أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 28th June,2000العدد:10135الطبعةالاولـيالاربعاء 26 ,ربيع الاول 1421

مقـالات

وقفات مع فصل الصيف
د, زيد بن محمد الرماني *
ان اختلاف أحوال الدنيا من حر وبرد وليل ونهار يدل على سرعة انقضاء هذه الدنيا وزوالها، وكل ما في الدنيا يدل على صنعة الخالق عز وجل ويدل على صفاته العليا.
فما فيها من نعيم وراحة يدل على كرم الخالق سبحانه وفضله واحسانه، وما في الدنيا من نقمة وشدة وعذاب يدل على شدة بأسه وبطشه وانتقامه عز وجل.
ان موسم الصيف مليء بالدروس والعظات والفوائد الأدبية والاجتماعية والانسانية.
الوقفة الأولى: اللغة والصيف:
جاء في مختار الصحاح للرازي رحمه الله: صيف: الصيف أحد فصول السنة وهو بعد الربيع الاول وقبل القيظ, ويمتد من أواخر يونيه الى أواخر سبتمبر كما في المعجم الوجيز.
يقال: صيف صائف: توكيدا، كما يقال: ليل لائل وشيء صيفي، ويوم صائف: حار، وليلة صائفة.
وعامله مصايفة: أي أيام الصيف، مثل المعاومة والمشاهرة والمياومة.
وصاف بالمكان أقام به الصيف، كذا اصطاف وتصيّف, والموضع: المصيف والمصطاف.
وتصيّف من الصيف، كما نقول تشتّى من الشتاء والصائفة: الغزوة في الصيف, وبها سميت غزوة الروم، لأنهم كانوا يغزون صيفا، اتقاء للبرد والثلج.
وجمع الصيف أصياف، وصيوف ، كما ان جمع الصائفة صوائف .
وصاف اليوم ونحوه صيفا: اشتد حرِّه.
اذن:
الصيف أحد فصول السنة الأربعة.
الوقفة الثانية: القرآن والصيف:
جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف قريش/ 1 2.
قال المفسرون كانت لقريش رحلتان: رحلة بالشتاء الى اليمن، لأن اليمن أدفأ، لأنها بلاد حامية، ورحلة بالصيف الى الشام لأنها بلاد باردة.
قال مالك رحمه الله: الشتاء نصف السنة، والصيف نصفها, وقال آخرون: الزمان أربعة أقسام: شتاء، وربيع، وصيف، وخريف.
ان عملية تحديد الوقت في فصول السنة من الأمور الادارية التي ذكرها الله تعالى في سورة قريش فظروف الطقس لجغرافية جزيرة العرب، تؤكد معاني هذه السورة.
فالطقس في الشتاء في شمال الجزيرة العربية والشام شديد البرودة، بالاضافة للأمطار أو الثلوج.
لهذا، فإن سير قوافل التجارة في ذلك الفصل الى الشمال، من الصعب، لأن الإبل والجمال تتحمل الحرارة أما البرودة فيصعب عليها.
أما فيما يختص برحلة الشتاء الى الجنوب في اليمن فقد كان الطقس معتدلا ممطرا خفيفا.
لهذا كانت رحلة الشتاء الى الجنوب.
اضافة الى ان الدورة الزمنية لقوافل قريش كانت تستغرق في رحلتها ذهابا وايابا من شهرين الى ثلاثة شهور.
مما يؤكد ان زمن سير القافلة كان يتفق مع الطبيعة الجغرافية للجزيرة العربية وظروف الطقس بها.
الوقفة الثالثة: الحديث والصيف:
جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اشتكت النار الى ربها، فقالت يا رب أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر من سموم جهنم، وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم .
كما وردت أحاديث عديدة تخص الصيف، كما في قوله عليه السلام لأحد صحابته: ألا تكفيك آية الصيف وقوله عليه الصلاة والسلام: شدة حر الصيف,, من فيح جهنم , وقد ورد كان رسول الله يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف ، و كان قدر صلاة رسول الله عليه السلام الظهر في الصيف .
الوقفة الرابعة: العرب والصيف:
ورد عن العرب قولهم في أمثالهم سحابة صيف عن قليل تقشع فقد شبه العرب الأمر الذي يرجى له الزوال السريع، أو الذي لا يلبث حتى يزول بسحابة الصيف لا تظهر في السماء حتى تتقشع وتتفرق لأن سحاب الشتاء بطيء السير، لأنه ثقيل مملوء بالمطر، أما سحاب الصيف فخفيف سريع التفرق والزوال.
كما ورد عن العرب قولهم في الصيف ضيعت اللبن .
يقال ذلك لمن ضيع ما في يده ثم طلبه بعد فواته حيث يروى ان امرأة من العرب تزوجت رجلا ذا مال، لكنه كان شيخا تقدمت به السن، فاختلفا فطلقها، وكان ذلك وقت الشتاء الذي يكثر فيه المرعى ويدر اللبن.
وتزوجت المرأة بعد طلاقها شابا جميلا، لكنه غير ثري فلما جاء الصيف احتاجت الى اللبن، ولم يكن للبن وجود في ذلك الوقت الا عند زوجها الاول، فبعثت اليه ترجوه بعضا منه فأبى وصاح قائلا: في الصيف ضيعت اللبن .
لذلك، فلو ان أمة نزل بها وباء فنهضت له وأسرعت في القضاء عليه، أو داهمها عدو فهبت له وتمكنت من رده، أو كان يرجى النصر بعد الهزيمة أو الغنى بعد الفقر، أو الصحة بعد المرض، أو المودة بعد الخصام، فحينذاك يقال: سحابة صيف عن قليل تقشع .
ولو أسرف رجل في ماله ثم بحث عنه وقت العجز فلم يجده، أو أسرف في صحته ثم جاء يطلبها وقت الشيخوخة أو لم يسمع النصح في وقته ثم راح ينشده بعد فوات الوقت قيل له ولأمثاله في الصيف ضيعت اللبن .
الوقفة الخامسة: الأدب والصيف:
قيل في الصيف مدحا، الصيف خفيف المؤنة، جليل المعونة، كثير النفع، قليل الضر، وهو أم الحب والرياحين وبنات البساتين، وراحة الفقراء والمساكين، وستر الضعفاء والمتخملين، والعون على عبادة رب العالمين، وطبعه طبع الشباب الذي هو باكورة الحياة، كما ان الشتاء طبعه طبع الهرم الذي هو باكورة العدم.
وقيل في الصيف انه زمان الكد، لذا قيل: من لم يغلُ دماغه صائفا لم تغل قدوره شاتيا, قال أحدهم:


وان الذي لم يغل صيفا دماغه
وجدّك لا تغلي شتاء قدورهُ
كذلك مقسوم المعايش في الورى
بسعي ورعي تستبين أمورهُ

وفي ذم الصيف قيل: حر الصيف كحد السيف.
وكتب بعض الكتّاب الى صديق له: أشكو اليك صيفا لا يطيب معه عيش ولا ينفع به ثلج ولا خيش.
وكتب آخر: كيف لي بالحركة وقد قوى سلطان الحر وفرش بساط الجمر، لا سيما وفيه الهاجرة التي هي كقلب المهجور والتنور المسجور.
وكتب آخر : لا مرحبا بالصيف من ضيف، فهو عون على الحيات والعقارب، وأم الذباب والخنافس، وظئر البق الذي هو آفة الخلق.
الوقفة السادسة: الشعر والصيف:
قال أحدهم:


يتمنى المرء في الصيف الشتاء
فاذا جاء الشتاء أنكره
فهو لا يرضى بحال واحد
قتل الانسان ما اكفره

وقال آخر:


رب يوم هواؤه يتلظى
فيحاكي فؤاد صب متيم
قلت اذ خدّ حره حر وجهي
ربنا اصرف عنا عذاب جهنم

وقال ثالث:


من كل سائلة الخرطوم طاغية
لا يحجب السجف مسراها ولا اكلّل
طافوا علينا وحر الصيف يطبخنا
حتى اذا نضجت أجسامنا أكلوا

وقال رابع مستظرفا:


رأى الصيف مكتوبا على باب داره
فصحفه ضيفا فقام الى السيف
فقلنا له خيرا فظن بأننا
نقول له خبزا فمات من الخوف

الوقفة السابعة: الصبر والصيف:
ان مما يؤمر بالصبر فيه على حر الشمس، النفر للجهاد في الصيف، كما قال تعالى عن المنافقين (وقالوا لا تنفروا في الحر، قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون).
وكذلك في المشي الى المساجد للجمع والجماعات وشهود الجنائز ونحوها من الطاعات والجلوس في الشمس لانتظار ذلك حيث لا يوجد ظل.
خرج رجل من السلف الى الجمعة فوجد الناس قد سبقوه الى الظل فقعد في الشمس فناداه رجل من الظل ان يدخل اليه فأبى ان يتخطى الناس لذلك ثم تلا (واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور).
الوقفة الثامنة: الصوم والصيف:
ان مما يضاعف ثوابه في شدة الحر من الطاعات الصيام لما فيه من ظمأ الهواجر، ولهذا كان معاذ بن جبل رضي الله عنه عند احتضاره يتأسف على ما يفوته من ظمأ الهواجر وكذلك غيره من السلف.
وقد ورد أن الصديق رضي الله عنه كان يصوم في الصيف ويفطر في الشتاء, وقد وصى الفاروق رضي الله عنه عند موته ابنه عبدالله فقال له عليك بالصيام في شدة الحر في الصيف.
وكانت عائشة رضي الله عنها تصوم في الحر الشديد وكان مجمع التيمي رحمه الله يصوم في الصيف حتى يسقط وكانت بعض الصالحات تتوخى أشد الأيام حرا فتصومه فيقال لها في ذلك، فتقول ان السعر اذا رخص اشتراه كل أحد، في اشارة الى انها لا تؤثر الا العمل الذي لا يقدر عليه الا قليل من الناس لشدته عليهم وهذا من علو الهمة.
وقد كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: صوموا يوما شديدا حره لحر يوم النشور، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور.
الوقفة التاسعة: النار والصيف:
ان شدة الحر والبرد تذكّر بما في جهنم من الحر والزمهرير وقد دل هذا الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف,,, .
المذكور سابقا الوقفة الثالثة، على ان ذلك من تنفس النار في ذلك الوقت قال الحسن رحمه الله: كل برد أهلك شيئا فهو من نفس جهنم وكل حر أهلك شيئا فهو من نفس جهنم.
في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اذا اشتد الحر فابردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم .
الوقفة العاشرة: الصيف دروس وعبر:
رأى عمر بن عبدالعزيز رحمه الله قوما في جنازة قد هربوا من الشمس الى الظل، وتوقوا الغبار، فبكى ثم أنشد:


من كان حين تصيب الشمس جبهته
أو الغبار يخاف الشين والشعثا
ويألف الظل كي يبقى بشاشته
فسوف يسكن يوما راغما جدثا
في ظل مقفرة غبراء مظلمة
يطيل تحت الثرى في غمها اللبثا
تجهزي بجهاز تبلغين به
يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا

لذا، ينبغي لمن عانى أو يعاني من حر الشمس ان يتذكر حرها في الموقف، فإن الشمس تدنو من رؤوس العباد يوم القيامة ويزاد في حرها.
وينبغي لمن لا يصبر على حر الشمس في الدنيا أن يجتنب من الأعمال ما يستوجب صاحبه به دخول النار، فإنه لا قوة لأحد عليها ولا صبر.
قال أحدهم:


نسيت لظى عند ارتكانك للهوى
وأنت توقى حر شمس الهواجر
كأنك لم تدفن حميما ولم تكن
له في سياق الموت يوما بحاضر

خرج ابن عمر رضي الله عنهما في سفر معه اصحابه فوضعوا سفرة لهم فمر بهم راع فدعوه الى ان يأكل معهم ,, قال اني صائم فقال ابن عمر في مثل هذا اليوم الشديد حره، وأنت بين هذه الشعاب في آثار هذه الغنم وانت صائم فقال: أبادر أيامي هذه الخالية.
فعجب منه ابن عمر فقال له: هل لك ان تبيعنا شاة من غنمك ونطعمك من لحمها ما تفطر عليه ونعطيك ثمنها قال: انها ليست لي انها لمولاي قال فما عسيت ان يقول لك مولاك ان قلت أكلها الذئب فمضى الراعي وهو رافع أصبعه الى السماء وهو يقول فأين الله فلم يزل ابن عمر يردد كلمة الراعي فلما قدم المدينة بعث الى سيد الراعي فاشترى منه الراعي والغنم، فأعتق الراعي ووهب له الغنم.
نكتفي بهذا القدر من وقفات مع الصيف في موسم الصيف وأيام الصيف وليالي الصيف والمصائف العامرة وزمان الاصطياف.
* عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved