أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 30th June,2000العدد:10137الطبعةالاولـيالجمعة 28 ,ربيع الاول 1421

شرفات

هذا الرجل ترجم يوميات لص و يوميات عبقري أيضاً
الكاتب والمترجم أحمد عمر شاهين في حوار للجزيرة يقول
الكمبيوتر أغبى مترجم رأيته في حياتي
بعد النكسة غادر احمد عمر شاهين غزة عاصمة القلب وسكن الأحباب الى القاهرة عاصمة الثقافة وملتقى الأدباء العرب جميعاً,, وبين الأحياء والميادين والوجوه تجول وأبدع ما يزيد على عشر روايات,,وبالتوازي مع روح الابداع بداخله عاش احمد عمر شاهين مترجماً محترفاً قديراً تزدان المكتبة العربية بترجماته مثل:مالون يموت لصمويل بيكتب و وصل القطار في موعده لهايزش بول، و قط وفأر لجونتر جراس,.
عن احوال الترجمة وهموم مترجم يفيض بالعطاء والدأب تكلم احمد عمر شاهين بهذا الحوار للجزيرة:
المتمرد والمختلف
* بجانب محاور اهتمامك المعروفة كمترجم هناك سمة اساسية في اختيارك تتعلق باختيار الأدب المتمرد ,,لماذا؟
محاور اهتمامي هي الرواية والقصة القصيرة وما يدور حولهما لانني ايضاً كاتب بجانب السير الذاتية والاحلام,, كما احرص على ترجمة الادب او المختلف ربما لان لدينا قيوداً تجعلني انجذب تلقائياً للابداع غير المألوف والثائر على التقاليد، فكل من يتمرد على العام او العرف في اي بلد، هو كاتب يسعى الى حريته، فمعظم دول العالم حتى الرأسمالية منها هناك حدود وقيود تفرض على الكاتب، وقد تجعله يتحول الى ماكينة او ترس في الآلة، فالكاتب يحاول دائما التمرد على ذلك ان كان يظن احيانا انه يعيش حريته، وهذه فكرة وهمية نسبياً، لانه بلا وعي يتصرف وفق مقولات عامة تبثها وسائل الاعلام ليل نهار، ويصبح الكاتب محكوماً بها، لكن هناك على الجانب الآخر من تنجح بصيرته ويتمرد على هذه القيود, من هذا المنطلق ترجمة يوميات لص لجان جينيه واعمال آلان جنسبرج، وحتى اعمال مثل مذكرات جرهام جرين كنت اشعر فيها بهذا التمرد والسعي الى القضاء على ملل الحياة الرتيبة التي يعيشها الانسان دون ان يعي اسبابها,, ينطبق هذا ايضاً على كتاب صورة شخصية في السبعين لسارتر و يوميات عبقري لدالي او قصص صمويل بيكيت الذي يملك رؤية للحياة خاصة به، حيث انه كان يرفض حتى اجراء الاحاديث الصحفية، لانه ادرك المعنى الحقيقي للحياة وليس المعنى العبثي كما يشاع.
اللغة الوسيطة
* هناك قضية تثار دائماً في حقل الترجمة حول النقل عن لغة وسيطة ,, فكيف تعاملت كمترجم مع تلك القضية ,,, ؟!
بالنسبة للشعر فان النقل عن لغة وسيطة يؤثر في المعنى الداخلي للقصيدة، لان الشعر بطبيعته يقوم على اللغة التي كتب بها، ولذلك تتعدد المعاني في القصيدة,, عند النقل عن لغة وسيطة قد يختفي هذا المعنى المتعدد رغم دقة الترجمة، لان الكلمة تفقد ظلالها في اللغة الاصلية,, اما العمل النثري كالرواية فان الفاقد هنا من خلال اللغة الوسيطة قليل نسبياً,, ولذلك سميت الترجمة الادبية خيانة ولم تُسم الترجمة العلمية خيانة لان العلوم لا يوجد فيها تعدد او ظلال للكلمة وما وراءها وانما 1+1 = 2 ,, ولا حول ولا قوة لنا في هذا الامر اذ لابد من الترجمة في نهاية الامر.
* لكن ماهي الملابسات التي تجعلك تبحث عن لغة وسيطة تنقل النص من خلالها؟
انت تعجب بكاتب واما انك لا تتقن لغته الاصلية التي يكتب بها فتبحث عن ابداعه في لغة وسيطة، واما ان تكون الترجمة في اللغة الوسيطة اوضح وأجمل من الاصل,, لقد قرأت كتاب الروض العاطر في نزهة الخاطر للشيخ النفزاوي من ترجمة ريتشارد بريتون وكتبت عنه مقالاً في مجلة العربي الكويتية رفعت من شأن الكتاب كثيراً.
ولكن حينما وقع الاصل في يدي فوجئت بركاكته وعجبت مما فعله بريتون بالكتاب فقد انتج ترجمة رائعة بكل المستويات ليست شبيهة بالاصل على الاطلاق,, وهناك امثلة عديدة على الترجمات التي كانت اروع من الاصل.
ومن النماذج التي ترجمتها عن لغة وسيطة اعمال هيرمان هسية وجان جينيه الذي ترجمته عن الانجليزية مقارنة مع النص الفرنسي، وكذلك ترجمت جونترجراس, اعرف اللغة الفرنسية لكن ليس لدرجة الاتقان الذي يمكن للترجمة عنها مباشرة فأستعين بلغة وسيطة اتقنها وتوضح لي النص الاصلي,, المزعج في هذه العملية اننا نظن ان الترجمة الى الانجليزية او الفرنسية تكون دقيقة لكن ثبت بالفعل ان المترجم الانجليزي او الفرنسي قد يتصرف بالنص حسب أهوائه كما يحدث في الترجمة الى العربية احياناً,, والدليل على ذلك ترجمات كونديرا الى الانجليزية والفرنسية التي لم يرض عنها تماماً ويمكن مراجعة ذلك في كتابه فن الرواية,.
وايضاً هناك ترجمات فردناند لويس سيليه التي ترجمت اخيراً ترجمة ثانية الى الانجليزية بمقدمة توضح ان الترجمة السابقة لم تفهم روح النص!!
ولذلك يجب الحذر عند الترجمة عن لغة وسيطة، لانه من الممكن ان يكون العمل غير العمل الاصلي!!
الترجمة بين مدرستين
* هناك مدرسة في الترجمة تعتمد على النقل الحرفي واخرى تراعي الدلالة اكثر وفي سياق عربي مبين,, الى اي المدرستين يتجه احساس المترجم بداخلك؟!
هناك مدرسة دلالية واخرى حرفية,, واعتقد انه يجب صياغة الترجمة بما يناسب الاسلوب العربي في الكتابة، وليس المحافظة على ترتيب الافكار والجمل في النص الاجنبي!! مع الاحتفاظ بكل الافكار والاشارات الموجودة في النص الاصلي,, لان الترجمة الحرفية، وان احتفظت بالافكار الاصلية الا ان المعنى قد يصبح غامضاً او مشوشاً بالنسبة للقارىء العربي، ونجد الكثير من هذه الكتب المترجمة في المكتبات ولا يستطيع احد ان يقرأها ويفهمها.
* هناك مشكلة اخرى تتعلق بالمترادفات العربية التي تعبر عنها المجتمعات العربية بألفاظ مختلفة,, كيف تواجهها كمترجم,, وخاصة ان هذا التناقض يشيع اكثر في المصطلحات النقدية؟
بالنسبة لترجماتي احاول دائما اختيار الكلمات التي لها نفس المعنى، والتي تختلف من بلد عربي الى آخر اقوم بوضع اللفظ الآخر المرادف لها بين قوسين,, لكن ما يبعدني عن ترجمة الكتب النقدية هو ما اسميه هجمة المصطلحات في ميدان النقد في الثلاثين عاماً الاخيرة، وهذا ما سبب ارباكاً كبيراً للمترجمين، لانه في الحقيقة هناك اختلاف في اسلوب الكتابة وفق استقامة المصطلحات عما كان قبل ذلك ينطبق هذا ايضاً على مصطلحات علم النفس ولابد ان تقوم المجامع اللغوية بالدول العربية بدور في هذا الخصوص, هناك محاولات عديدة يقوم بها المترجمون فمثلاً اقيم مؤتمر بجامعة عين شمس وآخر بالمجلس الاعلى للثقافة وساهم في ذلك الدكتور محمد عناني والاستاذ ابراهيم فتحي وغيرهما,, خاصة اننا بحاجة ماسة الى المعاجم الادبية والنقدية مثلما قام بذلك المرحوم الدكتور مجدي وهبة منذ سنوات طويلة لكنه حاليا اصبح معجماً تاريخياً بلا فائدة كبيرة الآن.
فشل الكمبيوتر
* في ظل تطور وسائل الاتصال ووجود الكمبيوتر,, هل طور هذا من الترجمة الى العربية وانجازها في وقت أسرع؟!
وسائل الاتصال جعلت ثمة سهولة في الحصول على الكتب، لكن الترجمة التي يقوم بها الكمبيوتر ترجمة مازالت بدائية للغاية ويفضل المرء ان يترجم العمل مرة ثانية على ان يعيد تحرير العمل المترجم آلياً، فأنت تعرف ان الكلمة قد يكون لها عدة معان وليس هناك معيار لاختيار المعنى المحدد في الترجمة الآلية، مما يتسبب في مشاكل تصل احيانا الى درجة الطرافة، فمثلاً هناك جملة تقول هو عالم مشهور well - known ومعنى مشهور جاء في وصف احد العلماء وترجمه الكمبيوتر هو بئر معروف مراعاة للترجمة الحرفية!! فالوسائل الحديثة تسهل عليك الترجمة باعطاء معنى الكلمات بسرعة، وتتيح لك فرصة الاختيار الأمثل الا ان الترجمة الادبية لابد من عقل بشري يرعاها.
* برغم الكمبيوتر,, وبرغم اتساع دائرة من يتقنون لغات اجنبية مازالت الترجمة الى العربية متأخرة كثيراً عن الركب العالمي,, كيف ترى هذا النقص؟!
بالنسبة للترجمة الى اللغة العربية هناك قصور كبير ولكي نواكب الركب الحضاري الذي تتزعمه الان امريكا واوربا لابد ان نضاعف عشرات المرات مجهودنا في الترجمة,, ولأعطيك فكرة بسيطة عما يصدر من الكتب في امريكا,, هناك مجلة اسبوعية يصدرها اتحاد الناشرين الامريكيين اسمها Book - sellers تصدر ملحقاً اسبوعياً بالكتب التي صدرت خلال اسبوع، حاولت ان احصي عدد هذه الكتب خلال عشرات الاعداد من هذه المجلة فوجدتها تتراوح بين 3000 الى 4000 كتاب اسبوعياً وهو عدد لا يصدر لدينا طوال العام,, وبالتالي فان حجم ما نترجمه الى اللغة العربية ضئيل للغاية بالمقارنة الى ما يترجم في دول اخرى,, ولذلك لابد من هيئة خاصة او مجلس خاص يجمع المترجمين حوله مع وضع خطة لترجمة اهم الكتب في الميادين المختلفة ولا يترك الامر للمبادرات الفردية التي نسير على منوالها الآن سواء في المجلس الاعلى للثقافة، رغم اهمية ما يقوم به او في الهيئة المصرية العامة للكتاب,, وايضاً لابد من سد الفجوة بين ما ترجمناه وبين ما يصدر حديثاً من كتب، اذ هناك فجوة تزيد على خمسين عاماً سقطت من الترجمة العربية ونحتاج الى استكمالها ولابد ايضا من ان يكافأ المترجم بما يستحقه عن ترجماته، لان المكافأة التي تدفع لا تشجع احداً.
صراع المبدع والمترجم
* هناك جانب في مشوارك قد لا يلتفت اليه الكثيرون وهو انك مبدع لك اكثر من عشر روايات,, فهل يفسد عملك كمترجم روح المبدع بداخلك؟!
الغريب بالنسبة لي انني بدأت الترجمة وانا في الثانوية العامة وشجعني على ذلك كم الكتب الرهيب الذي كان يأتي لقوات الطوارىء الدولية في غزة هدية من الناشرين ويباع مع الرابش المخلفات بأسعار زهيدة للغاية، بحيث ان الكتاب كان يمكن شراؤه بقرش واحد,, وبالفعل ترجمت الكثير من القصص والمسرحيات ذات الفصل الواحد في اوائل الستينات,, بل واتصلت بدار الهلال للاتفاق على ترجمة بعض الروايات, ثم نسيت الترجمة قرابة ربع قرن تفرغت خلالها للابداع، ثم كان الامر بالمصادفة حين عرضت عليّ دار العروبة ترجمة كتاب اطفال الحصار لبولين كاتنج فترجمته في شهر رمضان عام 1988م ومنذ ذلك الحين اصبحت اترجم كل عام كتاباً جديداً او اكثر,, خاصة وان المرء لا يبدع طوال الوقت، فثمة فواصل بين رواية واخرى تتيح لي ان اقوم بالترجمة.
بالنسبة لتأثير الترجمة على الابداع الخاص بي فانها لم تؤثر، وان كان هناك مقال نقدي عن روايتي رجل في الظل يربط بينها وبين نص غائب يحضرك حين تقرأ رواية جيمس كين ساعي البريد يدق الباب مرتين والتي ترجمتها الى العربية منذ ثلاث سنوات,, فربما احيانا ينعكس ظل النص المترجم على العمل الابداعي الذي يتزامن معه, هذا وارد ولكنه ليس انعكاس النص الاجنبي نفسه على اية حال.
* وماالخيط الرفيع الذي يربط مشروعك الفردي في ترجمة عشرات الكتب المتنوعة؟
اعتقد ان هناك ترابطاً بين ترجمة الاحلام والرواية والسير الذاتية وغيرها من خلال التركيز على العقل اللاوعي، الذي يعتبره كثيرون المبدع الأكبر لدى الانسان بل ان إيريك فروم يعتبر اللاوعي هو الحقيقة الانسانية وان الوعي هو الزيف او القناع الذي نلبسه.
ولم انتبه الى هذا الترابط الا مؤخراً وبعد ترجمة اكثر من خمسة وعشرين كتاباً، رغم انها كانت اختيارات فردية متباعدة الا انها تشكل مشروعاً موضوعياً الى حد كبير.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved