أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 3rd July,2000العدد:10140الطبعةالاولـيالأثنين 1 ,ربيع الثاني 1421

مقـالات

أريد أن أقول
أزمان الورق,, وأقلام الرصاص قد تبدلت!
خلدون السعد
في السابق وكما يخبرنا التراث العربي والإسلامي، كان للمشافهة بالوعود بين الناس مفعولاً سحرياً يجعل الناطقين بها ملتزمين أمام أنفسهم قبل الآخرين، وقد وردت الكثير من القصص التاريخية المبينة لمدى تقديس الوعود والوقوف عندها بمجرد إبرامها وحتى لو أدى ذلك إلى تكبد خسائر لا يمكن تعويضها, أما الآن فالوضع اسفر عن حقبة مختلفة، ألقت بأوزارها على أطلال المدارس القديمة بعدما أخذت شكلاً مغايراً، أفرز ممارسة أكثر واقعية وجفافاً لمفهوم الوعود بكافة أشكالها وفق منهجية تعتمد الأوراق والمستندات والوثائق وإجمالاً الوعود المكتوبة، كمحور اساسي ورئيس تستمد منه الأقوال والأفعال شرعيتها, فهل قلت الأمانة وأصبحت الثقة بالغير ظرفاً استثنائياً القبول به يدخل في قاعدة الشواذ والظواهر الميتوفيزيقية او ما يعرف بخوارق الطبيعة؟!، أم أنها دواعٍ تاريخية تسعى لتوثيق الحاضر المتشكك والاستعانة بمجريات لتدوين المؤلفات الضاحكة والمتهكمة على شاكلة أشعب وجحا, طبعاً لا يختلف أحد بأن حياة السابقين كانت أبسط في تركيبها وتعاملاتها وأشد التصاقاً بالفطرة الإنسانية مما هي عليه حالياً، ولكن أليس في إبرام الورق كآلية للتعامل انتهاك لقيمة الكلمة وإهدار للأحبار والأشجار مع ما تؤدي إليه من عواقب تمس التوازن البيئي بصورة مباشرة؟ المؤكد أن بعض الأمور لا نستطيع تحريرها من استعمار أو هيمنة الورق كوثائق السفر والأوراق الثبوتية الأخرى، كذلك شهادات الخبرة والدراسة، وقضايا كتابة التاريخ والأشعار والحاجات الكتابية بأنواعها، ايضاً المعاهدات السياسية والاقتصادية وأمور المجتمع الحساسة إلى غير ذلك,, ولعل اللافت هنا أن ثورة المعلوماتية والتكنولوجيا وكنتيجة للتجارب والخبرات الطويلة منذ أن عرف الورق لأول مرة في الصين، تفكر جدياً في إحالته إلى التقاعد بدواعٍ اقتصادية ترشيدية وللقضاء على الروتين الإداري الممل ووضع نهاية لفوضى الورق فوق المكاتب الصغيرة!, هذا إذا ما استثنينا زحمة التأشيرات والأختام في محيط الورقة الواحدة وكأنها رسوم سريالية للزينة ابتكرها سلفادور دالي ، وما يروج له المستاءون من هذه الهستيريا للتواقيع المجهرية بقولهم انها أقحمت أصلاً لتعويم المسؤولية وإضاعة الحقوق بتشتيتها بين اشخاص متفرقين!, العالم اليوم تحول إلى مجموعة من الترنزوسترات والنهايات الطرفية والمعالجات الضخمة وظهرت مفاهيم مبتكرة لإدارة شؤون المجتمع المختلفة كالحكومات الإلكترونية والتجارة الإلكترونية، بل وزادت المطالبات بإيجاد قانون إلكتروني ينظم إجراءات العقود والمصالح المتداولة عبر الإنترنت ويحدد نطاقها والعقوبات المقررة بحق المخالفين لنصوصها، وخصوصاً أن إبرامها يكون فردياً غالباً وبواسطة نماذج معدة سلفاً تعبأ وترسل بالبريد الإلكتروني, المشافهة فيما مضى حققت أهدافها وجاءت متوافقة ومعايير المجتمع القديم ليأتي الورق ويجسد مرحلة انتقالية دعت إليها ظروف الانتقال من نطاق البادية الضيق إلى القرية والمدينة فالدولة، ولأن الشيء لا يبقى علىحالة التأمت الدول إلى بعضها وكونت تكتلات تراوحت تنظيماتها ومؤسساتها بين الإقليمية كمجلس التعاون الخليجي ومنظمة الوحدة الافريقية والجامعة العربية والاتحاد الأوربي والدولية كالأمم المتحدة، بخلاف التنظيمات الأخرى المتخصصة اقتصادياً او رياضياً او اجتماعياً وهلم جراً، وهو ما أدى بطبيعة الحال إلى تبادل الثقافات وتداخل الحضارات جزئياً بالتقليد والمحاكاة أو كلياً بإقرار النظم المماثلة والسياسات الشبيهة واستدعى مثلاً تغيير سياسات ثابتة استحال لزمن التفكير في مجرد المساس بها للانضمام لمنظمة التجارة الدولية، وما سبق كمحصلة أولية أنتج عالماً محكوماً بالحاسوب يستجيب لرتم الواقع السريع ويساير تفاعلاته، وما نتمناه محلياً مبادرات إلكترونية عملية واقعية تحاكي ما يدور في الجوار على أقل تقدير، وبما ينسينا أزمان الورق وأقلام الرصاص بكل مآسيها ونكباتها، ثم إن الوقت قد تبدل والعجلة تدور بدون توقف ولا أحد ينتظر أو يتغاضى أو يجامل ما لم نسارع وننتهز الفرص؟!.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved