أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 1st July,2000العدد:10138الطبعةالاولـيالسبت 29 ,ربيع الاول 1421

الاخيــرة

من سرق المصحف,,؟
أنور عبد المجيد الجبرتي
* أتلفت حولي فأرى طوابير من المحاضرين المتلهفين،
والناصحين المتحمسين.
* وأغلب هؤلاء مستعد لكي يتلقفك دون مقدمات، ويقتنصك دون سابق انذار,.
ليلقنك دروسا طويلة في الانضباط والوطنية،
ومخاطر التفحيط، ومشاكل الخدم المستقدمين،
وفوائد السياحة في أنحاء الوطن، وسلبيات السفر الى الخارج
ومزايا الصناعة الوطنية،
وأزمة الامية والثقافة،
وغلاء المهور، وارتفاع الاجور،
ومتاعب التحويلة والمطب والفضائيات,, والاتجاه المعاكس,,
الى آخر السلسلة الطويلة من المواضيع المعروفة المستهلكة.
* والواقع ان هذا في حد ذاته أمر يسر النفس ويبهج الخاطر.
* فليس ثمة سلوك اكثر نضجا من نقد الذات خاصة عندما يصدر عن اهتمام جاد بشؤون الوطن وهموم العالم وفهم عميق لظروفه وامكاناته.
* وليس ثمة خلق افضل من مشاركة الآخرين همومهم، والاهتمام بقضاياهم، والتجاوب مع متاعبهم، والتشاور معهم حولها، والمساهمة في بذل النصح لهم.
* ولو أخذنا الامر على علاته الظاهرة، لانتشينا طربا، واهتززنا نشوة وفرحا لوجود هذه الاعداد الغفيرة المتزاحمة,, المتدافعة بالمناكب,, من المحاضرين ,, الحكماء,, الذين يتقاذفون النصائح بين اركان المجالس والمنتديات، ويهيمون في اوديتها العميقة، ويخطبون من فوق صخورها الشاهقة.
* ولكن في النفس شيئا يجب أن يعلن،
وفي الخاطر سؤالا لابد أن يطرح.
* اذا كان كل منا على هذا المستوى من الوعي الوطني، وبهذه الدرجة من الشفافية الانسانية، والايجابية الفاعلة,.
فمن هم المتسببون في خلق هذه المشاكل التي نهيم بالحديث عنها وكل منا لديه قائمة طويلة من الحلول لها,,؟
* وكيف يمكن لها أن تستمر، وأكثرنا يتقمص شخصية سقراط بين تلاميذه,, عند حديثنا عنها,, وتحليلنا لها,,؟
* ثمة مؤشر يوحي بأن تناصحنا، ومواعظنا لأنفسنا بصوت مرتفع وللآخرين بصوت أكثر ارتفاعا لا يعدو أن يكون ظاهرة لفظية بحتة،
* وأنها في أغلب الاحيان جعجعة لا طحين معها، ودوي أخرس من طبول جوفاء ضامرة.
* إنني أعرف أناسا تنتفخ أوداجهم غضباً، عندما يتحدثون عن مشاكل السائق الاجنبي، والخادمة المستقدمة ثم,.
تزوره في بيته فتحسب بأنك ضللت الطريق فقادتك الى برج بابل لتعدد اللغات التي يتحدث بها طابور الخدم والسائقين المتعددي الجنسيات الذين يمتلىء بهم بيته.
* وأعرف رجلا تنتفض أطرافه غضباً، وتتمزق نفسه أسى ولوعة عندما يتحدث عن ضحايا التفحيط والتهور الطفولي,, ومع ذلك فلن يمكث في مجلسك طويلا قبل ان يبدأ التباهي بعدد السيارات التي غيرها لابنائه افتخارا بشقاوتهم الحبيبة وشبابهم الفوار حفظهم الله .
* هناك صديق ترقص شواربه استنكارا، وتتلمظ ، شفتاه أسى، وحسرة عندما يتحدث عن مضار الفيديو وصياعة الشباب في حواضر الشرق والغرب,.
لكنه لا يلبث أن ينسى,, فيحدثك عن أجهزة الفيديو المزروعة زرعاً في غرف منزله وصالاته، وعن الارض البعيدة التي سيشحن اليها أبناءه في الصيف القادم.
* الامثلة التي تعكس هذا التباين الواضح بين تناصحنا كظاهرة لفظية مجلجلة، وسلوكنا وتصرفاتنا كواقع فعلي,, كثيرة جدا.
* لقد أصبح حديثنا عن هذه القضايا,, عادة مجلسية ركيكة،
وطقوسا اجتماعية مملة،ونفاقا جماعيا متمكنا.
* وأرجو ألا أتهم هنا بنقل هذه العادة من المجلس الى الزاوية عندما أقرر بأن هذا الوعي اللفظي المكثف لو ترجم الى سلوك علمي,, لفرّت مشاكلنا منا,, كما تفر الحمر الوديعة من قسورة.
* ان واقعنا هذا يذكرني بقصة أحد الزاهدين عندما ذهب الى السجن,, ليعظ ساكنيه، وألقى فيهم موعظة مؤثرة خشعوا لها، فارتفعت أصواتهم بالبكاء,.
* وفجأة أحس الواعظ بأن مصحفه قد سرق منه,.
فالتفت اليهم,, صارخا في تعجب:
* كلكم يبكي,.
* فمن سرق المصحف اذن؟

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved