أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 30th June,2000العدد:10137الطبعةالاولـيالجمعة 28 ,ربيع الاول 1421

الاخيــرة

معانٍ في شعر الشافعي
د, محمد بن عبدالرحمن البشر
تخالج النفس البشرية الكثير من المعاني التي تتبلور لديهم حتى تكون قناعات ربما تظهر جلية في سلوكهم وقراراتهم, والموظف في وظيفته، ورب البيت في منزله، ورجل الأعمال في تجارته ليس ببعيد عن ذلك المعنى، والامام الشافعي الفقيه المجرب تجلت له مثل تلك المعاني فنسجها شعرا سلسا، تتناقله الناس في عصرنا هذا.
وقد يكون من الملائم الحديث في هذه العجالة عن بعض من تلك المعاني، ففي بيت من الشعر نراه قد قال:


كل العداوة قد ترجى مودتها
إلا عداوة من عاداك عن حسد

أليست تلك مقولة حق؟! فوربي فقد أنصف فيما قال, فإن العدو الحاسد لا يثوب عن معاداته إلا بزوال نعمة المحسود، فمبعث العداوة يكمن في بقاء النعمة وتمتع المحسود بها، فلا تلطف المحسود للحاسد يمنعه عن مواصلة حسده، ولا انصرافه عنه راداً إياه عن أربه, فديدن الحاسد في الحياة كذلك، حتى وإن أسديت له من المعروف ما تعتقد أنه سيلجم فاه، فهو غير بالغ رضاه, وسيان ان فعل المحسود أو لم يفعل، فسيظل هدفا يستلذ الحاسد برميه، وتظل غايته سقما لا يرجي برأه, وانه لحري بالانسان ان يتبصر ليرى بأم عينه أن أولئك النفر قليل، وان كان أثرهم غير يسير, وليس للمرء مخرج من غائلتهم، فما لغريمهم من صفات تميزه ولا لصديقهم خلال تغريه, فكان الله في عون كل من ساقته الأقدار للتعامل معهم، يقول الامام الشافعي:


داريت كل الناس لكن حاسدي
مداراته عزت وعز فعالها
وكيف يداري المرء حاسد نعمة
إذا كان لا يرضيه إلا زوالها

وقد خالج نفس الامام الشافعي معنى آخر جعله في بيتين من الشعر، غير ان الكثير من الناس وأنا أحدهم قد لا يتفق معه في ذلك المعنى، وان كان البعض قد جسد هذا المعنى قولا وعملا, يقول:


لا يكن ظنك إلا سيئا
إن سوء الظن من اقوى الفطن
ما رمى الانسان في مخمصة
غير حسن الظن والقول الحسن

من غير العدل أن يجعل المرء سوء الظن أمام ناظريه وأن يروض نفسه على ذلك، فالشقاء بهذا سيبلغ المدى، والأحقاد ستتجاوز المألوف، ناهيك عن الفرقة، واستفحال العداوة والبغضاء, وما أحسب ذا لب إلا وهو باحث عن السعادة، وفي الحب السعادة لا في البغضاء, من العجب ان يطرح الامام معنى يجسد فيه سوء الظن وكأنه من الفطن، فهل سوء الظن فطنه؟ لعل حسن الظن الذي يقود الى الاستغفال يرمي بالانسان الى المهالك، ولكن لا يعني بالضرورة أن نسيء الظن بالانسان, بل ما أمتع وأسعد من أن يحسن المرء الظن بالناس مع أخذ الحيطة والحذر حتى لا يؤخذ بغرة ويؤتى من مأمنه.
وفي معنى آخر يقول الامام الشافعي:


زن من وزنت بما يزنك
وما يزنك به فزنه
من جا إليك فرح إليه
ومن جفاك فصد عنه
من ظن أنك دونه
فاترك هواه إذن وهنه
وارجع إلى رب العباد
فكل ما يأتيك منه

هذه المعاني الجميلة هي شيم ذوي الألباب، وخلائق ذوي النهى والأحلام, فوربي لا يجد النبيل متعة ألذ من الكرامة، كما لا يجد الذليل متعة ألذ من المهانة، فكلاهما قد نال مراده بإشباع مبتغاه، غير أن البون بين الواقعتين كبير، والفرق في السلوك واضح جلي، وللمرء أن يختار ما يتوافق مع ما حباه الله من قيم، وارتضاه لنفسه من واقع.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved