أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 29th June,2000العدد:10136الطبعةالاولـيالخميس 27 ,ربيع الاول 1421

الاقتصادية

في الاقتصاد
شراء السعادة بالمال
د, سامي صلاح عبدالله الغمري
قد يعتقد البعض ان كسب المزيد من المال يعني بالضرورة كسب المزيد من السعادة وتصر هذه الفئة على أن هناك فعلاً علاقة وطيدة بين المال وبين السعادة الدنيوية فكلما كان الرصيد البنكي جيداً (فئة الستة اصفار واكثر) استطاعت بسهولة ان تنال وتستحوذ على كل رغباتها الشرائية وتحقق كل امنيات الاسرة, والحقيقة انه ليست للسعادة مقاييس كمية أو نوعية تقاس على ضوئها مستوياتها المتبانية المعالم , فالسعادة موطنها ومنبعها القلب النابض بالحب والسرور وليس الجيب العامر بدفتر الشيكات، والسعادة الانسانية امر نسبي تختلف اختلافا كليا شكلا ومضمونا ومكانا وزمانا على ظهر البسيطة، فقد نجدها متصلة ومتلازمة لعقليات وسلوكيات افراد تعتقد ان السعادة مال فهي تسعى سعيا حثيثا صوب كسب الكثير منه بأي مسلك كان حلالا ام حراما، مقتنعة بأن الكثير منه يعني الحياة الكريمة ونيل المرام فيها، هذه الفئة من السلوكية تظن كل الظنون بأن المال هو إذن المخلص والمنجد الوحيد من كل مشكلاتها المادية وضغوطها اليومية المتعبة تأتي بعدها السعادة النفسية, بينما نجد على النقيض من ذلك سلوكيات اخرى لاتتفق معها في اعتقادها بأن السعادة هي المال, فهي ترى ان السعادة كثروة حقيقة للحياة تكمن خفية في الاحساس الداخلي بالرضا وراحة البال والبعد عن القلق والهواجس المؤلمة, وهي فئة من المجتمع تكون قانعة راضية بما قسم لها مستخدمة المال المكتوب لها من فوق سبع طباق فقط كوسيلة تعيش به حياة هادئة مطمئنة لاغاية في حد ذاتها تهان امامها القيم والاعراف، وترى ان السعادة يفترض ان تقاس بمعيار بسيط وهو انها طالما وجدت وحصلت على كفاف الاربع: الحاجات الضروريات (الغذاء والماء والكساء والايواء) وبشكل مقبول فهي السعادة بعينها تصفر وتضمحل عند حدودها رغبات الحاجات الاستهلاكية الكمالية المقارنة لذا فان العلاقة بين المال والسعادة عندهم تكاد تنتهي عند حد تلبية الحاجات الداخلية الفطرية (ستر الحال) اما خلاف متطلبات الحياة الاربع السابقة فيمكن اعتباره شيئاً نسبياً اضافيا يمكن لاي انسان ان يؤجله الى حين او يستبدله بشيء آخر عوضا عنه, بمعنى اخر ان الرغبات الخارجية الاستهلاكية غير الضرورية انما هي في الاصل استجابة لفكرة او تصور ذهني ومحاكاة لمكانة اجتماعية نريد منها ان نعكسها على انفسنا او نوحي بها للآخرين (حاجة في نفس يعقوب) لغرض ودافع نفسي نستخدم فيه المال لاشباع ذلك الغرض وتوصيل رسالة غير شفوية اليهم نرجو منها فرض التقدير عليهم فهي بذلك ليست من السعادة في شيء ان لم تكن مرضا دفينا يعالج بمسكن المال, فقد يرغب فرد في ان يسكن في منزل يضم خمس حجرات رحبة او تسور معصمه ساعة مرصعة بفصوص الاحجار النفيسة من اجل ان يظهر بمكانة اجتماعية (عاميا تعرف بالبنجخة) ترفع من معنوياته النفسية معتقداً ان ذلك المظهر البراق قد يشتري به احترام الناس او ينال طأطأة رؤوسهم له, حيث انه شاعت الاقوال وبات من المعروف ان الغني الممتلك لاصول مالية ثابتة ومتحركة سوف ينال اعجاب من حوله اما خالي اليد فارغ الجيب فليس له مسمع ولا خاطر, وهنا فقد اصبحت الصورة المظهرية للشخص هي الحكم والانطباع السائد في المفاضلة بين الافراد دون اي اعتبارات اخرى عديمة القيمة النقدية, ورغم كل تلك التغيرات السلوكية المعاصرة يبقى صاحب التكليف والمظهر ناسيا وجاهلاً ان هذا الانطباع يعتمد اساسا على تفسير الآخرين له لما يرون هم بأنفسهم عليه وبما عرفوا عنه في سيرته الذاتية وليس على ماتمنى ونواه في نفسه او أوحاه لهم بملبسه او بمسكنه رغم كل ماانفقه من المال لارسال تلك الرسالة النفسية اليهم, وقد تكون تلبية الرغبات الاستهلاكية سببا سيئا يدخله في دائرة ضغوط وقروض مالية مستعصية فضلا على ذلك فان تلبية الانسان لكل رغباته المادية امر يستحيل انجازه في معظم الاحيان, فالمظهر الخارجي لايضيف او ينقص من صاحبه شيئا ولايعدل او يغير فيه حال.
انما الافعال الطيبة هي الفاصل غالبا ولو كان المتكلف من محبي الخير وفاعليه فان الناس سوف يضعونه في المكان الذي هو فيه (قلوبهم) بغض النظر عن ماركة السيارة التي يقودها او مصمم الزي الذي يرتديه, ويبدو ان النمط الاستهلاكي هو المقرر الذي يتصرف به الفرد ومن المستحسن ان ينظر سعيد الحظ بتريث في مجريات حياته ويستعرض بالتفصيل قائمة الاولويات اليومية محاولا ترشيد مصروفاته والبعد عن الاسراف والتبذير, وكل فرد في اي مجتمع يقرر كيف ولماذا يريد ان يعيش بالطريقة التي يختارها, وعادة كلما فقد الاحساس بالرضا وبالسعادة كلما زادت حياة الفرد مشقة واشتعل الرأس شيبا كما انه كلما زادت حياة الفرد تعقيدا وتبذيرا في نمط ومصروفات استهلاكاته الكمالية كلما فقد الاحساس بالسعادة وبعُد عنها قلبا وقالبا نجده فيها يصب جل همه وقدراته وطاقاته على تلبية تلك الكماليات والرغبات المتلاحقة المتصاعدة ومن المحتمل ان يكون بيت ذلك المتكلف متخما بمشتريات تم اقتناؤها تحت وهم الحاجة اليها الا انه سوف يتمنى لاحقا بأنه لم يشتر تلك الكماليات الباهظة الثمن, وقد يسعده الحال فيما لو توقف لفترة وجيزة عن استنفاد دخله المالي الشهري في المشتريات الخارجية لعله تتوفر له السيولة الكافية ليبدأ بداية جديدة يحاول عندها اضفاء قيمة حقيقية لحياته قبل فوات الأوان, فبدلاً من شراء سيارة بطول خمسة امتار قد تؤذي مشاعر الفقراء يمكنه مثلا بقليل من ثمنها مد العون لهم لعله يجازى عاجلاً بخير من لدن حكيم خبير أو آجلا ليوم لاظل فيه الا ظله, ومعظم الناس يعرفون انه من الحكمة والعقل ان يصرف الفرد اقل ممايكسب في دخله الشهري وليس من المنطق ان يصرف الفرد كل دخله في مشتريات قد لايحتاج اليها بتاتاً, الا ان القلة منهم من يخططون لمدخراتهم واستثماراتهم بوعي وحكمة والكثير منهم يجدون صعوبة في امكانية الادخار متحججين بضعف مستوى دخلهم المالي او التزاماتهم الاسرية المتراكمه وتغير النمط الاستهلاكي يتم بعدة طرق منها:
أ ان يقرر الفرد بأن يكون الادخار اسلوبا لحياته لاظرفا, فعليه ان يضع تصورا متكاملا لما سيفعله بمدخراته وكيف سينفذ ذلك التصور وخطته المستقبلية ومن الافضل ان يحدد النسبة التي يريد ادخارها من دخله الشهري ويبدأ بصرف اولوياته واستحقاقاته قبل اي شيء آخر.
ب ان يقتصد في مشترياته وان يكون مدبرا لما لامبذرا في نفقاته اليومية فالمفروض ان يفكر بما هو مقدم على شرائه وهل شراؤه للشيء مطلوب ضروري ام لا, كما يجب على الفرد ان لايبالغ في الصرف المالي في المناسبات الخاصة, ولايبالغ في التفاخر والمظاهر الاجتماعية المكلفة, وليجرب ان يكسب محيطه الاجتماعي ليس فقط بكونه يملك الكثير من المال والكماليات وانما ايضا بكونه يملك الثروة الحقيقية للسعادة ثروة الادب والعلم وانه اهل للخير وفعله.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved