|
| شرفات
لقد تطرق أبو الطيب المتنبي في شعره الى ظواهر كونية محددة ومعروفة، وهي ناتجة عن حركة الأجرام السماوية المختلفة، وأشار الى استفادة الانسان من حركة ومسير هذه الأجرام في تحديد اتجاهه وفي معرفة وقته، ومعرفة الجهات المختلفة.
قال الشاعر في قصيدة يمدح بها كافورا:
فَشَرَّفَ حتى ليس لِلشَّرقِ مَشرِقُ وَغَرَّبَ حتى ليسَ للغرب مَغرِبُ |
يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: يقول: بلغ كلامي أقصى الشرق وأقصى الغرب.
يريد أنه انتهى الى حيث لا شرق له، وكذلك في الغرب.
وورد في لسان العرب: شرقت الشمس تشرق شروقاً وشرقاً: طلعت، واسم الموضع المشرق, والشرق: المشرق, والغرب والمغرب: بمعنى واحد, والغرب خلاف الشرق، وهو المغرب, والغروب: غيوب الشمس, وغربت الشمس تغرب غروباً ومغيرباناً: غابت في المغرب.
وقال الشاعر أيضا في قصيدة يمدح بها سيف الدولة.
2 وَكُلُّ امرِيءٍ في الشَّرقِ والغَربِ بعدَها يُعِدُّلَهُ ثَوباً مِنَ الشَّعرِ أسوَدَا |
يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: يريد: وترهب كل امرىء في الشرق والغرب: فمن يخالفه يلبس المسوح ويتوب، ان كان هذا ينجيه من بأس سيف الدولة.
وقال الشاعر أيضا في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:
3 الَّذِي زُلتُ عَنهُ شَرقاً وغَربا ونَدَاهُ مُقابِلي ما يَزُولُ |
يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: يقول: سيف الدولة سافرت عنه وفارقته في شرق البلاد وغربها، وعطاؤه لم يَزُل عني.
وقال أبو الطيب أيضاً في قصيدة يمدح بها عبدالواحد بن العباس:
4 وَجَرينَ مَجرَى الشمَّسِ في أفلاكه فَقَطَعنَ مَغرِبها وَجُزنَ الَمطلَعا |
يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: يقول: جرت مفاخرك في الشرق والغرب مجرى الشمس، فما تركن شرقاً ولا غرباً الا جزنه، لأن ذكرك عم البلاد.
وقال الشاعر أيضاً في قصيدة يمدح بها سيف الدولة.
5 يُدَبِّرُ شَرقَ الأرضِ والغَربَ كَفُّهُ وَليسَ لَهاَ وَقتاً عَنِ الجُودِ شاغِلُ |
يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: يقول: انه يدبر المشارق والمغارب، والدواني والقواصي، وليس يشغله مع ذلك في وقت من الدهر شاغل عن جوده، ولا يعوقه عائق عما يبذله من فضله, والمعنى: لا يغفل عن الجود، وان عظم شغله.
لقد تطرق الشاعر في أبياته السابقة الى ظواهر كونية محددة ومعروفة، وهي ناتجة عن حركة الأجرام السماوية المختلفة واستفاد الشاعر من حركة ومسير هذه الأجرام في تحديد اتجاهه وفي معرفة وقته ومعرفة الجهات المختلفة.
يقول الشاعر في بيته الأول من أبياته السابقة: ان شعره وكلامه وصل الى أقصى الشرق وأقصى الغرب حتى وصل الى مكان ليس بشرق أو غرب.
ويذكر الشاعر في بيته الثاني أن الناس في الشرق والغرب تخاف وترهب بطش سيف الدولة بها.
ويقول أبو الطيب في بيته الثالث: انه ذهب وارتحل شرقاً وغرباً وعطاء سيف الدولة ما يزال يصل اليه.
أما في البيت الرابع فالشاعر يقول: ان شهرة وذكر ممدوحه ومفاخره وصلت الشرق والغرب، وهي تماثل في انتشارها واتساع ذكرها مسير الشمس في أفلاكها.
ويقول الشاعر أيضاً في بيته الخامس: ان سيف الدولة يدبر ويدير ويتحكم بالمشارق والمغارب ولا يشغله ولا يرده عن ذلك وقت من الأوقات عن تحقيق ذلك ومطاردة أعدائه.
ذكر الفرا ومحمدين 1412ه/1992م ان خطوط الطول الوهمية هي عبارة عن أنصاف دوائر تصل بين القطبين قطبي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي , وتعرف درجة الطول على أنها القوس المحصور بين الخط الطولي المار بالمكان وبين خط الطول الأساسي, ويمكن أيضا بأن يعرف خط الطول المار بالمكان المراد تعيين درجة طوله وكذلك عند التقائهما بمحور الأرض, ويعبر عن خط الطول الأساسي بدرجة طول صفر, وتقاس درجة الطول شرق خط الطول الأساسي وغربه, ولهذا وجب أن تحدد درجة الطول بالنسبة للشرق أو للغرب, وتمتد درجات الطول شرق خط الطول الأساسي 180 درجة للشرق أو للغرب كذلك, وعلى هذا يصبح مجموع درجات الطول 360 درجة نود أن ننبه القارىء أن هذه الخطوط هي خطوط وهمية وافتراضية، وهي من عمل الانسان ليستفيد منها في تحديد الوقت والاتجاه على سطح كرتنا الأرضية , وخطوط الطول هي عبارة عن أنصاف دوائر,
ويعتبر خط الطول المار بقرية جرينتش Greenwich في بريطانيا هو خط الطول الأساسي المستخدم دولياً الآن من المحتمل تغييره وتبديله في المستقبل لأن كل شيء جائز , والفرق بين كل درجة طول وأخرى أربع دقائق، تضاف اذا اتجهنا شرقاً وتطرح اذا اتجهنا غرباً.
ويضيف الفرا ومحمدين قائلين أيضاً: وبما أن الأرض تدور حول نفسها من الغرب الى الشرق بسرعة منتظمة حيث تتم هذه الدورة في 24 ساعة فعلى ذلك فان المدة التي تستغرقها درجة الطول أمام الشمس هي 24 X 60 360 أي 4 دقائق, أي أن الأرض تقطع 15 درجة طولية في الساعة، ولما كانت الأرض تدور من الغرب الى الشرق فان الشمس تشرق على خطوط الطول الشرقية قبل خطوط الطول الغربية بمقدار 4 دقائق عن كل خط طول, دعونا نفترض أن هناك شخصاً ما يقف تحت كل خط طول من خطوط الطول للكرة الأرضية فأين يا ترى شرقه وغربه؟ .
ويقول الفرا ومحمدين أيضاً: لما كان حساب الوقت يتطلب اضافة 4 دقائق كلما قطعنا درجة طول في اتجاهنا نحو الشرق أو انقاص 4 دقائق اذا اتجهنا غربا فاننا سنضيف 12 ساعة عن خط طول 180 اذا اتجهنا من الشرق أو ننقص 12 ساعة اذا اتجهنا من الغرب ووصلنا الى نفس المكان عند خط الطول 180 درجة فأيهما الصحيح؟ هل نضيف 12 ساعة أم ننقص 12 ساعة؟.
ويقول الفرا ومحمدين: ان الاجابة عن هذا السؤال واضحة اذ ان الفرق 24 ساعة أو يوم كامل بين الجانب الآسيوي لخط 180 درجة والجانب الأمريكي, فمثلا اذا كانت التقاويم تشير الى يوم الثلاثاء في الجانب الآسيوي فان التقويم في الجانب الأمريكي يكون متأخرا يوماً ويشير الى يوم الاثنين - وبسبب أهمية خط طول 180 فقد اتفق على تسميته خط التاريخ الدولي, ويمر خط التاريخ الدولي وسط المحيط الهادي حيث لا توجد الا جزر صغيرة, وينكسر هذا الخط ليتحاشى المشكلات التي تنشأ نتيجة اختلاف التقويم على جانبيه فينكسر اتجاه هذا الخط نحو الغرب لتقع جزر اليوش على الجانب الأمريكي, وعند درجة عرض 5 درجة جنوبا يتجه الخط نحو الشرق لتصير مجموعة جزر فيجي على الجانب الآسيوي نلاحظ هنا عدم استمرارية خط التاريخ الدولي وانه ينكسر لأن هذا الخط خط وهمي ومن عمل الانسان ولذلك امتد وانحرف على حسب رغبات الانسان ومطامحه , أليس شاعرنا قال:
فشرق حتى ليس للشرق مشرق وغرب حتى ليس للغرب مغرب |
وقال أبو الطيب أيضاً في قصيدة يمدح بها بدر بن عمار:
عَلى قَلَقٍ كَأنَّ الرّيحَ تَحتِي أُوَ جَّهُها جَنُوباً أو شَمَالا |
يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: يقول: أسيره على قلق، ويروى قلق بكسر اللام صفة لبعير كأنه ريح تحتي لسرعة مروره، أوجهها مرة الى جانب الجنوب، ومرة الى جانب الشمال، فعبر بالريحين عن الجانبين، ويروى يميناً أو شمالاً, يريد: تارة الى صوب اليمين، وتارة الى صوب الشمال، عن يمين القبلة وشمالها.
يقول الشاعر في بيته هذا: انه كان يمتطي بعيراً وانه كان يسير هذا البعير بسرعة كأنها سرعة الريح، وانه يوجهه مرة صوب الشمال ومرة صوب الجنوب.
وهنا فقد أكمل لنا الشاعر جهات الأرض الأربع، فقد أشار في الأبيات السابقة الى الشرق والى الغرب، وهنا في هذا البيت أشار للشمال والى الجنوب.
وذكر الفرا ومحمدين أيضا 1412/1992م : ان درجة العرض لأي مكان تعرف بأنها الزاوية التي تحدث نتيجة التقاء الخط الواصل من هذا المكان بنصف قطر الأرض وذلك من نقطة مركز الأرض, ويمكن أيضا التعبير عن درجة العرض بأنها الزاوية المحصورة بين مستوى خط الاستواء وسطح مخروط رأسه عند مركز الأرض، ويقع سطح الأرض عند المكان المراد معرفة درجة عرضه, وتقسم دوائر العرض سطح الكرة الأرضية ويعبر عنها بالدرجات، وهي تمتد من خط الاستواء الذي يعتبر أطول دائرة عرض، ويعبر عنه بدرجة العرض صفر، ثم تسير في تدريجها باتجاه القطبين الشمالي والجنوبي, ويعبر عن القطب الشمالي بدرجة عرض 90 شمالاً والجنوبي بدرجة عرض 90 جنوباً, ومعنى ذلك أن درجات العرض تمتد 90 على كلا جانبي خط الاستواء, ويكون مجموع درجات العرض التي تحيط بالكرة الأرضية 180 درجة ويفصل بين كل دائرة عرض وأخرى حوالي 70 ميلا 112كم ، وهي عبارة عن درجات كاملة.
ويضيف الفرا ومحمدين قائلين: انه من الملاحظ أن الليل والنهار يتساويان مرتين في كل عام وذلك في 21 مارس، 22 سبتمبر لقد قال المتنبي: وما ليل بأطول من نهار,,,, والسبب في ذلك يرجع الى تعامد أشعة الشمس على خط الاستواء في هذين اليومين.
يقول القلقشندي 1404ه/1987م : ان ما يستوي فيه الليل والنهار دوما، لا يختلفان بزيادة أو نقصان هو في ذلك البلاد التي لا عرض لها، وهي ما مر عليه خط الاستواء، والعلة في التساوي هي أن أصحاب الهيئة لما توهموا أن بين قطبي فلك البروج دائرة عظمى تقسم سطح السماء نصفين على السواء وسموها دائرة معدل النهار، وتوهموا أيضا في موازاتها دائرة أخرى تقسم سطح الأرض نصفين وسموها دائرة الاستواء وخط الاستواء، وكل بلد يمر عليه هذا الخط لاعرض له، وذلك لانقسام الكرة الأرضية فيه وطلوع الشمس دوما على رؤوس ساكنيه، وميلها في ناحيتي الشمال والجنوب بقدر واحد، ودوائر الأوقات تقطع جميع الدوائر الموازية لدائرة معدل النهار بنصفين، فيكون قوس النهار وهو الزمان الذي من طلوع الشمس الى غروبها مساويا لقوس الليل وهو الزمان الذي من غروب الشمس الى طلوعها، فيكون الليل والنهار متساويين دوما في هذه المواضع في جميع أوقات السنة.
ويضيف الفرا ومحمدين قائلين أيضا: عندما تتحرك الشمس حركتها الظاهرية شمالاً فانه يلاحظ ابتداء زيادة في طول النهار حتى يبلغ أقصى طول له يوم تعامد أشعة الشمس على مدار السرطان، وفي هذه الحالة يكون طول النهار في القطب الشمالي عبارة عن ستة أشهر, وفي نفس الوقت يكون القطب الجنوبي معزولاً تماماً عن أشعة الشمس ويصل طول الليل فيه الى ستة أشهر, وعندما تبدأ الشمس رحلة العودة ناحية الاستواء يبدأ طول النهار في القصر في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، بينما يصاحب ذلك طول في النهار في النصف الجنوبي, وتستمر هذه الحالة الى ان تتعامد أشعة الشمس على خط الاستواء يوم 22 سبتمبر وعندها يتساوى طول الليل والنهار في نصف الكرة الشمالي والجنوبي, وباستمرار الشمس في رحلتها الظاهرية جنوبا، ويصاحب ذلك طول النهار تدريجياً في النصف الجنوبي الى أن يبلغ أقصى طول له عندما تتعامد أشعة الشمس عند مدار الجدي وذلك يوم 22 سبتمبر وعندها يكون طول النهار ستة أشهر في القطب الجنوبي وطول الليل ستة أشهر أيضا في القطب الشمالي قال الشاعر:
وجرين مجرى الشمس في أفلاكها فقطعن مغربها وجزن المطلعا |
اضافة لما سبق فقد ذكر الفرا ومحمدين أيضاً أن للكرة الأرضية قطبين مغناطيسيين، أحدهما في شمالها والآخر في جنوبها، ولهذا فان الابرة المغناطيسية تنطبق على المجال المغناطيسي للأرض، ويشير أحد طرفيها الى الشمال المغناطيسي بينما يشير الطرف الآخر الى الجنوب المغناطيسي, وبما ان طرفي ابرة البوصلة يشيران الى كل من القطبين المغناطيسيين، فان البوصلة لا تحدد لنا الشمال الحقيقي الا في حالات محددة عندما تتطابق خطوط الطول في أماكن معينة مع خطوط المجال المغناطيسي لا ندري ما اذا كان المتنبي قد استخدم البوصلة في تحديد الشمال والجنوب، وما إذا كان يعرف خطوط الطول وخطوط العرض).
مما سبق يمكننا أن نفترض أن هناك شخصاً ما يقف عند كل درجة عرض من خط الاستواء شمالاً إلى أن يقف عند قمة القطب الشمالي وبالعكس بالنسبة لنصف الكرة الجنوبي ، فما هو يا ترى شماله وجنوبه بالنسبة للشخص الآخر حتى نصل إلى قمتي القطبين الشمالي والجنوبي؟ فإذا كانت الشمس تشرق في احدهما ستة أشهر ، وتغيب عن الآخر ستة أشهر فأين يا ترى الشمال في القطب الشمالي، وأين الجنوب في القطب الجنوبي؟ وأين كذلك الشرق وأين الغرب في هذين القطبين؟!!
يتبع
|
|
|
|
|
