما جاء في كتب التفسير.
لذا فمكة المكرمة من أشرف وأقدم المدن على هذه الأرض وكذلك الطائف حيث جاء ذكرهما في أشرف الكتب السماوية وحجة الله على خلقه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، إنه القرآن الكريم الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد).
ومن المعلوم أن مكة التي شرفها الله هي محور الأرض حيث تقع في وسط الأرض من جميع جهاتها الأربع ، وشرفها الله ببيته الحرام الذي توعد الله عز وجل من يريد فيه ظلماً - مجرد الإرادة وليس الفعل - يذقه العذاب الأليم إن عاجلاً أو آجلاً ، كما قال تعالى :والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ، كما جعل الله سبحانه القلوب تهوي إليه استجابة لدعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام كما جاء في محكم التنزيل :(ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فأجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وأرزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) ، فقال السميع المجيب :وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ، ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ,, فالطواف بهذا البيت العظيم لا تنفك من ذكره وذكراه العقول النيرة لما له من الهيبة والجلال والقدسية والروحانية والأجر العظيم ، حيث الحسنة أو الصلاة فيه بمائة ألف صلاة.
قال الله تبارك وتعالى :وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود ، لقد استجاب لهذا النداء العظيم كل من اختاره الله عز وجل لخدمة الحرمين الشريفين من الحكام والسلاطين وذلك بالقيام بتوسعتهما والاهتمام بنظافتهما والكسوة وتيسير أمر ضيوف الرحمن ، كل على قدر ما جعل الله فيه من استطاعة وهمة وعزيمة وفق ما يقتضيه ويتطلبه الحال ، فهنيئاً لهم بهذه الخدمة الجليلة وهنيئاً لهم بما انفقوا في سبيلها حيث بشرهم الله بالأجر الكبير، كما قال الله تعالى :آمنوا بالله ورسوله وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وانفقوا لهم أجر كبير).
وعليه فالخدمات التي تقدمها الدولة لضيوف الرحمن لا يستهان بها إطلاقاً، لذا يجب على رجال الأعمال وخاصة من يقوم بأعمال الطوافة في المؤسسات التجريبية وغيرها أن تكون خدماتهم فيما يخصهم لضيوف الرحمن بما يوازي تلك الخدمات التي تقدمها الدولة ، لأن في ذلك أجراً وأجره : فالأجرة حاصلة بحمد الله ، ولكن الأجر يحصل بإذن الله تعالى إذا كان هناك استقامة من قبل رجال الأعمال هؤلاء حيث يكونون بعون الله قدوة حسنة لمن يعمل معهم في خدمة ضيوف الرحمن وفي نفس الوقت هم جميعاً يكونون قدوة حسنة لضيوف الرحمن ، فالاستقامة تقودهم - لا محالة - إلى المعاملة الحسنة (فالدين المعاملة) كما جاء في الأثر ، حيث تجدهم يتفانون في إكرام ضيوف الرحمن سواء في إقامتهم أو تنقلاتهم أو في مأكلهم ومشربهم ، فيكون ذلك بطيبة نفس ورحابة صدر ، من غير استغلال أو احتقار أو تكبر أو تمنن ، وأن يقصد بذلك وجه الله ، فالذي يقصد الكريم المنان لا يخيب ولا يضيق بل يبارك الله في رزقه ويجعل له من كل ضيق مخرجاً.
وما قيل عن مكة المكرمة يمكن أن يقال عن الطائف التي ورد ذكرهما في تلك الآية الكريمة - مع فارق القدسية العظيمة -.
فالطائف جعلها الله أقرب المدن إلى مكة شرفها الله ، فهذا القرب من هذا الشرف والبركة التي خص الله بها مكة المكرمة له معنى عظيم ، وقد تلحق جدة بهذا القرب ، ولكن يتميز الطائف عنها بجوها اللطيف وما تنتجه مزارعها من خيرات وفيرة ، قد يكون أول من أدرك ذلك المعنى العظيم حبر الأمة وعالم الفقه والتأويل ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم / عبدالله بن عباس رضي الله عنهما ، حيث اختار الطائف مقراً لإقامته إلى أن توفاه الله فيها ، ومسجده الشهير الذي دفن بجواره يشهد على ذلك ، ثم يأتي بعده من فكر في ذلك المعنى العظيم ومنهم الكثير من أصحاب المزارع بالطائف الذين يوصي الأب منهم عن الجد أن يبعث ويباع أول أو حتى جميع انتاج مزارعهم في مكة المكرمة.
وعليه فليس هناك مبالغة من القول الذي يتردد دائماً من أن الطائف مزرعة مكة شرفها الله ، فخضار وفاكهة ومياه الطائف متميزة وليس لها مثيل ، وهذا شرف للطائف ناله بفضل من الله من ذلك القرب الشريف لمكة المكرمة وبركتها.
كما أن الطائف لارتفاعه ولنقاء جوه اللطيف يعتبر مصيف مكة المكرمة من الأزل ، حيث كان إلى عهد قريب - قبل دخول الكهرباء وقبل وجود السيارات - الكثير من الحجاج الموسرين يصيفوا أيضاً بعض الوقت في الطائف إلى دخول العشر من ذي الحجة ، وذلك إذا صادف موسم الحج في فترة الصيف لكونهم يأتوا إلى مكة المكرمة قبل الحج بفترة طويلة.
وهذا يجعلنا نؤكد على ما طلب من مقام وزارة الحج وغيرها من الجهات المعنية أن تجعل من الطائف ومطارها محطة لبعض الحجاج أو حتى المعتمرين قبل توجههم إلى مكة المكرمة وذلك لتنشيط الحركة التجارية في الطائف ولتخفيف الضغط على جدة ومطارها ، وفي نفس الوقت يرتاح ذلك الحاج أو المعتمر بعض الوقت في جو الطائف اللطيف ليقوم بأعمال الحج أوالعمرة وهو في كامل قواه فيشعر بلذة المناجاة وسائر العبادة بشكل أكبر.
والآن بحمد الله بعد التطور الكبير في وسائل النقل والطرق المعبدة السريعة، أصبح الطائف مصيف المملكة الأول وكما يحلو للبعض يسمونه عروس المصايف لذلك القرب الشريف لمكة المكرمة وبركتها، وهذا يجعل من جميع الموسرين ورجال الأعمال في وطننا الغالي أن يفكروا بجدية في تلك البركة التي حباها الله لأرض الطائف الخصبة وما تنتجه من خيرات وفيرة ومتميزة وجوها اللطيف ومياهها العذبة ، وفي مقدمة ذلك قربها من بيت الله الحرام.
فالاستثمار في عروس المصايف ناجح بكل المقاييس بإذن الله تعالى وذلك لو فكرنا بصدق ودققنا وأمعنا النظر في ذلك المعنى العظيم ، لخرجنا (بمفهوم جديد للسياحة) نتميز به عن غيرنا ، حتى نكون بعون الله خير أمة أخرجت للناس كما أراد الله سبحانه ، فنجعل من هذا المصيف وجميع مصايفنا جنة وافرة الظلال طيبة المأكل والمشرب هادئة المأوى والمسكن وأيضاً نحافظ جميعاً على المنجزات والخدمات التي وفرتها الدولة في المنتزهات والحدائق وعدم العبث بها ليستفيد ويستمتع بها الآخرون ، والحرص كل الحرص على النظافة مع عدم الإسراف في استعمال الماء ، وجمع النفايات في أكياس ووضعها في الأماكن المخصصة لها ، وجمع بقايا الأكل النظيف لمن هم في حاجة إليه ، ونعود أبناءنا على ذلك ، بحيث نتمتع بكل متع الحياة في غير معصية الله ، وفي نفس الوقت نسأل الله جلت قدرته أن يجعل إجازاتنا وما نتوخاه فيها من راحة وهدوء بال - نتيجة لاستمتاعنا بالجو اللطيف والتنعيم بما لذ وطاب من فواكه وخضار متميزة - قوة لنا على طاعة الله ، وفي مقدمة ذلك المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها ومع الجماعة ، والصلاة من أفضل الأعمال التي نشكر الله بها على نعمه التي لا تعد ولا تحصى ، لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم :أولا أكون عبداً شكوراً وذلك جوابا لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها التي أشفقت عليه من طول قيامه صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة ، فبالشكر تدوم النعم كما قال تعالى :وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد .
وعليه فإنه يلزمنا أن نحض ونرشد في مطبوعات اللجنة السياحية وفي ندواتنا وفي مجالسنا إلى ذلك المعنى العظيم وذلك لكل من قصد الطائف للسياحة والتمتع بما حباها الله من النعم بأن يخصص شيئاً من وقته للذهاب إلى أقرب وأقدس المدن على الأرض وذلك ليجدد العهد بربه عند بيته الحرام ليزيد من رصيد حسناته حيث يشعر بلذة المناجاة وسائر العبادة بشكل أكبر ، وليكن النزول إلى مكة المكرمة مرة أو مرتين على الأقل وخاصة في الفترة من بعد المغرب إلى بعد صلاة الفجر ثم يعود إلى مقر سكنه بالطائف دون تحمل أي أعباء مالية تذكر وفي نفس الوقت يتجنب سموم صيف نهار تهامة.
وهكذا فإن التمتع بنعم الله في غير معصية الله يقودنا حتماً إلى الشكر لمن أوجدها وأنعم بها علينا عز وجل ، فمتى عرفنا الله بنعمه وآياته ومخلوقاته وبأسمائه وصفاته ، فلا بد أننا سنعبده جميعاً ولا نشرك به شيئاً، وهذا هو سر وجودنا على هذه الأرض كما قال تبارك وتعالى :وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، وقوله تعالى :وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ، فالذي يعبد الله ولا يشرك به شيئاً لا يخاف إلا من الله لذلك فإنه لا يشرك به شيئاً، ويقوي هذا اليقين ما جاء في الحديث الحسن الصحيح الذي رواه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، يوماً فقال :يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فأسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم : أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف .
وعليه فإننا استخدمنا السياحة في بلدنا ولم تستخدمنا حيث لم نخسر شيئاً، بل وفرنا الكثير والكثير من المال الذي قد يصرف في الخارج في غير مرضاة الله ، أما المال الذي يصرف في الداخل فهو محفوظ ومتداول بيننا في توعيتنا وأبنائنا في المحافظة على كل ما يزيد من استمتاعنا بمصايفنا وما وجدت بها من خدمات وألعاب ترفيهية لأبنائنا، وكذلك في تحسين أوضاع وخدمات وانتاج مزارعنا ومطاعمنا وأماكن نزلنا ، وفوق هذا وذاك إننا لم نفقد هويتنا وحشمتنا ، بل ازددنا قرباً من الله وخوفاً منه جلت قدرته ، فما أحوجنا : إلى المربي الذي يخاف الله فيراقب الله في عمله ويساعد الضعفاء المعوزين ، وإلى المهندس الذي يخاف الله فيتقن عمله في منشآته وجسوره وطرقه لتدوم وتقاوم عوامل التعرية ، وإلى التاجر الذي يخاف الله فلا يحتكر ولا يطفف الكيل والميزان، وإلى الموظف الذي يخاف الله فيمقت الرشوة ويسهل أمور الناس المؤتمن عليها.
وهكذا جعلنا للسياحة مفهوماً ومعنى آخر تميزنا به عن غيرنا ، وحق لنا أن نتميز وجميعنا يعيش في بلاد الحرمين الشريفين حرسها الله ، وذلك لنكون بعون الله خير قدوة لغيرنا لنفوز جميعاً بفضل الله ورحمته بسعادة الدارين.
عبدالملك بن عبدالمغني أمين
صاحب ومدير مصنع شرى
لمياه الشرب بالطائف

أعلـىالصفحةرجوع










[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved