أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 27th June,2000العدد:10134الطبعةالاولـيالثلاثاء 25 ,ربيع الاول 1421

منوعـات

وعلامات
رجل كان يتحدى الدّاء,!
عبدالفتاح أبومدين
* لعلّ بعض الناس,, يعذرون الذي لايستطيع أن يستجيب سريعا، للمشاركة الفورية، حين حدوث مأساة أو مصيبة الموت,, كما سماها الكاتب العزيز، فلا يقول كلمة ولا يدلي برأي، ولا يخط بيمينه ما يرضي المطالبين بالمشاركة, وأنا أحد هؤلاء، لأن الموت,, وهو حق، حين أفاجأ بأنه حلّ في دار عزيز غالٍ، ينتابني ما يشبه الخرس فلا أستطيع أن أعبر، وأعني بالتعبير,, الذي يرضي نفسي، ثم يرضي الآخرين، لذلك، فإنني ألوذ بالصمت,, وأعتذر عن المشاركة، وهذه حال، لا ترضي الذين ينتظرون منك,, سرعة المبادرة، والاستجابة التي لا تحتمل الإرجاء، أو ما يمكن أن يفسر بأنه تسويف !
* مات الأستاذ عبدالعزيز مشري ، ولم أستطع يومها أن أشارك بكلمة، ولي عذري الذي أبديت، وقبوله ورفضه لا يمثل عندي أهمية تشغلني عند الذين لا يقبلون عذرك، لأني لست آلة,, تدار متى ما شاء أصحابها,! وحتى الآلة تأتي عليها حال فلا تستجيب، وهكذا البشر، أو بعضنا على الأقل,!
* كان المشري فنانا، أو هكذا ولد,! ولعلّ الداء زاد في توهج الفن القصصي في نفسه، ليبدع، فالمسألة انعكاس,, عند الذين لا يستسلمون للداء مهما قسا وتعمق في نفس الإنسان الفنان، ذلك أن الوجه الآخر للإنسان ذي الإبداع، يقاوم ما يمكن أن نسميه التحدي، ففي داخل الفنان مقاومة قوية جداً، وأعني الفنان المطبوع القوي، والقوة إرادة وبأس, والذي يستسلم هو الضعيف، الذي لم يألف الصبر، والصابرون يوّفون أجورهم بغير حساب,, كما يعلن الكتاب العزيز,! والصبر إرادة وقدرة وحياة، وقلة الصبر قلق وضعف وموات,!
* أذكر يوم كرَّم النادي الأدبي الثقافي,, الأستاذ المشري، ورأيت أهله وأحبابه,, يحملونه من السيارة الى صالة المحاضرات، من الباب الخلفي للنادي، حتى أخذ موقعه,, في صدر منصة الحديث, رأيت رجلا، له من الصبر أكثر من طاقته، وأكبر من جسمه النحيل المحطم، فأكبرت فيه تلك الإرادة,, التي لا يفلّها الحديد!، ولعلّ الداء أقوى من الحديد، لأنه ينخر العظام، ويذيب اللحم، ولكنه لا يغلب العزيمة، لأنها إرادة، وهي من عطاء الخالق سبحانه وتعالى، الذي يقدّر على عباده,, ليمتحنهم، ثم يعوض المبتلى الصابر وحتى غير الصابر,, بفضله سبحانه وتعالى,!
* تحدث في النادي أصدقاء عبدالعزيز مشري، فأثنوا على فنه وعطائه، وأشادوا بقوة عزمه وتحديه للداء, والتحدي عندي,, ليس استخفافا بالمقدور لا سمح الله وإنما عدم الاستسلام، وذلك هو دأب المؤمن القوي، أرجو الله أن يكون المشري ذا الرجل الصابر، الذي سينال من ربه جزاء صبره وتسليمه لقدر الله,!
* كنت يومها سعيداً,, في تلك المناسبة، وهذا أقل ما ينبغي فعله لرجل، أخلص لفنه وبرع فيه، ولا سيما في ساحة الامتحان وقسوته، وعنف وقعه,! والعجيب حقا، وهو ما وقع في نفسي يومها، ومن متابعتي لكتاباته، أنه لا يشكو وتلكم قدرة الأقوياء، الذين اختاروا الصبر سلاحا,, لمقاومة المرض العضال، فتغلبوا عليه، ولم ينهزموا، ولم يستخذوا، ولا استسلموا لما حلّ بهم، وإنما المقاومة كانت منطق حياتهم، وكانت ديدنهم وخطابهم إلى الآخرين,, الذين حولهم، والذين يقرأونهم,, ويستمعون الى أحاديثهم وحواراتهم ولغة خطابهم,!
* والتقيت بالمشري,, ربما مرتين، إحداهما عند الأخ الشاعر الاستاذ عبد الله الخشرمي,, في مكتبه بالغرفة التجارية بجدة، فرأيت رجلا سويّا ، أي ليس عليه سيماء الجزع، ولا الخوف ولا الضعف مما في نفسه وبدنه، فأكبرت تلك النفس، التي من أسلحتها الإباء والصبر والاحتمال، وكتمان ما فيها,, مما تنوء به القوة، فتئن، وتتألم وتزفر وتشكو، وعلى الاقل,, من أجل التنفيس من الكرب العظيم، لأن النار لاتحرق إلا رِجل واطيها,, كما يقال,!
* رحم الله الأديب الفنان عبدالعزيز مشري، وجزاه بفضله على صبره، واحتماله ذلك الداء المستشري، وملأ بالصبر صدور أهله وأحبته، وعوضهم خيراً في فقده,!

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved