أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 5th July,2000العدد:10142الطبعةالاولـيالاربعاء 3 ,ربيع الثاني 1421

مقـالات

حقوق الخدَم والجيران
عبدالله محمد أبكر
للجيران من الحقوق ما أعطاهم إياها الإسلام وكذلك الخدم، ولا شك أن من عرف قدر نفسه عرف قدر نفس غيره، وقد قيل: فاقد الشيء لا يعطيه.
وقال إيليا أبو ماضي:


والذي نفسه بغير جمالٍ
لا يرى في الوجود شيئاً جميلا

ومثل هذه التصرفات وتلك لا تصدر إلا من جاهل غافل لا مساق له إلى السلوك القويمة، او أنه مصاب بداء الكبر سادُّ على نفسه مسالك الخير لصلاح نفسه وصلاح غيره.
فهو يفسد من حيث يرى الصلاح، ويهدم من حيث يرى البناء، ويشتت من حيث يرى الجمع، وهكذا يتخبط في عشوائية يصحبها هالة من الغطرسة، وهو الضاحك على بساط حاله والظالم لموقع راحته.
أما ما أصاب من تغافل نحو الجيران، وما قصروه عن بعضهم البعض من التعارف والتزاور والإهداء والإحسان فقد كفانا ذلك نقصا، أما أن ينقلب الوضع إلى إساءة وضرر فذاك من السيل الذي بلغ الزبى, ومتى يحمد القوم السُّرى، إذا بني المجتمع على هذا النحو.
لعل ما سأنقله في هذا الموضوع يصلح ليكون الدواء الإرشادي الناجع إن شاء الله تعالى:
أولاً في تقويم الشخصية:
قال ابن المقفع: عمل الرجل يعلم أنه خطأ هوىً والهوى آفة العقاب، وتركه العمل بما يعمل أنه صواب تهاونٌ، والتهاون آفة الدين وإقدامه على ما لا يعلم أصواب هو أم خطأ لجاجٌ، واللجاج آفة الرأي.
قلت: فهل من مريد ذهاب عفافه ورأيه بل ودينه، لا أظن هناك من يسعى إلى ذلك إلا أحمق أعمى.
وقبل لديوجانس: أيهما أولى، طلب الغنى أم طلب الحكمة؟ فقال: الدنيا الغنى وللآخرة الحكمة.
وقال سقراط: من خدم غير نفسه فليس بحرٍّ.
قيل لهوميروس: ما اصبرك على عيب الناس لك فقال: لأن استوعينا في العيب، فأنا عندهم مثلهم عندي.
وقال بعض الحكماء: لا يصبر على المروءة إلا ذو طبيعة كريمة.
فأين أهل المروءة والصابرون.
وقال مالك بن دينار: إني لا أقدر أن أعمل بجميع ما أقول.
وقال حاتم: لا تنظر إلى من قال، ولكن انظر إلى ما قال.
وقال آخر: من صان لسانه نجا من الشر كله.
وقال آخر: عُجب المرء بنفسه أحد حسّاد عقله.
وقيل: ما خرج من فيك فهو فيك.
وقيل: العنف وليد الضعف, والمحسن معان والمسيء مهان.
وقيل: من أحسن فلنفسه وللغير، ومن أساء اقتصر على الضجر.
ومن مال إلى الحق مال إليه الخلق.
ثانياً عن الخدم:
روي عن المعرور بن سويد قال: رأيت أبا ذر الغفاري رضي الله عنه وعليه حلة وعلى غلامه حلة فسألته عن ذلك فقال: إني ساببت رجلاً فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية, ثم قال: إن إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم, رواه البخاري ومسلم.
ونقل الدكتور صالح بن حميد في كتابه: تلبيس من ردود في قضايا حية:
كان عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه إذا مشى بين عبيده لا يميزه أحد منهم، لأنه لا يتقدمهم، ولا يلبس إلا من لباسهم, وعبيده: أي خدمه.
ومرّ عمر يوما بمكة فرأى العبيد وقوفا لا يأكلون مع سادتهم فغضب وقال لمواليهم: ما لقوم يستأثرون على خدامهم ثم دعا الخدام فأكلوا معهم.
ودخل رجل على سلمان رضي الله عنه فوجده يعجن، فقال له: يا أبا عبدالله ماهذا؟
فقال: بعثنا الخادم في شغل، فكرهنا أن نجمع عليه عملين, رضي الله عنهم وأرضاهم من رجال, انتهى.
وقال المفسرون في تفسير هذه الآية: (ومن يُرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) قالوا: الإلحاد: أن تكره الخادم، هذا أدنى من الظلم والإلحاد, (فإذا كان هذا في إكراه الخادم فما بالك بارتكاب الجرم الكبير والكبائر من الذنوب، نسأل الله العصمة منها والعفو عما سلف وكان.
ومن وصايا الخليفة الثاني عمر رضي الله عنه: أوصى بأهل الذمة خيراً أن يوفى لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم وألا يكلفون فوق طاقتهم.
ومن أقوال الخليفة الرابع علي رضي الله عنه: من كانت له ذمتنا، فدمه كدمنا وديّته كديّتنا (هذا مع غير المسلم فما بالك بالمسلم المؤمن).
وفي الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي: كان محمد بن المنكدر إذا غضب على غلامه يقول : ما أشبهك بسيدك, أي ابن المنكدر نفسه, انتهى.
بل هناك أبلغ من هذا: قال أبو ذر: كيف يكون حليماً من يغضب على حماره وسخله وهرّه.
وجاءت جارية المنصور بن مهران بمرقة فهراقتها عليه، فلما أحس بحرّها نظر إليها فقالت: يا معلم الخير اذكر قول الله تعالى: قال وما هو؟ قالت: قوله تعالى (والكاظمين الغيظ) قال: كظمتُ, قالت: اذكر قوله تعالى (والعافين عن الناس) قال: قد عفوتُ, قالت واذكر قوله تعالى (والله يحب المحسنين) قال اذهبي فأنت حرة.
ومما قيل عن الجيران:
نقل الدكتور السيد محمد علوي المالكي من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم في كتاب له: قال الإمام البخاري بسنده إلى عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه, وقال عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت .
وعن عائشة (رضي الله تعالى عنها) قالت: قلت يا رسول الله لي جاران فإلى أيهما أهدي؟ قالت: إلى أقربهما منك باباً.
وعن ابن عمر قال: لقد أتى علينا زمان أوقال حين وما أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم ثم الآن الدينار والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه المسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة يقول: يارب هذا أغلق بابه دوني فمنع معروفه.
وعن الحسن أنه سئل عن الجار فقال: أربعون داراً أمامه وأربعون عن يمينه وأربعون عن يساره، قال: إن أبا هريرة قال ولا يبدأ بجاره الأقصى قبل الأدنى ولكن يبدأ بالأدنى قبل الأقصى.
ونقل أبو حيان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة: كان للحسن جار نصراني، وكان له كنيف أي حمام على السطح وهو قد نقب ذلك في بيته، وكان يتحلب منه البول في بيت الحسن، وكان الحسن أمر بإناء فوضع تحته، فكان يخرج ما يجتمع منه ليلاً، وأمضى على ذلك عشرين سنة، فمرض الحسن ذات يوم فعاده النصراني فرأى ذلك, فقال يا أبا سعيد: مذ كم تحملون مني هذا الأذى فقال منذ عشرين سنة، فقطع النصراني زناره وأسلم, وقال علي للعباس رضي الله عنه ما بقي من كرم أخلاقك؟ قال: الإفضال على الإخوان وترك أذى الجيران.
وقيل: ليس من حسن الجوار ترك الأذى ولكنه الصبر على الأذى.
وأحسن إلى جارك وإن كان مسيئاً.
وقيل: حسن الجوار عمارة الديار، ومثراة المال.
وقيل شعراً:


ناري ونار الجار واحدة
وإليه قبلي تنزل القدر

***


أطلب لنفسك جيرانا تجاورهم
لا تصلح الدار حتى يصلح الجار

***


يقولون قبل الدار جارٌ مجاور
وقبل الطريق النهج أنس رفيق

***


يلومونني أن بعت بالرخص منزلي
ولم يعلموا جاراً هناك ينغِّص
فقلت لهم كفّوا الملام فإنما
بجيرانها تغلو الديار وترخُص

والجار الكافر له حق الجوار والجار المسلم له حقان، حق الإسلام وحق الجوار، والجار المسلم القريب له حقوق ثلاثة حق الإسلام وحق الجوار وحق القرابة.
لعل هذا كافٍ لما يراد من تكوين شخصية قويمة لتسير على النهج الأخلاقي الحميد، وما يدل على الخير، ويهدي إلى المنافع، ويوقف على الأخلاق والآداب الحسنة النبيلة، وما يبعث على المروءة والرجولة الحقة المنشودة، والسعيد من وعظ بغيره, والله من وراء القصد.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved